خواطر حول سور وآيات قرآنية

 

1- سورة "الكافرون" من السور المكيَّة المباركة في القرآن الكريم، وقد لاحظتُ أن النبي صلى الله عليه وسلم أمَر بقراءتها في اليوم والليلة أربعَ مرات:

أ- في سُنة صلاة الفجر أول النهار.

ب- وفي سُنة صلاة المغرب أول الليل.

ج- وفي الركعة الثانية مِن صلاة الوتر التي تختم بها أعمال العبد.

د- وقبل النوم.

وأخبر بأنها براءةٌ من الشرك.

 

وأشعر أننا بأشدِّ الحاجة إلى قراءتها، وتفهُّم معانيها في هذا العصر الذي استفحل فيه أمر الكفر، وأصبح للكفار سطوةٌ وصَوْلة.

وقد لاحظتُ أن في تَكرار قولِه تعالى: { وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ } [الكافرون: 3] اعتزازَ المؤمن بإيمانه أمام طغيان الكفر، واستعلائه.

 

إن التبرُّؤ من الكفر والكافرين، حسب وصف الله سبحانه في هذه السورة، ومِن الشرك والمشركين، حسب وصف النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث - ضرورةٌ في حياة المسلم؛ لِمَا فيه من حماية إيمانه، وتثبيت يقينه، في وقت تَزَلْزُل الاقدام، وزيغ القلوب، والانحراف عن الطريق، "اللهم يا مقلِّب القلوب ثبِّت قلوبنا على دينك" حتى نلقاك على المحبة والرضا، آمين.

 

2- أهمية تثبيت القلوب ولو بكلمة في زمن المحن:

قال الله تعالى فى سورة لقمان: { وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ } [لقمان: 30]، بينما قال في سورة الحج: {وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ }[الحج: 62]، بزيادة { هُوَ }، فلماذا؟

• والجواب - كما قال أهل العلم - أن سياق آية الحج يُبيِّن أن الصراع بين الحق والباطل شديد، فنحتاج ذلك التأكيد لتهوين الباطل مهما عظم، وتثبيت المؤمنين، بينما السياق في سورة لقمان كان محاجَّةً بين الحق والباطل فقط، فلا نحتاج إلى هذا التأكيد[1].

 

وصدق من قال:

أُغنِّي للجمالِ لعلَّ لحنًا 

يُصادِفُ قلبَ مكتئبٍ فيَطرَبْ 

وأسكبُ في طريقِ اليأسِ فألًا 

لعلَّ العابرَ الظمآنَ يَشربْ 

 

 

3- كيف تجعل كل أيامك أعيادًا؟

• ما أجملَ التكبيرَ في أيام العيد! فهو زينته؛ قال الله تعالى: ? وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ ? [البقرة: 185]، لكن ينتهي بانتهاء العيد، فلا تحزَنْ لذلك، لماذا؟ ‏لأن مِن نعمة الله علينا أن عدد التكبيرات في المواطن التي لها ارتباط بالصلاة في اليوم والليلة ما يقرب من (500) تكبيرة تقريبًا، فحافظ عليها، واجعل كل أيامك أعيادًا[2].

ما أشدَّ حاجتَنا إلى التكبير الذي يُعلي من شأن الايمان في القلوب، ويصغر أمر الدنيا بكل مظاهرها في النفوس!

 

4- { قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ } [يوسف: 33]:

كلمةٌ ملؤها الطهر والعفاف والنقاء، نطق بها نبي الله يوسف عليه السلام، فاستُجِيب له، لكن نبيَّنا محمدًا صلى الله عليه وسلم علمنا أن نسأل الله العافية.

 

5- قال الله تعالى: { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ } [آل عمران: 64].

متى سيصل المسلمون فيما بينهم إلى هذا المستوى من الفَهم القرآني؟

 

6- قال تعالى: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ { [البقرة: 216]، { فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا } [النساء: 19]:

وصدق مَن قال: ولنا في القَدر أشياءُ جميلةٌ ستأتي من غير ميعاد!

وقد قال الشاعر:

لا يعرفُ الحزنَ مَن طابت سرائرُهُ 

وأشرقَ الحمدُ يُجلي ظلمةَ الكَدَرِ 

لنا مع الفألِ صبحٌ باسمٌ عَطِرٌ 

في حكمةِ الله ألطافٌ مع القدرِ 

 

7- ‏ سبحان الله: تكرر لفظ الإنسان في القرآن (65) مرة، وفيه إشارة إلى أن متوسِّط عمر الإنسان هو (65) عامًا، وسورة الإنسان تتحدث عن مبتدأ حياته واختياراته ومصيره.

 

8- ‏إشارة قرآنية جميلة:

قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ }[الأنفال: 70]، وصدق مَن قال: "على قدر صلاح النوايا تأتي العطايا".

 

9- ما الحكمة من ختم القرآن بالمعوِّذتين؟

والجواب: لَمَّا كان القرآن من أعظم النعم على عباده، والنعم مظنة الحسد، فختم بما يطفئ الحسد من الاستعاذة بالله سبحانه[3].

 

10- جاء في كتاب "جلاء الصدا في سيرة إمام الهدى" (أحمد الرفاعي)، مخطوط:

"كان يحمل أخبارَ الصفات على ما وردت، مع التعظيم مِن غير تعمُّق ولا تأوُّل".

قلت: كلمة التعظيم غابَت عن كثير من مؤلَّفات علم الكلام وأبحاثه ومناقشاته، وصدق الله تعالى القائل: { وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ } [الزمر: 67].

--------------

[1] مصدر هذه الفائدة د. محمد منصور الفايز.

[2] ولبيان بعض ذلك ينظر مقالي: التكبير: مواطنه، وأثره في التربية الإيمانية، المنشور في شبكة ا?لوكة.

[3] نقله ابن جزي في تفسيره عن شيخه الأستاذ أبي جعفر بن الزبير.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين