شتان بين من يدعو إلى الإسلام من جديد ومن يدعو إلى إسلام جديد

 

من خلال دراسة تاريخ الأمة الإسلامية نجد حقيقة تعتبر سنة ماضية في هذه الأمة: أنها ترتقي وتأخذ مكان الريادة كلما التزمت بتعاليم الإسلام، وطبقته تطبيقاً حقيقياً على مستوى الفرد والمجتمع، وفي كافة المجالات التربوية والاجتماعية، والاقتصادية والسياسية، وبالمقابل فإنها تنحدر وتتخلف كل ابتعدت عن تعاليم هذه الدين.

ديننا الإسلامي يحتاج لأن يحيا من جديد في عقائدنا وسلوكنا وأخلاقنا، ولا يحتاج لتجديد الهدف منه قص ولصق، وقطع وترقيع : لنتماشى به مع تصورات الغرب، فنلغي منه أحكاماً قطعية ثابتة بحجة مرونة الفقه الإسلامي

وقفت على كلمات رائعة كتبها العلامة الأديب الشيخ أبو الحسن الندوي رحمه الله من كتابه (ردة ولا أبا بكر لها) ، يحلل واقعنا الإسلامي بدقة متناهية، ويقدم العلاج الذي به نرتقي ونسمو.

الفَلْسَفَةُ التِي حَمَلَتْهَا أُورُوبَا إِلَى الشَّرْقِ:

حملت أوروبا إلى الشرق الفلسفات التي قامت على إنكار أسس الدين وإنكار القوة المصرفة لهذا العالم، القوة الواعية التي أخرجت هذا العالم من العدم إلى الوجود وبيدها زمام الكون (الإله، الخلق والأمر) وعلى إنكار عالم الغيب والوحي والنبوات، وإنكار الشرائع السماوية، وإنكار القيم الروحية والخلقية، منها ما تبحث في علم الحياة والنشوة والارتقاء، ومنها ما تتصل بالأخلاق، ومنها ما تدور حول علم النفس، ومنها ما موضوعها الاقتصاد والسياسة، ومهما اختلفت هذه الفلسفات في ألوانها وأهدافها وأسسها، فإنها جميعًا تلتقي على النظرية المادية المحضة إلى الإنسان وإلى الكون والتعليل المادي لظواهرهما وأفعالهما.

غزت هذه الفلسفات المجتمع الشرقي الإسلامي وتغلغلت في أحشائه وكانت أعظمها انتشارًا وأعمقها جذورًا وأقواها سيطرة على العقول والقلوب، وأقبل عليها زهرة البلاد الإسلامية وزبدتها عقلاً وثقافةً، وساغتها وهضمتها ودانت بها كما يدين

‏أَعْظَمُ خَطَرٍ يُوَاجِهُ العَالَمَ الإِسْلاَمِيَّ:

هذا تصوير العالم الإسلامي الديني والاعتقادي بالإجمال وهي موجة جاهلية تكتسح العالم الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه وهي أعظم موجة واجهها العالم الإسلامي في تاريخه الطويل وهي تفوق كل موجة معارضة عرفها التاريخ الإسلامي سواء في قوتها وفي شمولها وفي تأثيرها في المجتمع الإسلامي، وتمتاز عنها بأن المنتبهين لهذه الأخيرة قلائل، والذين ينقطعون إلى محاربتها ويجندون لها قواهم ومواهبهم أقل، فقد حدث الإلحاد وظهرت الزندقة بتأثير الفلسفة اليونانية في العهد القديم فوجد من يحاربها بعقله الكبير وذكائه النادر وعلمه الغزير ودراسته الواسعة وشخصيته القوية، وظهرت الباطنية والملاحدة فوجد من يحاربها بالعلم والحكمة والبرهان، وبقي الإسلام محتفظًا بنفوذه العقلي ومكانته العلمية ترتد عنه كل موجة عاتية، وينحسر عن طوده كل فيضان وكل سيل جارف.

ليست مسألة انحطاط في الأخلاق، وضعف في العبادات وترك للشعائر، وتقليد للأجانب، وإن كانت مسائل تستحق العناية والجهاد، ولكن مسألة العالم الإسلامي اليوم أعظم وأضخم من كل ذلك، إنها مسألة كفر وإيمان، إنها مسألة بقاء على الإسلام وخلع له، إن المعركة قائمة بين الفلسفة الغربية اللادينية وبين الإسلام آخر الرسالات، وبين المادية والشرائع الإسلامية، ولعلها آخر معركة قامت بين الدين واللادينية وأنها تحدد مصير العالم.

 

جِهَادُ اليَوْمِ:

 

إن جهاد اليوم وإن خلافة النبوة وإن أعظم القُرُبَاتِ وأفضل العبادات أن تقاوم هذه الموجة اللادينية التي تجتاح العالم الإسلامي وتغزو عقوله ومراكزه، وأن تعاد الثقة المفقودة إلى نفوس الشباب والطبقات المثقفة بمبادئ الإسلام وعقائده وحقائقه وَنُظُمِهِ، وبالرسالة المحمدية، وأن يزال القلق الفكري والاضطراب النفسي اللذان يساوران الشباب المثقف وأن يقنعوا بالإسلام عقليًا وثقافيًا، وأن تحارب المبادئ الجاهلية التي رسخت في النفوس وسيطرت على العقول علميًا وعقليًا وأن يحل محلها المبادئ الإسلامية باقتناع وإيمان وحماسة.

إلى الإِيمَانِ مِنْ جَدِيدٍ:

إن العالم الإسلامي في حاجة شديدة إلى دعوة إسلامية جديدة وإن هتاف الدُّعَاةِ والعاملين فيه وهدفهم اليوم «إلى الإيمان من جديد» ولا يكفي الهتاف أنه لا بد من تصميم حكيم قبل العمل، لا بد من تفكير هادئ عميق كيف نرد الطبقة المثقفة التي تحتكر الحياة وتملك الزمام إلى الإسلام من جديد وكيف نبعث فيها الإيمان والثقة بالإسلام، وكيف نحررها من رق الفلسفات الغربية والحضارة العصرية ونظرياتها اللادينية.

‏الحَاجَةُ إِلَى المُخْلِصِينَ المُتَجَرِّدِينَ عَنْ الأَغْرَاضِ:

إنه في حاجة إلى رجال ينقطعون إلى هذه الدعوة وَيُكَرِّسُونَ عليها علمهم ومواهبهم وكفايتهم، ولا يطمعون في منصب أو جاه أو وظيفة أو حكومة ولا يحملون لأحد حِقْدًا ينفعون ولا ينتفعون ويعطون ولا يأخذون ولا يزاحمون طبقة في شيء تحرص عليه تتهالك حتى لا تكون لها حُجَّةٌ عليهم ولا للشيطان سبيل إليهم، شعارهم الإخلاص والتجرد عن الشهوات والأنانيات والعصبيات.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين