شعر || أيها الإنسان - شريف قاسم

أيُّها الإنسانُ كم مَغداكَ ناء

*** بثقيلِ الهمِّ أو طولِ العناءْ


وكم استسلمتَ للبلوى ، وكم

*** وجهُك : التقتيرُ في خدَّيه ساءْ


وَلَكَم أصغيتَ للتضليلِ من

*** مفلسٍ آخى فِعالَ الأشقياءْ


وتلكأتَ ، وقد نُوديتَ في

*** فَلَقِ الصُّبحِ إلى أحلى نداءْ


وتثاقلْتَ ، ولم تجدِ الحِجى

*** إذ تناومتَ إلى وقتِ الضَّحاءْ


فرآكَ الحقُّ تجفوهُ ، وفي

*** بهرجِ الغفلةِ كنتَ الببَّغاءْ


لم تنلْ ــ ويحك ــ من دنياكِ ما

*** يسعفُ الماشي إلى يومِ الجزاءْ


لم يفدْك السَّعيُ ما تسمو به

*** ورؤى النجدين أعيتْ هؤلاءْ


إنما الراغب في الحسنى وعى

*** كيف يأتيها ، ولا يكفي اجتزاءْ


قوةُ النفسِ التي تسعفُه

*** وتراخيها ــ هنا ــ ليسا سواءْ


والإشاراتُ التي ما برحتْ

*** توقظُ الإنسانَ في ومضِ السَّناءْ


والنداءاتُ من المجهولِ قد

*** غلبتْ عصفَ عُتُوٍّ وافتراءْ


ونُكوصٍ وضلالٍ وهوىً

*** عاثَ بالنفسِ عناءً وأداءْ


من صميمِ الفطرةِ الأولى أتتْ

*** تُنجدُ العقلَ بتمييزِ الدواءْ


قد يُغرُّ المرءُ ، قد يهوي ، وقد

*** يركبُ الوهمَ ، ويستجدي العماءْ


إنَّما العدلُ الذي يطلُبُه

*** هو في الأصلِ له أغلى رجاءْ


موجباتُ العدلِ ألاَّ ينثني

*** في قيادِ النَّفسِ بالأجدى مَضاءْ


أكرمَ اللهُ بني الإنسانِ لم

*** يدعِ الإنسانَ من عقلٍ براءْ


فبقلبٍ وشعورٍ وحِجىً  

*** وبنورٍ هلَّ معْ وحيِ السماءْ


ولسانٍ وبعينٍ قد رأتْ  

*** ما بهذا الكونِ من أرضٍ و ماءْ


أيُّها الإنسانُ أنت المصطفى

*** مذ براكَ اللهُ في الدنيا وشاءْ


لأمورٍ غالياتٍ جُمعتْ  

*** في عبوديَّةِ نفسٍ لاتُساءْ


وهو المُلكُ لربٍّ بارئٍ  

*** سيُعيدُ الخَلقَ من بعدِ الفناءْ


ويُجازي كلَّ مخلوقٍ بما

*** أحسنَ المخلوقُ فيها أو أساءْ


يومَها الفصلُ الذي يُتحفُنا

*** بالرضا في الخلدِ في دارِ النَّجاءْ


لو درى الإنسانُ عن أوبتِه

*** وتحرَّى في صِحاحِ الأنبياءْ


لرأى الدنيا سرابًا زائلا

 *** وبقايا رَحْلِ مَن عافوا الخِباءْ


ترتقي الذَّاتُ على معراجِها

*** إن نأى الإنسانُ عن تيهِ الشقاءْ


لم يُقَيِّدْها انتكاسٌ أو لوى

***  سعيَها المحمودَ للأوجِ انحناءْ


عـزَّ بالطُّهرِ فؤادٌ مخبتٌ

***  لا إلى أهواْءِ دنيانا أفاءْ


أيُّها الإنسانُ هوِّنْ ، واتَّئِدْ

***  لا يغُرَّنَّكَ زهوُ السُّفهاءْ


أو يقودَنَّكَ وهمٌ صاغه

*** مكرُ إبليس بزورٍ وافتراءْ


كلُّ ما في هذه الدنيا وإن

*** عربدَ الباطلُ فيها بازدراءْ


كلُّها في قبضةِ الدَّيَّانِ لم  

*** يُفلتِ ( الشَّاطرُ ) حتى في الخفاءْ


كلُّ داءٍ وله بين الورى

***  من طبيبٍ ودواءٍ وشِفاءْ


غير داءٍ واحدٍ أعجزهم

***  إنَّه ــ والله ــ داءُ الكبرياءْ


أيُّها الإنسانُ هذا الكَلْمُ من

*** شفتيْكَ انسابَ مدحًا أو هجاءْ


أو بنجوى غيبةٍ ممقوتة

*** أو سمعتَ السوءَ قصدًا وانتقاءْ


غزلا يَسبي فؤادًا والهًا

*** أو تهافتْتَ لهُزءٍ أو غِناءْ


فرقيبٌ وعتيدٌ كتبا

*** لكَ ما قد تصطفي مما تشاءْ


لو تجلَّى اللهُ يا هذا على

*** قلبِك الشاردِ في رحبِ الفضاءْ


راكضًا خلفَ مُنادي لذَّةٍ

*** حرَّمَ اللهُ مآتيها وِقاءْ


ناسيًا مولاكَ لكنْ لم تزلْ

*** تطلبُ اللذَّةَ في أيِّ وِعاءْ


فإذا أنت بقبرٍ مظلم 

*** ليس فيه من حميمٍ أو رجاءْ


وأراكَ اللهُ لو كنتَ الذي

*** هَجَرَ السوءَ ، وفعلَ الجهلاءْ

 

قصرَكَ المعمورَ في جنَّاتِه

*** وأراكَ الحورَ فيه والهناءْ


وأراكَ الخيرَ لا يُحصَى ولا

*** كان هذا الخيرُ في دارِ الفناءْ


ثُـمَّ ناداكَ: أيا عبدي لِمَنْ

***  أنتَ أفنيتَ لياليك الوِضاءْ ؟


لم تُجبْ فيها منادي رحمتي

***  واتَّبعْتَ اللهوَ مركوبَ الشقاءْ


فَلْتَلُمْ نفسَك ما طهَّرتَها

***  من هواها ألِكِبرٍ أم هذا الغباءْ ؟

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين