عقلٌ يبصر ويهتدي بنور القرآن والسنة وفي آفاق المعرفة بكل أبعادها

 

 هناك من المثقفين العرب من يشنّ حملة ظالمة على الفقه الإسلامي ، ويعتبرون أن الفقه الإسلامي قد حدّ من العقل في إطار التعاليم الدينية فقط ، مع التنكر لما قدمته الأمة الإسلامية من حضارة وإنجازات عبر تاريخها . 

القول بأن علماء الإسلام يحدون العقل في اطار التعاليم الدينية فقط  نوع من التجني والظلم ، وهذا لا يمت بواقع العلوم التي شيدها علماء الأمة بصلة ، فكان النقل والعقل رائدين لهما بصورة متلازمة راقية .

11- لا يوجد في عقيدتنا الإسلامية وتصوراتنا المنبثقة من كتاب الله وسنة رسوله هذه الإشكالية أصلا في تقييد العقل في التعاليم الدينية فقط ؟؟!! .

 لأن العقل والنقل كما يقول الإمام الغزالي : "اعلم أن العقل لن يهتدي إلا بالشرع ، والشرع لم يتبين إلا بالعقل فالعقل كالأُس، والشرع كالبناء، ولن يغني أسٌّ ما لم يكن بناء، ولن يثبت بناء ما لم يكن أس. ... وأيضاً فالعقل كالبصر، والشرع كالشعاع، ولن يغني البصر ما لم يكن شعاع من خارج ، ولن يغني الشعاع ما لم يكن بصر. فلهذا قال تعالى: ?قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ* يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ? [المائدة:15-16].

 وأيضاً فالعقل كالسراج والشرع كالزيت الذي يمده فما لم يكن زيت لم يحصل السراج، وما لم يكن سراج لم يضئ الزيت، وعلى هذا نبه الله سبحانه بقوله: ?اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ? إلى قوله: ?نُورٌ عَلَى نُورٍ? ، فالشرع عقل من خارج ، والعقل شرع من داخل، وهما متعاضدان، بل متحدان" ) اهـ .

 فالعقل أداة للوثوق بصحة ورود النقل، ثم هو أداة لفهم مضمونه، وإدراك المعنى الذي يدل عليه ، فتعاليم الكتاب والسنة كالمصباح تنير للعقل معالم الطريق ، وتهديه للحق .

 وإن صحيح المنقول متفق دائماً مع صريح المعقول، ومتفق مع العقل الصافي عن شوائب الأهواء والرغائب النفسية .

22- علماء الأمة قديماً وحديثاً ، لم يهملوا العقل ، ولكنهم نظموا عمل العقل ، فهناك غيبيات وعقائد وأحكام وأخلاق وآداب جاءت صريحة في كتاب الله وسنة نبيه مطلوب من العقل الاستسلام لها ، وهناك قضايا كونية أشار لها القرآن الكريم فهذه نفهمها وفق المعطيات العلمية لكل عصر ولا نقف عند ما كتبه المفسرون القدامى لأنهم اجتهدوا في تفسيرها حسب ما توفر لهم .

33- شجع الإسلام على إعمال العقل ، ودعانا للتفكير العميق الواعي بتدبر ، والعمل على الارتقاء والنهضة الحضارية في جميع الجوانب العلمية والتربوية والاجتماعية والتكنولوجية وغيرها ، ولكن الإبداع ليس بالخروج على ثوابت الأمة التي دلت عليها النصوص القطعية ، وإنما يكون الإبداع في استلهام المعاني بحدود ما تحتمله تلك النصوص الشرعية ودلالاتها ، وكذلك في الوسائل والآليات التي يبدعها المفكرون في تقديم مبادئ الإسلام وقيمه وأحكامه وفق مستجدات العصر.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين