سألني: لماذا مات أبو جهل على
الكفر، بينما أسلم أبو سفيان، وقد كانا شريكين في العداوة ورأسين في الكفر؟! ولماذا أكمل فلان مسيرته
نحو الهداية حتى مات، بينما انتكس صديقه الذي كان ربما يفوقه في العلم، ويزيد عليه
في الملَكات؟!
فقلت
له: من حيث أقدار الله، فهو
سبحانه لا يُسأل عما يفعل.. لكنني أفهم السبب كما
أفهمنيه الإسلام على أنه شعاع النور وكتلة الخير المتبقية في القلب، والتي يعلمها
الله من عبده، فيكافئه عليها، وإن قلَّت..
وهو
معنى قوله تعالى: { إِن يَعْلَمِ اللَّهُ فِي
قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا }، وقوله سبحانه: { وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأَسْمَعَهُمْ }.
هذا
الخير المتبقي كثيرا ما ينقذ صاحبه…
فترى رحمة الله تدركه أحوج ما يكون إليها، ولو كان على أبواب الآخرة!
حتى
إن الناس ليتعجبون: أو بعد ما كان منه،
تتداركه رحمة الله؟!
لذلك
كان النبي صلى الله عليه وسلم يعول كثيرا على بقعة النور التي كان يظنها موجودة في
قلوب البعض حتى قبل إسلامهم فيقول عن خالد: "ما مثل خالد يجهل
الإسلام" ويقول لعمر عن سهيل بن
عمرو: (إنَّهُ عَسَى أَنْ يَقُومَ مَقَامًا لَا
تَذُمُّهُ)
لذلك
كثيرا ما أجالس عصاة فألمس من وراء ظاهر قساوتهم رقّة باطنة، فأجدني أستشعر قرب
هدايتهم، ويسر دلالتهم على الله رغم ما يبدو من ظاهرهم!
ومعركتنا
مع فاتِنِي الشباب، وناشِرِي الفساد على هذه البقعة المتبقية المضيئة. إما أن
يستكملوا هم طمسها، أو نسارع نحن إليها فنجذبهم إلى الله منها.
قَالَ
زَاذَانُ: كُنْتُ غُلاَماً حَسَنَ الصَّوْتِ، جَيِّدَ الضَّرْبِ بِالطُّنْبُوْرِ،
فَكُنْتُ مَعَ صَاحِبٍ لِي، وَعِنْدَنَا نَبِيْذٌ وَأَنَا أُغَنِّيْهِمْ، فَمَرَّ
ابْنُ مَسْعُوْدٍ، فَدَخَلَ ثُمَّ قَالَ: لَوْ كَانَ مَا يُسْمَعُ مِنْ حُسْنِ
صَوْتِكَ يَا غُلاَمُ بِالقُرْآنِ، كُنْتَ أَنْتَ أَنْتَ..
ثُمَّ
مَضَى، فَقُلْتُ لأَصْحَابِي: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا ابْنُ مَسْعُوْدٍ.
فَأَلْقَى فِي نَفْسِي التَّوْبَةَ، فَسَعَيْتُ أَبْكِي، وَأَخَذْتُ بِثَوْبِهِ،
فَأَقْبَلَ عَلَيَّ، فَأعْتَنَقَنِي، وَبَكَى، وَقَالَ: مَرْحَباً بِمَنْ
أَحَبَّهُ اللهُ..
على
عكس هؤلاء… هناك أناس ناعمو الملامس،
ظاهرو الهدايات…بينما قلوبهم تحوي
أوساخا لا تغسلها بحور الدنيا..
أو
عند بعضهم صبابةٌ من خير يجتهد في وأدها وطمسها…
حتى إني لأشفق على بعضهم فأهم بنصحه فيمنعني كبره، أو يردني إصراره على السوء الذي
هو عليه… بينما يظنه المسكين
لانطماس البصيرة خيرا! ولعمري إن الثاني لأشد من
الأول!
انتبهوا
لبواطنكم يا إخوتاه… فنجاتكم مقرونة
بها، ولو كنتم بصد وإعراض أهل مكة قبل إسلامهم…
وفيها هلكتكم ولو كنتم أعبد أهل الأرض فيما يبدو للناس!
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول