شيء من استهبال الناس والضحك على عقولهم

في الدنيا حوادث عجيبة جدا، منها ما يجعل المرء يسقط من الضحك، ومنها ما يجعل المرء يكاد يفقد عقله، ومنها ما يثير سخط الإنسان العاقل إلى درجة تصيّره أقرب للمجانين.

ونحن اليوم نعيش هذه الحوادث جميعها، وربما في آن واحد، فالذي يجري لأهلنا في غزة شيء تحار فيه العقول من جهة فظاعته أولا، ومن جهة سكوت العالم-المتحضر- عليه ثانيا، فغزة شُنّت عليها حرب عالمية بشهادة جميع الناس في جميع الأمم، وليست بحاجة إلى خبراء ليثبتوا ذلك، هذه الحرب الملعونة استشهد فيها من المسلمين قرابة أربعين ألف مسلم، وجميع دول العالم تترقب المزيد من استشهاد المسلمين.

وشُنّت على أهلنا في غزة حرب مجاعة قاحلة لم تشهد الإنسانية على اختلاف الناس فيها مثل هذا الحصار الجائر، ولمدة تقترب من سبع عشرة سنة، واليوم تكتمل صنوف هذه المجاعة لتشكل نمطا من حرب التجويع التي لا يعرف التاريخ لها مثيلا، في حين تشهد هذه الحرب بكل أصنافها دول العالم التي أرهقت أسماعنا بالإنسانية، وحقوق الانسان، والعيش الكريم، وكثير من مثل هذه المصطلحات التي انتفخت فصارت كالبراميل الفارغة وليس فيها إلا الهواء.

لم تستطع هذه الدول كما تزعم الضغط على الدولة الصهيونية، ولا انصاعت هذه الدولة لقرارات العالم كله، من خلال ذلك نشأت همّة عند بعض دول العالم مؤداها ذر الرماد في العيون، فقامت بمطالبة إسرائيل المجرمة بإيصال الغذاء والدواء إلى أهلنا في غزة، فرفضت الدولة الصهيونية ذلك، وعلا صراخ كثير من الدول لما رأوا الشعوب قد ازدادت صراخا وعويلا، فقرروا أن يقوموا بعمليات بهلوانية في إيصال الغذاء عبر إسقاطه من الطائرات فوق شمال غزة، ويتم إسقاط كثير منه في البحر، وهذه البهلوانية في حقيقتها لا تؤدى غرضا ينفع حارة من حارات غزة، فكل ما تم إسقاطه من الطائرات_ وطبعا هذا الإسقاط يتم بالتنسيق مع الدولة الصهيونية- كل هذا لا يكفي شيئا من إزاحة جريمة التجويع التي أصيب بها أهلنا في غزة، وكثرت الاقتراحات، حتى صار منها ما يشير إلى أن الدولة الصهيونية ستقوم بهذه العمليات البهلوانية لإسقاط الطعام للجوعى!!!فهل تصدقون يا مسلمون ويا عالم بأن دويلة مجرمة تقوم بقتل أبنائنا شر قِتلة ثم تحملهم إنسانيتهم التي فقدوها على إنزال الطعام للجوعى؟ ثم يتداعى العالم بقيادة أمريكا مجرمة الحرب الأولى في العالم للقيام بإنشاء ممر مائي، أو ميناء على بحر غزة من أجل إيصال المساعدات للمنكوبين!!وهذا الميناء كم يكلف إنشاؤه، وكم تحتاج المعونات لتصل إلى المنكوبين إذا تم فعلا إنشاؤه، والمشكلة الكبرى أن تصدق بعض الدول العربية بهذه الحركات البهلوانية، وتقوم بالاشتراك بها بحجة إطعام الجوعى، والداهية الكبرى التي تصيب العقول أن هذه الدول بهذه الحركات البهلوانية، وهذه الاقتراحات، عاجزة عن فتح ممر رفح الذي يبعد أمتارا عن غزة!! فلو كان هذا العالم صادقا في حركاته واقتراحاته لقام فعلا بفتح معبر رفح قهرا لليهود، وقهرا لمن يمنع فتحه، إذا أراد إطعام الجوعى، ولكن هذه الحركات كلها من أجل إطالة أمد الحرب، ومنح الصهاينة الفرصة الكبرى لقتل أكبر عدد من أهل غزة وفلسطين، حتى يسهل عليهم تزويق التهجير، بتخويف الناس بما حصل لأهلنا في غزة، وليس الهدف لا الإنسانية، ولا الحرية، ولا الحقوق، ولا الرحمة، بل كل هذه أكاذيب من أجل استهبال الناس والضحك على عقولهم وشراء سكوتهم على هذه الجرائم الرهيبة، وإن كانت انطلت على بعض الدول العربية والإسلامية، فعليهم أن يتيقظوا لما هو قادم، وعلى الشعوب الإسلامية والعربية أن تتكاتف وتعود إلى دينها الذي لن تنال أي عزة بدونه، وصدق والله عمر بن الخطاب يوم قال:" نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، ومهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله" فما دامت الأمة الإسلامية والعربية تعتز بغير دين الله فلتغرق في بحر الذلة إلى أن تفيق.

ولا بد من التنبيه الضروري قبل نهاية المقال الى أن الممر المائي أو الميناء المراد إنشاؤه قبالة سواحل غزة ليس هدفه اطعام الجوعى، بل هدفه اكبر من ذلك بكثير وهو التمهيد لسيطرة الاستعمار على بلاد المسلمين سيطرة فعليه برجاله لا بمن ينوب عنهم، وسوف نرى بأم أعيننا مآس قادمة تعجز العقول عن تصديقها، إذا بقينا بهذه السذاجة التي أغرقنا أنفسنا فيها.

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين