رمضان وقضايا الأمة

 

- تمهيد -

يهل علينا شهر رمضان المبارك، في كل عام، بخيره العميم، وأجره المضاعف الجزيل، وفضله الواسع، وبركاته غير المحدودة، ونفحاته الأنسية، وإشراقاته القدسية ، ومدرسته الروحية، وتعاليمه الجهادية، وركائزه الربانية، وفوائده البلسمية، وأنواره الرحمانية، إنه شهر الصيام، حيث القوة والصلابة، وشهر الصلاة والقيام، حيث الإعداد الرائد، وشهر منظومة الأخلاق، استعداداً لمنهج الفضيلة، وشهر التفاني في إنكار الذات، لبناء مجتمع الفضيلة، حقاً إن شهر رمضان، هدية عظيمة من الجليل الرحمن، ومنة لا مثيل لها في عالم العبادة والطاعة، من الملك الكريم ، الذين أمر بالعدل والإحسان .

يهل علينا هذا الشهر الكريم، والأمة في وضع شديد الوطأة، واسع المحنة، عظيم البلاء، متعدد المشكلات، متنوع المصاب، متشعب الإشكالات، في كثير من بقاع العرب والمسلمين، في سورية وفلسطين والعراق واليمن وليبيا وبورما وأفريقيا الوسطى، وغيرها من بلاد المسلمين، حيث الدماء والأشلاء، والقتل  والخراب، والدمار، والأشياء الكبار، مثل مصادرة حقوق الإنسان، وشيوع الظلم الذي هو أساس كل بلاء.

يهل علينا شهر رمضان المبارك، في كل عام، بخيره العميم، وأجره المضاعف الجزيل، وفضله الواسع، وبركاته غير المحدودة، ونفحاته الأنسية، وإشراقاته القدسية ، ومدرسته الروحية، وتعاليمه الجهادية، وركائزه الربانية، وفوائده البلسمية، وأنواره الرحمانية، إنه شهر الصيام، حيث القوة والصلابة، وشهر الصلاة والقيام، حيث الإعداد الرائد، وشهر منظومة الأخلاق، استعداداً لمنهج الفضيلة، وشهر التفاني في إنكار الذات، لبناء مجتمع الفضيلة، حقاً إن شهر رمضان، هدية عظيمة من الجليل الرحمن، ومنة لا مثيل لها في عالم العبادة والطاعة، من الملك الكريم ، الذين أمر بالعدل والإحسان .

               ( كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) .

- رمضان شهر الحرية -

إن الذي لا يملك الإرادة، بالامتناع عن بعض الشهوات المباحة لبعض الوقت، لا يمكن أن يكون حراً، فضلاً عن أن يكون ممن يعلم الحرية، أو يسير في ركاب مجدها قائداً، أو على الأقل أن يكون متعاوناً مع حملتها والدعاة لها .... من هنا تبرز حقيقة الزهد، التي تدفع المرء نحو الاستقلال الذاتي، الذي يجعل الإنسان متحرراً من عبوديته للدرهم والدينار، ومن عبوديته للزوجة وسائر مناحي زينة الحياة الدنيا، فلا يدخل في تعاسة، عبد القطيفة، ولا يكون أسير شيء من عرض الدنيا، يكون سبيلاً لفتنة، أو حبل شد يمسك به شياطين الإنس والجن، من أجل سوقه نحو مراداتهم، فتكون الذلة، وتظهر المهانة بأبهى صورها، وأجلى حالاتها، وهنا تكون الانتكاسة المرة .

وفي هذه الحالة، لا بد من انتفاضة على النفس، تزيل ركام الغفلة، باحثة عن مربعات الأمل، صاعدة بسمو منهجها نحو مراقي عزة الإنسان، ويؤشر مؤشر المجد ساعتها، لقد ولد المرء الذي سيحقق هذه المعاني، ( إن الله لا يغير ما في قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ).

وقتله  وكان من ذلك الصيام، والامتناع عن الطعام والشراب، وشهوة الفرج، من طلوع الفجر‘ إلى مغيب الشمس، كل هذا للخلاص من حالة البهيمية، التي لا تعرف حداً لإغراءات النفس، وانسياقها خلف لعاعات البصل والعدس والثوم ، ولا تلتزم بضابط ، يردعها عن سواكن الوجدان الذي يغص بمعاني الجنوح، وهناك فارق كبير، بين حالتين، وبين صورتين،  فالأمة عندما تتربى على هذا، تصبح قادرة – وقد تحللت من ضواغط الشد إلى شهوات الأرض ولواصقها – على العمل في مشروعها السياسي الحضاري النهضوي، الذي أساسه المطالبة بحقوق الإنسان، واستئناف الحياة، على قيم العدل والكرامة ، وهنا نتذكر الحرية، وتلازمها مع إنسانية الإنسان، الذي يبحث عن كل السبل التي تؤدي به للوصول إلى هذا المعنى، مكرماً من الله تعالى : ( ولقد كرمنا بني آدم ). كل هذا يسوقنا إلى حقيقة، يحاول الذين لا يعرفون سوى شهوة السلطة ومتعلقاتها، أن يطمسوها بالظلم، وتكميم الأفواه، وحبس الأنفاس، والتضييق على الناس، وبالذات منهم، من يقول : لا . لذلك تكون الثورة، بكل ما في جعبتها، من فضائل، وهنا قرع جرس ،  الربيع العربي، إيذاناً بغد مشرق، تنتصر فيه الإرادة الصلبة، على المرادات التافهة ، فيتحرر العباد، من هؤلاء الذين ينسجون، خيوط عناكب الفتنة، في كل مجالات الحياة، ومنها جوانب الحياة السياسية، وفقه الاجتماع . فالأمة التي تتربى في مدرسة رمضان، تدرك تماماً، ما معنى الحرية، وتفهم الوسيلة التي تصل بها إليها، والأمر لا يعدو صبر ساعة، ثم يفرح الصائم بفطره، والثائر يظفر بحريته، ويسترد إنسانيته المسلوبة ....( رمضان مدرسة الحرية ) التي تخرج منها بناة الحضارة الإسلامية، وضربوا أروع الأمثلة في القدوة الحسنة، من خلال زهد حضوري فاعل، زرع الثقة في نفوس الناظرين، وترجم إلى مشروع مسار، تسير على نهجه وفود جرارة من حملة المنهج، الذين تأثروا بحركة صحوة الحياة، على قيمة ( لعلكم تتقون ).

 

 يعلمنا رمضان، كيف أنه يجب أن نتحرر من قيود الشهوة وضواغطها، وكيف أنه ينبغي أن نتحلل من سجنها ، ونغوص في أعماق الإمساك بعنان مسيرها، حتى لا تتجه بنا نحو واد هابط، أو تغرق في مستنقع آسن، أو تنحرف عن جادة المنهج القويم، أو تزل عن سكة المسار الصحيح .

 

مالك عن يحيى بن سعيد  مالك عن) مرسل وصله الشيخان من رواية ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن جابر ومسلم من حديث أنس : ( أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رغب في الجهاد ) يوم بدر فقال : والذي نفسي بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر إلا أدخله الله الجنة كما عند ابن إسحاق ( وذكر الجنة ) روى مسلم عن أنس : " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال يوم بدر : قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض ، فقال عمير بن الحمام : يا رسول الله جنة عرضها السماوات والأرض قال : نعم ، قال : بخ بخ ، فقال : ما يحملك على قولك بخ بخ ؟ قال : لا والله يا رسول الله إلا رجاء أن أكون من أهلها ، قال : فإنك من أهلها ، فأخرج تمرات فجعل يأكل منهن ثم قال : لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي إنها لحياة طويلة فرمى بالتمرة ثم قاتل حتى قتل " ( ورجل من الأنصار ) هو عمير بضم العين ابن الحمام بضم المهملة وخفة الميم الخزرجي ( يأكل تمرات في يده فقال : إني لحريص على الدنيا إن جلست حتى أفرغ منهن ) ؛ أي : من أكل التمرات ( فرمى ما في يده ) من التمر وقال : فما بيني وبين أن أدخل الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء ( فحمل بسيفه فقاتل ) القوم ( حتى قتل ) زاد ابن إسحاق وهو يقول : 

 

ركضنا إلى الله بغير زاد إلا التقى وعمل المعاد     والصبر في الله على الجهاد 

وكل زاد عررضة النفاد     غير التقى والبر والرشاد 

وقتله خالد بن الأعلم العقيلي . 

 

إن العدو يرقب أمتنا وأجيالنا بدقة، ومن ثم – وهو يدرك حقيقة ما ذكرنا – يحاول غمسهم في بحر الشهوات، التي لا تبقي ولا تذر، فإذا كان ذلك كذلك، ضاعت الأمة، وفقدنا المشروع الناهض، ووقعنا في فخ العدو، وتكون ران الضياع، على طبقة سميكة من جدار الغفلة.

إن من لوازم بناء الإنسان، على قيم الحق والخير، أن يدخل مدرسة رمضان، وأن يتتلمذ فيها، فيصنع على منهاج الربانية، ومباديء الفضيلة الراقية.

 

- رمضان والتكافل الاجتماعي –

 يقول الأديب الكبير، مصطفى صادق الرافعي، في سفره النفيس ( من وحي القلم ) ( 2/ 63) : (من قواعد النفس أنَّ الرحمة تنشأ عن الألم، وهذا بعض السرِّ الاجتماعي العظيم في الصوم؛ إذ يبالغ أشدَّ المبالغة، ويدقِّق كلَّ التدقيق في منع الغذاء وشبه الغذاء عن البطن وحواشيه مدةً، آخرها آخر الطاقة؛ فهذه طريقة عملية لتربية الرحمة في النفس، ولا طريقة غيرها إلا النكبات والكوارث؛ فهما طريقتان كما ترى: مبصرة وعمياء، وخاصة وعامة، وعلى نظام وعلى فجأة.

ومتى تحققت رحمةُ الجائع الغني للجائع الفقير أصبح للكلمة الإنسانية الداخلية سلطانها النافذ، وحَكَمَ الوازع النفسي على المادة، فيسمع الغني في ضميره صوت الفقير يقول: أعطني. ثم لا يسمع منه طلباً من الرجاء، بل طلباً من الأمر لا مفرَّ من تلبيته، والاستجابة لمعانيه، كما يواسي المبتلى مَنْ كان في مثل بلائه.

أية معجزة إصلاحية أعجب من هذه المعجزة الإسلامية؛ التي تقضي أن يُحذَف من الإنسانية كلها تاريخ البطن ثلاثين يوماً في كلِّ سنة؛ ليحلَّ في محله تاريخ النفس؟)

-   رمضان وقول الحق -

 ونتعلم من معهد رمضان معنى عميقاً، يدعو للسمو الرباني، وفهماً دقيقاً يتجاوز حصر الصوم، بالامتناع عن الطعام والشراب، والكف عن شهوة الفرج ، من طلوع الفجر، إلى غياب الشمس – على أهمية هذا الفقه وفرضيته -  هو التربية، على قول الحق، وترك شهادة الزور، بمفهومها الشامل، وتفاصيل جدول أعمالها الكامل، لأن من لم يدع شهادة الزور، فليس لله حاجة من هذا المرء، في أن يدع طعامه وشرابه، وفي كل زمان ومكان، يكون هناك شهود زور، يخونون الأمانة، ويضيعون قيمة المسؤولية، ويستهترون بمفهوم شهادة الحق، فيخلطون الحق بالباطل، ويدسون السم بالعسل، ويتشدقون ويبالغون، حتى يلتبس الأمر، وتختلط الأوراق، فيزكون المبطل، ويمدحون الظالم، ويتملقون المجرم، ويرفعون من شأن أصحاب الباطل، ويثنون على القتلة، ويمجدون الفسقة، ويقدمون من حقه التأخير، ويؤخرون من حقه التقديم، ويقلبون الحقائق، ويزيفون الوقائع، وإذا كان هذا عار في حق أفراد الأمة وإثم مبين، فإنه في حق من كان من حملة العلم، وتزيا بزيهم، يكون – إضافة إلى ما ذكرنا - كارثة ومصيبة، وهؤلاء هم علماء السوء، والمصفقون للسلطان الفاجر، وهنا يكمن الخطر، ويعظم المصاب .

- رمضان يعلمنا الجود والكرم -

 الجود تحرر من أسار المادة وعبادتها، والتخلص من اللهث وراء الدنيا وطينها ووحلها، وصاحب المشروع، الذي يبحث عن طاعة الله، في مفردات تقوية بناء الأمة، يدفعه هذا إلى فقه متين، يعي من خلاله، كيف ينبغي أن يسخر ماله، من أجل هذه الحقيقة، واليوم أمة الإسلام تواجه تحديات جسام، وتمر منعطفات خطرة، فهل قدمنا لهذه الأمة من مالنا، ما يحل به مشكلة من مشكلات الأمة، أو يكون سبباً في وضع لبنة في بنائها النافع، هل فكرنا في مشروع للتنمية البشرية ؟ هل صنعنا محضناً تربوياً ؟ هل بذلنا من مالنا، ما يخدم مشروعاً إعلامياً، ينير الدرب للآخرين، كي تصل رسالة الخير، للإنسان، وصنع على مناهج الحق، من خلال رؤية تقوم على فكرة النظافة، في زحمة الإعلام الذي يذبح الأمة، في بعض منتجاته، التي تزيده ضياعاً وانهياراً ..... جاء في الحديث الصحيح : أنه – صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم – كان جواداً، وكان أجود ما يكون في رمضان .

1- رمضان يعلمنا كيف نكون لله : 

رمضان، جامعة التقوى، وخلاصة مقرراتها : العمل بكتاب الله تعالى، والالتزام بسنة نبينا – صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- من خلال مفهوم حضاري شامل، رسمت معالمه تعاليم الإسلام .

2-  رمضان، ومعرفة قيمة الوقت، في حياة المسلم :

3- شهر ( وحدة الأمة ) .... التكاتف والتعاون، والشعور بأحاسيس الآخرين : لا أعتقد أن هناك برنامج عمل جماعي، على وجه، في أيامنا هذه، أو في أعماق التاريخ، حيث المسلمون جميعاً، يعلنون هذا الشهر، طاعة لله، يمسكون في ساعة محددة، وكذلك يفطرون، منهج واحد في المباحات والمسموح بها، وايضاً في الممنوعات، يتساوى في هذا كل مسلم على وجه الأرض، الفقير والغني، الذي في الشرق، والذي في الغرب، كلهم يفعلون هذا برضاً وقناعة ، ( إلا الصوم فإن لي وأنا أجزي به ) .... نعم هذه الصورة العامة، تمثل حالة من حلات ظهور الأمة، في إطار وحدتها، ومجال تعاونها، لذا من لازم هذا، أن نحقق معنى ( الأخوة الإسلامية ) التي من مفردات ترجمتها على هيئة عمل، أن يرحم بعضنا بعضاً، وأن يحسن الغني إلى الفقير، وأن يشترك جميع المسلمين، على وجه هذه البسيطة، في هموم بعضهم، وأن يحققوا جسدية هذه الأمة، فننصر قضايا المنكوبين والمظلومين والمقهورين والمعتدى عليهم، وما الذي يحدث في سورية المجاهدة، عنا ببعيد، وكذلك في باقي بلاد المسلمين، فهل من خطة تعكس هذا الأمر، كل بما يستطيع ، حتى نكون ( كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد، بالسهر والحمى ) . فاجعل بعض زكاتك في خدمة هؤلاء المظلومين، ولا يفوتك أن تخصص بعض مالك لإفطار الصائم، والصدقة في هذا الشهر، يضاعف الله تعالى الأجر فيها، وفوق هذا وذاك، كن مضحياً بوقتك ومالك وقلمك ولسانك وجوارحك من أجل إخوانك، ومشاريعهم في الحرية والتغيير.

    يقول الأستاذ سيد قطب: "عندما نعيش لذواتنا ولشهواتنا تبدو لنا الحياة قصيرة، تافهة، ضئيلة، تبدأ من حيث بدأنا نعي، وتنتهي بانتهاء عمرنا المحدود!

أما عندما نعيش لغيرنا،

أي: عندما نعيش لفكرة؛ فإن الحياة تبدو طويلة عميقة، تبدأ من حيث بدأت الإنسانية، وتمتد بعد مفارقتنا لوجه هذه الأرض! …

إننا نربح أضعاف عمرنا الفردي في هذه الحالة، نربحها حقيقة لا وهمًا، فتصور الحياة على هذا النحو، يضاعف شعورنا بأيامنا وساعاتنا ولحظاتنا.. فليست الحياة بعد السنين".

 

4- شهر التطهير والتطوير والتغيير : الثابت في هذه الدنيا، هو التغيير،  فالتغيير الإيجابي، هو الذي تتجدد معه الحياة، وتتطور حركيات العمل، وتنطلق جوارح الأمل من مفاصلها المتكلسة، ودوائرها الضيقة المغلقة، وشهر رمضان، مدرسة من مواد تعليمها ( التغيير ) لأنه ثورة على النفس، وثورة على العادات الضارة، وثورة على نظم التغذية، والقضاء على الأعراف المفسدة، وكسر لنول نسيج التحرك البطيء ، والعمل الرتيب، ووهن الحياة، إلى غد مفعم بالحيوية والنشاط، متشبع بالبذل والعطاء، مراعياً واجب الساعة، فقيهاً بفريضة الوقت، مغيراً نحو الأحسن، ملتزماً بالثوابت، مقاصدياً في المتغيرات، وهذا له ثمنه، فلا بد من الصبر والمجاهدة . ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ) . وما ذنب أهل سورية الذين يتآمر عليهم، إلاَ أنهم طالبوا بالتغيير، من أجل حريتهم وكرامتهم وحقوقهم .     

5-  شهر الجهاد والجد والاجتهاد :

6- شهر الدعاء : في هذا الشهر الكريم، على المسلم أن يكثر من الدعاء في هذا الشهر المبارك، متحرياً أوقات الفضل، التي يتوخى فيها الإجابة، مثل ساعات السحر، وإثر الصلوات، ولا ننسى أن للصائم دعوة لا ترد عند فطره، يدعوا فيها المسلم لنفسه وأهله ، ولا ينسى إخوانه المسلمين، في كل مكان، خصوصاً منهم أولائك الذين اضطهدوا لأنهم يبحثون عن الحرية والكرامة، ويعانون من الطغاة والمجرمين، فتقع على رؤوسهم البراميل المتفجرة، وتسقط عليهم الصواريخ العمياء، كأهل سورية الكرام، الذين دخلوا عامهم السادس، وهم في ثورة، صامدون صابرون محتسبون .

7- شهر رمضان، شهر الصبر والتحمل : إذ الصوم، والكف عن شهوتي البطن والفرج، وضبط النفس ، عن السباب والشتائم، ويطلق للسانه العنان، فيقع في آفاته الكبار، ومصائبه العظام، آفات اللسان، وما أدراك ما آفات اللسان، هي التي تورد الإنسان المهالك، بل يقابل ذلك، من فعل به كذلك ، ( اللهم إني صائم )، مع عبادة وصلاة وذكر وقراءة قرآن، كل هذه الساعات، التي ربما تطول في بعض البلدان، يعطينا طاقة استثنائية، ويمنحنا دربة على تحمل المشاق،  وفي هذا الخضم اللاحب، المليء بما ذكرنا، لا بد من سلاح وزاد ، أما السلاح فهو الصبر، الذي به نواجه المحن، ونتغلب على الصعاب، ونتحدى العقبات، فلا نسقط في الطريق، ولا نهزم من أول هزة، ولا ننكسر في أول صيحة، ولا نقع في أول عثرة، وأما الزاد فهو التقوى .... وهنا أشيد بأهلنا في سورية، الذين يتسحرون على أصوات البراميل المتفجرة، ويمسكون على إيقاع أصوات القنابل المجنونة، ويصلون على أنغام الحارقات العمياء، على اختلاف ألوانها وأشكالها وصورها وأطوالها وأعراضها وروائحها وطعومها، كيف لا !! وهم في مدرسة الصبر، وفي دروة التعليم على الصبر والمصابرة والمرابطة، وفي خضم هذا المشهد الرهيب، يرى الشهداء، ويشم رائحة الدم في كل مكان، وتبرز له معالم الرعب الشامل، الذي يلفه بثوب الصبر والثبات، مستبشراً بلقاء الله تعالى .   

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

 

"ثَلاَثُ دَعَوَاتٍ لاَ تُرَدُّ: دَعْوَةُ الْوَالِدِ، وَدَعْوَةُ الصَّائِمِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ". رواه البيهقي ( 3 / 345 ) ، والضياء في " المختارة " ( 108 / 1 ) ، وفي " المنتقى من مسموعاته بمرو " ( 91 / 1 ) وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" ( 4 / 406 ).

عنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: دَخَلَ رَمَضَانُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ هَذَا الشَّهْرَ قَدْ حَضَرَكُمْ، وَفِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَهَا فَقَدْ حُرِمَ الْخَيْرَ كُلَّهُ، وَلَا يُحْرَمُ خَيْرَهَا إِلَّا مَحْرُومٌ ". رواه ابن ماجه في سننه(1644)،وقال عنه الألباني حسن صحيح . 

        لمثل هذا يذوب القلب من كمد             إن كان في القلب إيمان وإسلام

بعض الناس يتخذون من هذا الشهر، تكأة للكسل والعبث واللهو، والسهر على الفضائيات، أو في المقاهي، ويقضون ليالي هذا الشهر الكريم، بالبحث عن ألوان المتع، وأصناف الملاذ، وأنواع أطباق الطعام، وفي النهار نوم، حتى يتحول الليل نهاراً، والنهار ليلاً، ويجعلون هذا الشهر موسماً للتسابق في عالم ( الفوازير ) والمسابقات، وبعضها يدخل في الحرام .

وفي هذا الوسط الرهيب، من العدوان الصارخ، والضلال المبين، تظهر صور البشرى، التي تملأ الآفاق فخراً وضياء، فيظهر جيل، في الأمة، يستحق كل تقدير وإكبار، وهو علامة فضل وخير، ويحمل في ثنايا صبره وتضحيته وجهاده وثباته، معالم الغد المشرق، الذي تنتظره الأمة منذ زمن، ليس بالقليل .       

وفي هذه الحالة، لا بد من انتفاضة على النفس، تزيل ركام الغفلة، باحثة عن مربعات الأمل، صاعدة بسمو منهجها نحو مراقي عزة الإنسان، ويؤشر مؤشر المجد ساعتها، لقد ولد المرء الذي سيحقق هذه المعاني، ( إن الله لا يغير ما في قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ).

وقتله  وكان من ذلك الصيام، والامتناع عن الطعام والشراب، وشهوة الفرج، من طلوع الفجر‘ إلى مغيب الشمس، كل هذا للخلاص من حالة البهيمية، التي لا تعرف حداً لإغراءات النفس، وانسياقها خلف لعاعات البصل والعدس والثوم ، ولا تلتزم بضابط ، يردعها عن سواكن الوجدان الذي يغص بمعاني الجنوح، وهناك فارق كبير، بين حالتين، وبين صورتين،  فالأمة عندما تتربى على هذا، تصبح قادرة – وقد تحللت من ضواغط الشد إلى شهوات الأرض ولواصقها – على العمل في مشروعها السياسي الحضاري النهضوي، الذي أساسه المطالبة بحقوق الإنسان، واستئناف الحياة، على قيم العدل والكرامة ، وهنا نتذكر الحرية، وتلازمها مع إنسانية الإنسان، الذي يبحث عن كل السبل التي تؤدي به للوصول إلى هذا المعنى، مكرماً من الله تعالى : ( ولقد كرمنا بني آدم ). كل هذا يسوقنا إلى حقيقة، يحاول الذين لا يعرفون سوى شهوة السلطة ومتعلقاتها، أن يطمسوها بالظلم، وتكميم الأفواه، وحبس الأنفاس، والتضييق على الناس، وبالذات منهم، من يقول : لا . لذلك تكون الثورة، بكل ما في جعبتها، من فضائل، وهنا قرع جرس ،  الربيع العربي، إيذاناً بغد مشرق، تنتصر فيه الإرادة الصلبة، على المرادات التافهة ، فيتحرر العباد، من هؤلاء الذين ينسجون، خيوط عناكب الفتنة، في كل مجالات الحياة، ومنها جوانب الحياة السياسية، وفقه الاجتماع . فالأمة التي تتربى في مدرسة رمضان، تدرك تماماً، ما معنى الحرية، وتفهم الوسيلة التي تصل بها إليها، والأمر لا يعدو صبر ساعة، ثم يفرح الصائم بفطره، والثائر يظفر بحريته، ويسترد إنسانيته المسلوبة ....( رمضان مدرسة الحرية ) التي تخرج منها بناة الحضارة الإسلامية، وضربوا أروع الأمثلة في القدوة الحسنة، من خلال زهد حضوري فاعل، زرع الثقة في نفوس الناظرين، وترجم إلى مشروع مسار، تسير على نهجه وفود جرارة من حملة المنهج، الذين تأثروا بحركة صحوة الحياة، على قيمة ( لعلكم تتقون ).

ومما نتعلمه من رمضان، ونحن نعيش واقعنا المعاصر :

 يعلمنا رمضان، كيف أنه يجب أن نتحرر من قيود الشهوة وضواغطها، وكيف أنه ينبغي أن نتحلل من سجنها ، ونغوص في أعماق الإمساك بعنان مسيرها، حتى لا تتجه بنا نحو واد هابط، أو تغرق في مستنقع آسن، أو تنحرف عن جادة المنهج القويم، أو تزل عن سكة المسار الصحيح .

المصدر: مجلة المجتمع

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين