فن اختيار الموضوع

 

 

 

مقدمة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

فإنه كثيراً من الوعاظ والخطباء يشتكي من كيفية اختيار الموضوع، وبعضهم يُرجع سبب ذلك إلى ندرة الموضوعات التي يمكن أن يتناولها الخطيب وتناسب الكثير من الناس، ولا سيما أن الخطبة تتم كل أسبوع بالإضافة إلى المحاضرات والدروس الوعظية ... وسبب  النظرة عند بعض الخطباء والدعاة هي: قلة علمهم، ومحدودية اطلاعهم ومعلوماتهم، وضعف نظرتهم إلى واقع الناس... وإلا فإن الخطبة لو كانت تتكرر يوميًا لما استطاع الخطيب أن يعالج جميع الموضوعات التي يحتاجها الناس في هذا العصر المليء بالمتغيرات ... فأحببنا أن نضع بين أيديكم مقتطفات في فن اختيار الموضوع نسأل الله تبارك وتعالى أن يعم نفعها لنا ولكم ولجميع المسلمين آمين.

 

قواعد أساسية في فن اختيار الموضوع:

1-الإخلاص والمتابعة:

فالذي ينبغي للخطيب في ذلك أن يكون منشأ الخطبة والسعي إليها وطلبها ، من باب الإخلاص لله عز وجل ، وتبليغاً للدين ، ودعوةً إلى التمسك بالعقيدة الصحيحة والشريعة السمحة ، عملاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم :( بلغوا عني ولو آية).

شروط قبول العمل:

ثانياً: البلاغة في الإيجاز

يقول أحد الصحابة رضي الله عنهم: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتكلم بكلمات لو عدهن العاد لأحصاهن.

ويقول صلى الله عليه وسلم: ((إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه – أي علامة – فأطيلوا الصلاة وأقصروا الخطبة ، وإن من البيان سحراً )). أخرجه مسلم.

وقد قيل: خيرُ الكلام ما قلَّ ودلَّ ولم يملَّ.

ثالثاً: التنويع في المواضيع:

فبعض الدعاة يقتصر على جانب الترهيب والتخويف فينفر الناس، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (يسروا ولا تعسروا بشروا ولا تنفروا) أخرجه البخاري. وبعض الدعاة يقتصر على جانب الترغيب فقط، وكلاهما مفرط.

فالداعية الناجح هو الذي يوازن بين الترغيب والترهيب وينوع في اختيار مواضيعه حتى يجذب الناس إليه ويشد المستمعين ويلفت انتباههم بالجديد والمفيد دائماً.

رابعاً: الاعتماد على الأحاديث الصحيحة والحسنة ما أمكن:

ففي الصحيح غنية عن شديد الضعف والموضوع.

يقول الإمام أحمد رحمه الله: (إذا روينا في الحلال والحرام تشددنا، وإذا روينا في فضائل الأعمال ونحوها تساهلنا).

يقول ابن تيمية رحمه الله: في كتابه (( القاعدة الجليلة )): (( ولا يجوز أن يعتمد في الشريعة على الأحاديث الضعيفة التي ليست صحيحة ولا حسنة ، لكن أحمد بن حنبل وغيره من العلماء جوزوا أن يروى في فضائل الأعمال ما لم يعلم أنه ثابت، إذا لم يعلم أنه كذب...)) .

خامساً: الإعداد الجيد والتأني في اختيار الموضوع:

بعض الخطباء لا يعد للخطبة إلا في صبح الجمعة أو قبلها بسويعات ، والذي يفعل ذلك إن كان فعله له سبب يبيح ذلك له فالضرورة لها أحكامها ، أما إذا كان ديدنه ذلك أو ينتقي إحدى الخطب  الجاهزة ثم يلقيها من على المنبر ، فهذا ممن لا يحمل دعوة ولا رسالة وإنما اتخذ المنبر عادة أو تكسبا ، فلا حول ولا قوة إلا بالله
فالواجب على الخطيب أن يضع جل همه وتفكيره في خطبة الجمعة أو الموعظة، ويفرغ لها الوقت الطويل لإعدادها الإعداد المناسب ، حتى تبرأ الذمة ويحصل المقصود ، والله الموفق

سادساً: التركيز على موضوع واحد واستيعابه:

يخطئ بعض الخطباء الفهم حينما يظنون أن الخطبة يمكن أن تستوعب معظم الموضوعات التي يراد طرحها . وهذا من وجهة نظري ليس بصحيح؛ لأنه يوقع في سلبيات متعددة أذكر منها على سبيل المثال:

أ- الإكثار في الحشو وسرد الأدلة.

ب- الإطالة على المستمعين.

ج- الخروج عن الموضوع:  

لأنه كما قيل: الحر تكفيه الإشارة.  

سابعاً: الاستعداد النفسي والبدني وتفريغ الذهن:

 على الداعية توحيد الهَمِّ، والتركيز في اختيار الموضوع المناسب الذي يهم المسلمين ويحتاجون إليه بمشورة الإخوة والناصحين العالمين بواقع أمتهم.

 

معايير مؤثرة في اختيار الموضوع: 
1-نفسية المخاطبين ومستوى ثقافتهم:

على الداعي الناجح مراعاة نفسية السامعين من حيث: اتجاههم العام السياسي أو المذهبي أو العقائدي ومستواهم الثقافي, فالخطب تتغاير بحسب مستوى السامعين فالمثقفون يخاطبون بأسلوب, وغيرهم بأسلوب أخر وهكذا.
2- عقلية المخاطب:

 وهذه تؤثر باختيار نوع الدليل وطريقة التدليل.

 وأصناف الناس من الناحية العقلية:
 1- إما أصحاب عقول راقية
 2- عوام يألفون المحسوسات ويتأثرون ببساطة
 3- أصحاب جدل وعناد
والداعية الحكيم يتعامل مع هذه الأصناف الثلاثة بمقتضى قوله تعالى:

 [ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن] (النحل: 125).

 فالحكمة لأصحاب العقول الراقية، والموعظة الحسنة المرققة للعوام, والجدل بالأحسن للمجادلين


3-ملاحظة المناسبة في اختيار الموضوع:

وتعني ضرورة التوافق بين المقال وحال الناس , فلابد عند اختيار الموضوع من أن يكون من المواضيع التي تهم الناس , ثم يتحول الخطيب ببراعة إلى ما يريد أن يوجه إليه من خلال اهتماماتهم
4- المكان:

فينبغي أن تراعي المكان الذي ستلقي فيه موضوعك .. البلد والبيئة ونحوها.

لا يليق مثلاً أن تتناول موضوع المنكرات التي تحصل في شواطئ البحار ، في دولة في قلب الصحراء ، أو تتكلم عن أحكام زكاة الزروع والثمار في بلد ليس فيه زرع ولا ثمر .

5-الزمان:

فتراعي الأحداث ، والمواسم ، وتراعي كذلك المناسبات الشرعية كرمضان ، والحج ، وغيرها.

ما تتكلم عن الصيام والناس في أول السنة ، أو تختار موضوعاً عن الحج والناس في رمضان .

 6-الظروف المحيطة والأحوال المستجدة : 

التي تستدعي الحديث عن بعض الوقائع التي تقع في المجتمع كأن تنزل نازلة بالمسلمين ،كعدو أو مرض أو جدب أو غير ذلك .

7- عدم اختيار مواضيع خلافية:

يجب أن يكون الموضوع مما لا يجري فيه الاختلاف جهد الإمكان؛ فالداعية يخاطب أصناف متعددة من الناس، فيركز على المحكم ولا يخوض في المتشابه , ويكون خطابه للأمة ليس لمذهب أو حزب أو فئة أو جماعة معينة...

8- عدم الخوض في مواضيع مشكلة لم تحسم بعد:

مثال ذلك:

في فترة من الفترات كتبت الصحف وتناول الخطباء تحذيراً مفاده أن هذه الكلمات (بيكاتشو) وغيرها من الكلمات باللغة العبرية القصد منها سب الرسول صلى الله عليه وسلم وسب الإسلام..
فما كان من احد الخطباء في أحد المساجد إلا أن يثور ويحذر من هذه الكلمات التي انتشرت على قمصان أبنائنا، فسارع أهل القرية إلى قمصان أبناءهم فأحرقوها...
لم يمض الأمر هكذا إلى النهاية, فلما جاء المساء ظهر على شاشة التلفاز وزير الدولة المختص, ليبين للناس أن ما أثير من شائعات حول هذه الكلمات العبرية عارٍ عن الصحة ,وإنما أثير هذا الموضوع من قبل شركات منافسة لأغراض تجارية, وأكد أنهم رجعوا إلى أهل الاختصاص باللغة العبرية, فوجدوا أن هذه الكلمات ليس فيها أي إساءة للإسلام... والسؤال هنا: كيف تتكلم بموضوع وأنت لم تحط بجوانبه ولم يحسم النقاش فيه بعد؟؟

ومثله أيضاً: تداول فتاوى أو رؤى منامية لبعض الدعاة أو الصالحين ثم يتضح للناس زيفها...

 

كيف تختار موضوعا؟

أ-مواضيع توافق مناسبات معينة:

وهي تقسم إلى قسمين: 1-مناسبات طارئة 2-مناسبات متكررة بتكرر الأعوام.

1-مناسبات طارئة:

كحدث جديد يحصل في الحي أو المدينة أو الدولة واشتهر وعرفه الناس؛ فهم ينتظرون من الخطيب رأيه فيما حدث، وهذه من أهم القضايا التي على الخطيب أن يطرقها ويتناولها ويبين للناس رأي الشرع فيها. 2–مناسبات متكررة بتكرر الأعوام:

 كالهجرة، والحج، وعاشوراء، ورمضان...وهذه المناسبات مريحة عند كثير من الدعاة إذ لا يحتاجون إلى إعداد فيها بل يستخرجون أوراقهم القديمة ويلقونها على الناس الذين يحفظونها ويملون من كثرة تردديها.

بيد أن هذه المناسبات تقلق الدعاة المتميزين؛ لأنهم يبحثون فيها عن الجديد دائماً ويضعون مخططات لها لتجنب السأم والملل...فيلجؤون إلى تجزئة الموضوع الواحد... وطرقه في كل عام من جانب وربطه بالواقع

فمثلاً:

أ-جَمعُ الغزوات والأحداث الكبرى التي وقعت في رمضان، واختيار واحدة منها في كل عام للحديث عنها بنحو مفصل.

ب-أو تفتيت الغزوة الواحدة إلى عدة موضوعات، في كل عام يطرق جانبًا جديدًا منها.

غزوة بدر يمكن تجزئتها إلى عدة محاور:

1-المحور الأول: سرد أحداث الغزوة من بدايتها إلى نهايتها.

2-المحور الثاني: نتائج غزوة بدر.

3-المحور الثالث: المقارنة بين حال الفريقين (المؤمنين والكافرين).

4-المحور الرابع: تأييد الله عزوجل للمؤمنين الصادقين بالملائكة.

5-المحور الخامس: الحديث عن مصير المستكبرين من المشركين (غزوة بدر نموذجاً).

فهذه خمسة مواضيع يمكن الحديث في كل عام عن موضوع واحد منها والتوسع فيه.

 

 ب-مواضيع لا توافق مناسبات معينة:

وهذه هي الأغلب وهذه يمكن أن يضع لها الداعية مخططاً يسير عليه.

ولها جملة من المزايا:

 1- عدم الحيرة في اختيار الموضوع ، ولا سيما إذا ضاق الوقت.  
 2-نضج الموضوعات التي يطرحها الداعية، إذ قد يمر عليه شهور وهو تدور في مخيلته.

3-سهولة بحثه عدة موضوعات، إذا كانت في فن واحد، وتوفير كثير من الوقت.

4-التنويع في المواضيع وعدم الملل.

مخطط لأهم الموضوعات:

1-العقيدة وما يتعلق بها.

2-العبادات: وليس المراد سرد الأحكام، بل تصحيح بعض الأخطاء، والحث على العبادات المهجورة.

3-المعاملات وصورها المعاصرة.

4-الأخلاق والآداب الإسلامية.

5-قصص القرآن والسنة (مواعظ وعبر).

6-السير والتراجم للأئمة والأعلام.

7-تفسير آية أو حديث.

8-السيرة النبوية والغزوات.

9-موضوعات فكرية: كالديمقراطية والعلمانية والحداثة.

10-الفتن والملاحم وأشراط الساعة.

11-القيامة وأهوالها.

12-الرقائق والمواعظ.

هذه موضوعات كلية يتفرع عنها جزئيات كثيرة...

فعلى الداعية أن تكون لديه خطة مكتوبة يسير عليها في اختيار الموضوع...

 

الموضوع الواحد المتتابع على شكل سلسلة (الايجابيات والسلبيات):

أولاً: الإيجابيات:

1-تشويق السامعين إلى الجمعة القادمة
 2-ربط موضوعات الخطب بعضها ببعض
3- إن طرح موضوع كلي بهذا التسلسل أنفع للناس فتكون الخطبة درسًا علميًا إضافة إلى كونها خطبة.

ثانياً: السلبيات:

1-غير مأثور عن النبي أنه فعل ذلك، ويجاب بأنه موضوع اجتهادي.

2-قد يؤدي إلى عكس ما أراده الخطيب من التشويق؛ لأن، السامع يعرف الموضوع مسبقاً

3-تقييد الخطيب وجعله محصوراً في فن واحد على حساب فنون أخرى.

4-عدم إمكانية طرق الموضوعات المستجدة مما يربك الخطيب.

5-إشكالية من لم يحضر الخطبة السابقة قد لا يفهم الموضوع.

6-عدم إكمال الموضوع لعارض من سفر أو مرض ونحوه...فيصبح الموضوع مبتوراً...

نصائح:

-حدد هدفك وموضوعك بدقة...

-تكلم عن جزئية ولا تسهب أو تطيل...

-اختر عناوين جذابة...

 -ليعلم كل داعية أن درجة التركيز الجيد لدي الإنسان مدتها من (5-10) دقائق

فقسم ونوع حديثك بحيث يحافظ على درجة تركيز عالية باستمرار...

-جزء حديثك إلى أقل من (20 د) وسيحبك الناس.   

 ختاماً:

نسأل الله تبارك وتعالى أن نكون قد وفقنا في عرض هذه المادة....

سبحان ربك رب العزة عما يصفون

وسلام على المرسلين

والحمد لله رب العالمين

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين