رسالة إلى أبطال حوران

 

اسمحوا لي أن أعترف أولاً بأنني عشت طويلاً وأنا لا أعرف أهل حوران حق المعرفة، ذلك أنني أمضيت أكثر حياتي في الغربة، وهم قليلاً ما يتغربون، لأن أرضهم أرض خير وعطاء وهم أهل عزة وإباء، فلا يحبّ أحدُهم أن يفارق أرضَه ليغدو غريباً في بلد غريب.

 

لم أعرفهم المعرفة الحقة حتى أدخلت أولادي من نحو خمس عشرة سنة مدرسة كان فيها عدد من المعلمين من درعا، مدينةً ومحافظة، فعرفت فيهم رجالاً من خيرة الرجال، علماً متيناً وتعليماً رفيعاً، ونخوة وشهامة وبقية من أخلاق العرب الصافية التي أضاعت المدنيةُ المعاصرة أكثرَها، فأحببتهم من قلبي (وقالوا إنهم أحبوني) وصرت أزورهم بين وقت ووقت زيارةَ الصديق للصديق.

 

فلما انفجرت الثورة في سوريا وحمل أهلُ حوران عبئها الكبير وكانوا لها الطليعةَ وكانوا فيها الروّاد ازداد إكباري لهذه الأرض وإعجابي برجالها الميامين، فقد اكتشفت فيها قطعة من عالم البطولة والصمود يكاد يشبه في روعته العوالمَ الخيالية التي نقرأ عنها في الأساطير. ويوماً بعد يوم تكشّفَ المزيدُ والمزيد من المعدن الأصيل والجوهر الصقيل لأبناء حوران الأماجد، فازددت إعجاباً وإكباراً لهذا العالم البطولي الأسطوري الساحر الفتّان.

 

*   *   *

 

إني لأفكر بذلك كله وأنا أقرأ اليوم نداءات الاستغاثة التي انتشرت في العالم الافتراضي، تخاطب أبطال حوران، أهل الهمم العليّة والنفوس الأبية والقلوب الوفية، تستصرخهم لنجدة إخوانهم المحاصَرين، أشقاء الدم والعقيدة وشركاء الثورة في داريا البطولة والصمود، فأقول لنفسي: ما خذل هؤلاء الرجالُ الأبطالُ إخوانَهم في الثورة أمس ولن يخذلوهم اليوم.

 

ربما قُيّدوا بقيود وربما حُدَّت لهم حدود، لكن الحرّ الأبيّ عصيٌّ على القيود والحدود، ومهما يكن الضغط الذي يتعرضون له فإنهم لن يبالوه ولن يرضخوا له إذا كان ثمنه سقوط الأرض واستباحة العرض لا قدّر الله، فما كان لحوراني أبيّ حر أن يصمّ أذنه عن صرخة الأخ الضعيف المستغيث.

 

ما كان لأبطال درعا إذا استُنهضوا إلا أن يقولوا لبيك يا داريا، لبيك يا سوريا. إن أهل داريا وأهل سوريا بانتظار غَضْبة أسود حوران. ويلٌ للنظام إذا زأرت أسودُ حوران.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين