حوار على عتبة الباب

 

طرَقَ باب الدار بالأمس رَجُلان، فألقَيا التحيّة وقدّما نفسيهما من "شهود يهوه"، وخرجتُ إليهما حافياً وأغلقتُ الباب !

 

من عادة كرازة شهود يهوه حسب معرفتي، خروج رجل وامرأة معاً للتبشير، ووجود رَجُلانِ هذه المرة يُعدّ تطوّراً جديد في الكرازة !

 

ابتسمتُ بوجههما وقلت لهما: ماورائكما ؟

 

قال أحدُهما ويبدو أنّه الأقدّر في الإقناع:

 

نحنُ شهود يهوه نجتمعّ ثالث خميس من كل شهر الساعة السابعة مساءً في قاعة الملكوت، ليس لقراءة الكتاب المقدس، بل لتطبيقهُ في حياتنا اليومية بملكوت الله.

 

سَكَتَ برهةً ينظرُ إلى خزانة الأحذية الصغيرة القائمة بجانب الباب، والتي نخلعُ فيها أحذيتنا قبل الدخول إلى شقّتنا المستأجرة في الطابق العلوي بمجمع يحتوي خمسة وسبعون مسكناً.

 

عرفَ أنني لستُ مسيحياً فاستطرد قائلاً: 

 

لا داعي أن تكونَ من شهود يهوه كي تحضر الإجتماع، فالدخول مجّاناً دون تبرّعات، والجميع مرّحّب بهم !

 

نظرتُ إليه مبتسماً أطلبُ منه العنوان، فقدّمَهُ لي مسروراً مع الخارطة ويبعدُ خمسة كيلو متر عن مسكننا تقريباً.

 

قلت له: وماذا أيضاً ؟

 

أخذَ يُحدثني عن شرور العالم وإجرامهم وآثام البشر، والتوبة من الخطيئة ومحي الذنوب في الإلتحاق بشهود يهوه والإيمان بالمسيح عليه السلام.

 

وأخذ نَفَساً عميقاً قبل متابعته، فبادرتهُ قائلاً:

 

ألا أدلّكَ على كتاب يشمل كل ما قلته و يصحح بعض المعتقدات ؟

 

قال: أي كتاب هذا ؟!

 

قلت لهُ: القرآن الكريم المقدّس !!

 

قال: ولكنّكم لا تؤمنون بالمسيح !

 

قلتُ: بل نؤمن بالمسيح ونحبّهُ كما نحبُّ نبينا محمد ?، فمن شروط الإيمان عندنا وأركانه أن نؤمنَ بالرسل جميعاً لا نفرّقُ بين أحدٍ منهم، فالمرء عندنا لا يصبحُ مسلماً حتى يؤمن بالإنجيل والمسيح.

 

فابتسمَ صديقهُ يومئ برأسه موافقاً بما قلت، بينما أردفَ هو قائلاً:

 

ولكن لا تؤمنوا أنٌ المسيح إبنُ الله !

 

قلتُ: لأن الله واحدٌ أحد، ليس له صاحبة ولا ولد، ولم يَلد ولم يولَد، والمسيح عليه السلام هو بشرٌ مثلنا، ولدته أمّه مريم بمعجزة إلهية بدون أب.

 

قال: ولكن تلميذهُ بولص ذكرهُ برسائله أنّه إبن الله !

 

قلتُ: بولص ليسَ من تلامذة المسيح عليه السلام ولم يقابلهُ قط، بل حصلت له رؤيا أنّه قابلَ المسيح وأمره بالإيمان به واتباعه، وهذا ما رواه بولص عن نفسه عند اعتناقه المسيحية.

 

تململَ شاهدُ يهوه قليلاً بما سمِعَ وأراد أن ينسحبَ بطريقة لبقة فقال:

 

أعتقدُ يجب عليَّ أن أرحل فلدينا مهام كثيرة.

 

فقاطعته قائلاً: هل تسمح لأحد أن يعذّب إبنك أمام عينيك ولا تنقذهُ، فكيف الله يرى إبنه حسب زعمكم يُصلب ويتعذّب ولا ينقذه.

 

فأراد أن يربكني فقال: ولكن القرآن لا يشهد بموت المسيح على العامود !

 

قلتُ: لأنّ المسيحَ عليه السلام لم يُصلَب ولم يَمُت، بل رفعهُ اللهُ إليه، وسوف يعود قبل يوم القيامة ليكون علامة لها، ثمّ يموت ويُدفَن كبقية البشر.

 

قال: ومن الذي مات على الصليب باعتقادكم ؟

 

أجبتهُ: شبيهاً له من تلاميذته !

 

نظر مرة أخرى إلى خزانة الأحذية بجانب الباب ثمّ نظرَ لساعة يده ليشعرني أنّهُ تأخر ويريد الإنصراف، وكانت فرصة سانحة لدعوته إلى الإسلام، فتَذكّرتُ طريقة الداعية أحمد ديدات رحمهُ الله في الدعوة فقلتُ له:

 

هل تأتيك صحف الأخبار اليومية إلى البيت ؟

 

قال: نعم.

 

قلتُ: حسناً.. إذا اجتمعَ على طاولتك ثلاث إصدارات لجريدة الأخبار، واحدة إصدار اليوم، والثانية إصدار الأمس، والثالثة إصدار أول أمس، فأي إصدار تقرأ أولاً ؟

 

كان ذكيّاً جداً وفطِنَ لما أقصدُ فقال:

 

أنا لا أقرأ الصحف !

 

وهنا أيقنتُ أنّه لم يعد يريدُ الإستماع، فابتسمتُ بوجههِ مودعاً وقلتُ:

 

إنّ أردتَ معرفة الإسلام والإيمان والرسل والكتب السماوية ومقدار حب المسلمين لعيسى وأمّه عليهما السلام،  فأدعوك لزيارة المركز الإسلامي الواقعُ في الشارع المقابل، ولا يجبُ أن تكون مسلماً لزيارتهِ، فالدعوة مجانية للجميع ولا يوجد تبرعات !

 

وذهبَ ليتابع مهمتهُ، فدخلت الدار وأنا واثقٌ من أحد أمرين:

 

إمّا سيذهبُ غداً إلى المركز الإسلامي ليتعلم أكثر عن الإسلام، أو لن يطرقَ باباً آخراً بجانبه خزانة أحذية !!

 

ملاحظة:

كرازة عند التبّشيريين معناها الدعوة إلى منهاج المسيح عليه السلام.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين