قال تعالى في سورة هود:﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ
التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ
إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا
قَلِيلٌ﴾ [هود: 40].
السؤال
الأول:
ما المقصود بـ (أهلك) أهم الأهل أم هو
فعل ماضٍ من الإهلاك؟
الجواب:
إن المقصود بـ (أهلك) هم الأهل وليس
فعلاً ماضياً، ويدل على ذلك أمور منها:
1 – إن
الإهلاك لم يحصل بعد، وأن المؤمنين لم يركبوا بعد في السفينة، فإنه قال بعد هذه
الآية:﴿وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا
بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [هود: 41].
2 – لو
كان (أهلك) فعلاً ماضياً لكان الاستثناء مفرغاً، أي إن المستثنى منه غير مذكور،
والاستثناء المفرغ إنما يكون في النفي وشبهه ولا يقع في الإثبات إلا نادراً،
والفعل في الآية مثبت فلا يترجح أنه فعل.
3 – ومما
يدل على أن المقصود بـ (أهلك) هم الأهل قوله تعالى في سورة (المؤمنون): ﴿وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ
الْقَوْلُ مِنْهُمْ﴾ [المؤمنون:
27]، فإن الضمير في (منهم) يعود على الأهل.
4 – لو
كان المقصود بـ (أهلك) الفعل لكان الناجون جماعتين:
أ – مَن
سبق عليه القول.
ب – ومَن
آمن.
وهذا يقتضي أن مَن سبق عليه القول ليسوا
ممن آمن، ومع ذلك فقد نجا، وهذا لا يصح.
5 –
المجيء بـ (على) مع الفعل (سبق) يدل على أن المقصود بمن سبق عليه القول أنه معذب
كقوله تعالى: ﴿حَقَّ عَلَيْهِمُ
الْقَوْلُ﴾ و: ﴿لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ﴾
[يس: 7]، ونحو ذلك.
بخلاف استعماله مع اللام فإنه بشرى
بالحسنى كقوله تعالى:﴿إِنَّ
الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ﴾ [الأنبياء: 101]، وقوله:﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا
لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ﴾ [الصافات: 171-172].
السؤال
الثاني:
قال في هذه الآية آية هود -: ﴿وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ
الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ﴾ [هود:
40]، وقال في آية (المؤمنون): ﴿وَأَهْلَكَ
إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ﴾ [المؤمنون: 27]، فذكر في آية (المؤمنون) (منهم) ولم يذكر
ذلك في آية هود، فما سبب ذلك؟
الجواب:
إن القصة في سورة هود مبنية على العموم
في أكثر من جانب من جوانبها، أما القصة في سورة (المؤمنون) فمبنية على الخصوص،
ومما يوضح ذلك:
1 – قوله
في هود: ﴿وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ
سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ﴾، وقوله
في (المؤمنون): ﴿وَأَهْلَكَ إِلَّا
مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ﴾ [المؤمنون: 27]، وما في هود أعم مما في (المؤمنون) فإنه
لم يقل: (منهم).
2 – أنه
قال في سورة هود: ﴿وَمَنْ آمَنَ﴾ [هود: 40] فزاد على الأهل: ﴿مَنْ آمَنَ﴾، ولم يذكر ذلك في (المؤمنون).
ولا شك أن ما في هود أعم فإنه زاد على
الأهل من آمن.
3 – أنه
قال في هود: ﴿لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ
مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ﴾ [هود: 43]، وهذا يفيد العموم فإنه استغرق نفي العاصم إلا
مَن رحم الله، وذلك أنه نفى بـ (لا) النافية للجنس، ولم يقل مثل ذلك في (المؤمنون).
4 – قال
في هود:﴿قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ
بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ﴾ [هود: 48]، وقال في (المؤمنون):﴿وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا
مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ﴾ [المؤمنون: 29].
فإنه في سورة هود زاد السلام على
البركات، ولم يذكر ذلك في (المؤمنون)، وقال في هود: {وبَرَكَات} وهو جمع بركة، في
حين قال في (المؤمنون): ﴿مُنْزَلًا
مُبَارَكًا﴾ [المؤمنون: 29]،
بالإفراد.
وقال في هود: ﴿عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ﴾ [هود: 48]، ولم يقل مثل ذلك في (المؤمنون)،
وإنما دعا لنفسه ﴿أَنْزِلْنِي﴾.
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول