شبهات يثيرها بعض الذين يشككون في كتابة الحديث النبوي في عهد النبي صلى الله عليه وسلم -2-

 

كثير من الشبهات التي رددها المشككون في كتابة الحديث النبوي هدفهم الطعن في مكانة السنة النبوية ، وهذه الشبهات في الأصل أثارها بعض المستشرقين لإثارة البلبلة في المصدر الثاني في التشريع الإسلامي، فرددها خلفهم بعض المثقفين العرب مغترين بهذه الدراسات الاستشراقية التي في ظاهرها بحوث عليمة حرة ، وفي حقيقتها الطعن في الدين الإسلامي والنيل من عقائده وأحكامه .

الشبهة الأولى :

أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن كتابة أحاديثه فقال : ( لا تَكْتُبُوا عَنِّي وَمَنْ كَتَبَ عَنِّي غَيْرَ الْقُرْآنِ فَلْيَمْحُهُ وَحَدِّثُوا عَنِّي وَلا حَرَجَ ) رواه مسلم ، وبالتالي فإن كتابة الحديث لم تتم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم .

#الرد_العلمي :

والرد على هذه الشبهة يكون من جهتين :

1- الجهة الأولى : حديث النهي عن الكتابة حديث صحيح رواه الإمام مسلم في صحيحه وغيره من المحدثين ، واستدلال المشككين بهذا الحديث واعتمادهم عليه دليل على ثقتهم بالمنهجية العلمية التي اتبعها الامام مسلم وغيره من المحدثين في نقل هذا الحديث ، فكان المنطق والإنصاف يوجب عليهم قبول الأحاديث الأخرى التي نقلها الإمام مسلم والبخاري وغيرهما عن النبي صلى الله عليه وسلم لأنها منقولة بنفس المنهجية العلمية ، وبنفس الطريقة والشروط الدقيقة في قبول الأحاديث ، فلا يليق قبول أحاديث توافق أهواءهم وتوجهاتهم الفكرية ، وترك الأحاديث الأخرى التي لا تتفق مع تلك التوجهات الفكرية الخاصة بهم .

2- أما عن عن التعارض الذي يبدو للوهلة الأولى من نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن كتابة أحاديثه وإذنه بالكتابة ، فيجاب عنه كما يجاب عن أحاديث وردت في النهي عن شيء قي بداية الدعوة ثم إذنه به بعد ذلك مثل مسألة زيارة القبور التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم : ( كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فانها فانها تذكر الآخرة ) رواه مسلم و الترمذي 

وكذلك قضية الكتابة نهى عنها في بداية الأمرثم أذن فيها ، فيمكن الجمع بينهما والتوفيق بين مضمونهما : بأن النهي والإذن لم يقع في وقت واحد ، وإنما في فترتين متباعدتين ، قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابه العظيم " فتح الباري بشرح صحيح البخاري " (1/208) : 

( وَيُسْتَفَاد ..َ مِنْ قِصَّة أَبِي شَاه ( أكتبوا لأبي شاه ) أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذِنَ فِي كِتَابَة الْحَدِيث عَنْهُ ,وَهُوَ يُعَارِض حَدِيث أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لا تَكْتُبُوا عَنِّي شَيْئًا غَيْر الْقُرْآن " رَوَاهُ مُسْلِم .

وَالْجَمْع بَيْنهمَا أَنَّ النَّهْي خَاصّ بِوَقْتِ نُزُول الْقُرْآن خَشْيَة اِلْتِبَاسه بِغَيْرِهِ , وَالإِذْن فِي غَيْر ذَلِكَ .

أَوْ النَّهْي مُتَقَدِّم وَالإِذْن نَاسِخ لَهُ عِنْد الأَمْن مِنْ الِالْتِبَاس وَهُوَ أَقْرَبهَا مَعَ أَنَّهُ لا يُنَافِيهَا ) .

الحلقة السابقة هــــنا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين