أسئلة بيانية (31) سر ترتيب ذكر الأنبياء في سورة الأنعام بعد قوله تعالى وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم

قال تعالى في سورة الأنعام:﴿وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ * وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ [الأنعام: 83-86].

سؤال:

ما سرّ ترتيب الأنبياء في هذه الآيات؟

الجواب:

ربنا أعلم بسر ترتيب كلامه ولكن هناك أكثر من ظاهرة في ترتيب هؤلاء الأنبياء سلام الله عليهم، فنحن نلاحظ نسقاً منتظماً في هذا الترتيب وهو أنه يذكر ثلاثة أنبياء ثم يعود إلى مَن هو أقدم من المذكورين.

ثم يذكر ثلاثة أنبياء آخرين ويعود بعدهم إلى مَن هو أقدم، وهذا هو الأمر الظاهر في هذا الترتيب.

1 فقد ذكر إبراهيم واسحاق ويعقوب عليهم السلام، ثم ذكر بعدهم مَن هو أقدم منهم جميعاً، وهو نوح عليه السلام.

2 ثم ذكر بعد ذلك: داود وسليمان وأيوب عليهم السلام، ثم ذكر بعدهم مَن هم أقدم منهم وهم: يوسف وموسى وهارون عليهم السلام.

3 ثم ذكر بعد ذلك: زكريا ويحيى وعيسى عليهم السلام، ثم ذكر بعدهم: إلياس عليه السلام وهو أقدم منهم.

4 ثم ذكر إسماعيل واليسع ويونس عليهم السلام، ثم ذكر بعدهم: لوطاً عليه السلام وهو أقدم منهم.

هذا من ناحية.

ومن ناحية أخرى أن هناك علاقة ما تربط بين المذكورين إضافة إلى علاقة النبوة التي تجمع بين الجميع، وإيضاح ذلك:

1 أن إبراهيم واسحاق ويعقوب عليهم السلام تربط بينهم علاقة البنوة فإسحاق ابن إبراهيم، ويعقوب ابن إسحاق.

2 وأن داود وسليمان تربط بينهما علاقة البنوة والملك، فسليمان ابن داود وكانا ملكين.

3 وأن سليمان وأيوب كلاهما قال الله تعالى فيه: ﴿وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ [ص: 30، 44] أولهما الغني الشاكر وهو سليمان عليه السلام، وثانيهما: الفقير الصابر، وهو أيوب عليه السلام، والشكر والصبر جِماع الايمان كما قيل. فإن الإيمان نصفه صبر ونصفه شكر، وقد جمع بينهما في سورة ص.

4 أيوب ويوسف عليهم السلام: كلاهما أنعم عليه بعد الابتلاء وأصابه الرخاء بعد الشدة.

5 يوسف وموسى عليهم السلام: كلاهما رسول ولم يذكر القرآن بينهما اسم رسول فيما أعلم. وقد قال موسى:﴿وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ﴾ [غافر: 34].

6 موسى وهارون عليهم السلام يجمع بينهما الأخوة والرسالة.

7 زكريا ويحيى عليهم السلام: يجمع بينهما البنوة فيحيى ابن زكريا.

8 يحيى وعيسى عليهم السلام: كلاهما مستغرب الولادة.

الأول: من أبوين لا ينجبان أحدهما شيخ فان، والآخر أم عاقر، وعيسى من أم بلا أب.

9 أن عيسى عليه السلام خاتمة النسب من ولد إسحاق إذ ليس له أب، والمذكورون بعد عيسى سلسلة أخرى ومن ذرية أخرى ليست من ذرية إسحاق، فكان عيسى عليه السلام الحد الفاصل بين السلسلتين.

10 فقد ذكر أن إلياس عليه السلام من ولد إسماعيل وليس من ذرية إسحاق.

11 وإسماعيل عليه السلام أخو إسحاق وهو ابن إبراهيم من هاجر، عليهم السلام.

12- اليسع صاحب إلياس عليهم السلام وحيث ورد ذكر اليسع في القرآن يسبقه بذكر إسماعيل.

13 يونس ولوط عليهم السلام كلاهما ليس من ذرية إبراهيم، وكلاهما خرج يحمل همَّ الدعوة إلى الله تعالى.

فإن يونس خرج مُغاضباً قومه، وظنَّ أن لن يضيق الله عليه فخرج يحمل همَّ الدعوة إلى الله تعالى.

وإن لوطاً خرج مهاجراً إلى ربه كما قال تعالى في:﴿فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [العنكبوت: 26].

وجميع بينهما في سورة الصافات.

فبدأت زمر الأنبياء بالذاهب إلى ربه وهو سيدنا إبراهيم، ﴿وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾ [الصافات: 99]، وخُتمت بالمهاجر إلى ربه سيدنا لوط عليه السلام.

قد تقول: لِمَ بدأ بسيدنا إبراهيم ولم يبدأ بسيدنا نوح عليه السلام؟

الجواب:

إن الكلام والسياق في سيدنا إبراهيم فإن الآيات تبدأ بقوله تعالى:﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً... * وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ....* فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا.... * فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي.... * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ ﴾ [الأنعام: 74-78].

ويستمر الكلام على سيدنا إبراهيم من الآية 74 إلى الآية 83 فكان ذلك هو المناسب.

وقد أُثير سؤال آخر في هذا السياق، وهو أنه قال تعالى:﴿وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ﴾ [الأنعام: 87]، فَلِمَ لَم يقل: (وأزواجهم)؟

والجواب:

إن السياق في ذكر الأنبياء، والنساء لسن كذلك فلا يناسب ذكر الأزواج.

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين