حوار على ضفاف الثورة

كتب الحبيب الأول عن بضعة أسباب للثورة يكفي واحد منها لاندلاع هذه الثورة منذ عقود.. 

 

وكتب الحبيب الثاني متألما معقّبا: 

  

هذا النظام يستحق ألف ثورة وألف ألف لعنة ولكن..

قمنا بثورتنا فقتل أكثر من مليون من شعبنا وما زال ملايين مغيبين في السجون يتمنون الموت كل يوم ألف مرة..

تشرد نصف شعبنا والنصف الآخر يعيش في رعب وعوز وحاجة.. الا أقل القليل..

ضاع جيل من أبنائنا على أرصفة اللجوء وفي المخيمات بدون تأهيل ولا تعليم ولا أمان نفسي أو مادي أو .. 

عشرات آلاف المغتصبات وأضعافهن ممن اضطررن للزواج ممن لا يوافقن عليه فتركن الدراسة والتنشئة السليمة تحت ضغط الحاجة..

تهدمت البلد وما عاد لها أمل بالنهوض بالمستقبل المنظور..

حصل تغيير ديموغرافي خطير يكاد أن يمحو هوية الوطن وحق أهله بالعودة إليه..

بالنظر لمآل الأمر ليتنا ثم ليتنا ثم ليتنا ما قمنا بهذه الثورة التي لم نحسن التخطيط لها ولا العمل بها! 

 

فأقول بعدهما وكلاهما ذو فضل: 

 

نعم أيها الحبيبان… 

هذا حق، وذاك حق، وغيرهما حق وحقيقة، ولا تناقض! 

من قال أننا قمنا بهذه الثورة؟

من يستطيع أن يزعم ذلك؟

لا أطفال درعا ولا الحريقة والجامع الأموي ولا أحداث الجزيرة قبل الثورة بسنوات، ولا ربيع دمشق، ولا أحداث حماة، ولا غيرها… 

كانت أمور نسجها كتاب القدر (وجئت على قدر يا موسى).

ثار من ثار بأمر الله، وفي سبيل قضية عادلة.. 

وقعد من قعد بخذلان الله لهم وتثبيطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين! 

لا ثورة هؤلاء بأمر مخيّر، ولا قعود أولئكم بأمر مبرر.. 

لا ثورة هؤلاء فتنة، ولا قعود أولئكم فطنة.. 

لا كنا عايشين قبلها إلا في الوهم، ولما نزل نتعثّر في سراديبه وأفخاخه! 

النجاح فلتة، قد يقي الله شرّها كما وقى الأولين فلتة السقيفة، وقد لا يقي ابتلاء وفتنة وتمحيصا وقضاء في سنة قدرية اجتماعية أو كونية نافذة.. 

الثورة ليست خطأ، وإنما الخطأ القعود عنها.. 

وهي ليست اختيارا بل اضطرارا.. 

وفي الاضطرار (ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم).

الثورة احتقان عقود من الرغام والظلم والفساد والاستبداد.. 

فانفجر بركانها في شعرة لم تكن الأثقل على ظهر البعير، ولكنها قصمت ظهره وكان ما كان! 

في الاضطرار والاحتقان والانفجار تخرج الأمور عن سكة الإعداد والاستعداد لدروب العفوية والتنسيق الارتجالي، وإن كان هذا ليس بمبرر لاستمرار هذه الفوضوية كل هذه السنين، دون تنكر للمحاولات الجادة، ولكن طبيعة المعركة بحكم الجيوبولتيك، وبحكم مساحة الجهل والتآمر وصراع المشاريع، كل هذا جعل النصر يبدو أبعد مما توهمه أكثرنا بادي ذي بدء!  

ما ينفعنا اليوم التلاوم في أمر الله وقدره الذي اختارنا وما اخترناه، ( يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم ) 

أتفهم مقدار الألم، فزلزال المحنة فوق الخيال، ولكن ها هنا تأتي عقيدة الإيمان بالقدر كقيمة إيجابية في حياة المؤمن، ففي الحديث: (احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت لكان كذا، فإن لو تفتح عمل الشيطان).

ثار من ثار إحقاقا لواجب إنساني وشرعي ووطني، وأما النتائج فأمر الله يصرّفها بحكمته كيف يشاء، ولعلنا لو غيّرنا ما بأنفسنا، وتحررنا من رواسب عبودية ما قبل الثورة نستحق بعدها ما أخّره الله عنا، نسأل الله أن يهدينا سبلنا، ويعجل بفرجه ونصره، ويشملنا بلطفه ورشده وفضله وتوفيقه. آمين

 

مقال : إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح هـــنا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين