خطر لي أن أتأمل حقيقة "العبودية "
فقلت -بادئ الرأي- : "هي فعل ما أمر الله به ، واجتناب مانهى عنه .
ثم عدت فأنعمت النظر ،وأطلقت سرح الفكر يجول في حقيقتها ،
فرأيتها شيئا فوق مجرد اتباع الأوامر، واجتناب الزواجر .
رأيتها استسلاما للشرع وخضوعا له ،
وإقبالا بالقلب على الرب عز وجل ، وتفريغ النفس مما سواه ، والالتفات بالكلية إليه،
بحيث يؤدي العبد عباداته بقلبه قبل جوارحه ، وبروحه قبل بدنه .
فيستشعر عظمة من يعبده وجلاله وجماله وكماله وعظيم أسمائه وصفاته ،فلا تزال هيبته في قلبه ، ولا يزال خاشعا خاضعا ،
خائفا راجيا ، مخبتا منيبا ، متوكلا مستعينا بربه .
ذكر الله لا يفارقه .
ينام لله ،ويستيقظ له .
يتزوج له وينجب له .
يحيا له ويموت من أجله .
قد عرف حقيقة التوكل فلم يركن إلى الأسباب ولم يلتفت لها مع تمام أخذه بها وفعله لها ،
بحيث لو قيل له : سيؤخذ مالك ، ويحاط بك من كل مكان.
لم يتغير حاله ، ولم يلجأ إلى غير ربه في كشف كربته ،وإجابة دعوته .
قد فرغ من الناس وفرغوا منه ، فلا يطلب مدحهم ، ولا يفزع من ذمهم .
لا يجالس إلا من يقربه إلى ربه ويدنيه منه .
وإن اضطر إلى مجالسةأهل الدنيا كان معهم ببدنه ،
وروحه عند ربه عزوجل .
لا يحزنه ذهاب دنياه إذا صح له دينه ،
ولا يقلقه ويزعجه إلا قدومه على ربه ، وهول الوقوف بين يديه،
والمرور على الصراط ،
ومستقره في أي الدارين
هذه هي حقيقة العبودية التي أعتقدها
وعلِم الله ، أنها لم تنزل بساحتي ،
ولا شممت لها رائحة ؛
لكني أسأل الله أن يمن علينا بمعرفته ، وتحقيق العبودية له
وأن يرضى عنا .
وإذا رضيت فكل شئ هين
حسبي رضاك فكل شئ زائل
أنت المنى ورضاك سؤلي في الدجى
وإذا حصلت فكل شئ حاصل
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول