فواتح من

 

(كتاب "الخواتيم" للإمام ابن الجوزي البغدادي من كتبه الرائعة، ويقع في أربعين فصلًا، وقد وفقني الله لخدمته، والحمد لله.

وهذه "فواتح" منه بين يدي طباعته).

♦ ♦ ♦

 

♦ ما انتفعَ آدمُ في بليّةِ (وعصى) بكمالِ (وعلَّم).

ولا ردَّ عنه عزُّ (اسجدوا).

وإنما خلّصَهُ ذُلُّ (ظلمنا).

♦ ♦ ♦

 

♦ الدنيا دارُ فرقة، كم في جُرَعِ لذاتِها شَرْقة!

عاش فيها آدمُ باكياً.

وقام نوح نائِحاً.

وصار داود نادِباً.

وبات يعقوب للحبيب مُفارِقاً.

♦ ♦ ♦

 

♦ كان بعضُ الأغنياء كثيرَ الشكرِ، ثم بطِرَ ونسِيَ، فما تغيرَتْ نعمتهُ، فقال: يا ربِّ: تبدلتْ طاعتي، وما تغيرَتْ نعمتي؟!

فهتفَ به هاتفٌ: لأيامِ الوصالِ عندنا حُرمةٌ، حفظناها وضيّعْتَها.

♦ ♦ ♦

 

♦ إخواني:

تعالوا نُرقْ دمعَ تأسُّفنا، على قُبْحِ تخلُّفنا.

♦ ♦ ♦

 

♦ يا سوقَ الأكلِ: أين أربابُ الصيامِ؟

يا فرشَ النومِ: أين حرَّاسُ الظلامِ؟

درستْ واللهِ المعالمُ، ووقعتِ الخيام.

قفْ بنا على الأطلالِ نخصّها بالسَّلامِ.

♦ ♦ ♦

 

♦ يا سكرانَ الهوى:

لو استنشقتَ رياحَ الأسحار لأفاقَ قلبُك المخمُور.

لو تخايلتَ قُربَ الأحباب لأقمتَ المأتمَ على بُعْدِك.

♦ ♦ ♦

 

♦ اجلسْ في ظلامِ الليلِ بين يدَي مالِكك، واستعملْ أخلاقَ الأطفالِ، فإنَّ الطفلَ إذا طلبَ مِنْ أبيه شيئاً فلم يعطهِ بكى عليه، وقلْ: يا مَنْ أعطى ومنَعَ.

♦ ♦ ♦

 

♦ إذا هبَّتْ رياحُ الخوف قلقلتْ قلوبَ العارفين، فلم تتركْ ثمرةَ دمعٍ في فَننِ جفنٍ.

إذا نزل آبٌ في القلبِ سكنَ آذار في العين.

♦ ♦ ♦

 

♦ شحمُ الـمُنى هُزالٌ.

وشرابُ الأملِ سرابٌ.

♦ ♦ ♦

 

♦ يا أعجميَ الذِّهن:

رافقْ عربَ التفطُّن.

إلى متى مع الـمُتلوثين؟

متى تُضاف إلى النِّظاف؟

أنتَ مع تقصيرِك تأمنُ، وكانوا مع جدِّهم يخافون.

أنتَ على ذنوبِك تضحكُ، وكانوا مع طاعتِهم يبكون.

♦ ♦ ♦

 

♦ قلوبُ القوم مملوءة بحُبّهِ [سبحانه].

فإنْ نطقُوا فبذكرهِ.

وإنْ تحرَّكوا فبأمرهِ.

وإنْ فرِحوا فلقُربهِ.

وإنْ ترِحوا فلعَتبهِ.

♦ ♦ ♦

 

♦ لما عرفَ الصالحون قدرَ قيمة الحياة أماتوا فيها الهوى فعاشوا.

كان أحدُهم إذا قهرَ نفسَهُ بترك شهوةٍ أقبلَ يهتزُّ اهتزازَ الرامي قرْطَسَ[1].

انتهَبُوا بأكفِّ الجدِّ مِنَ الزمنِ ما نثرهُ زمنى البطالةِ.

♦ ♦ ♦

 

♦ مَنْ عرفَ ما يطلبُ هانَ عليه ما يبذلُ.

♦ ♦ ♦

 

♦ لو أشرفتَ على وادي الدُّجى لرأيتَ خيمَ القومِ على شواطئِ أنهارِ البكاء.

خلوا - واللهِ - بالحبيب، وطالَ الحديث.

♦ ♦ ♦

 

♦ مَنْ لم يكن له مثلُ تقواهم، لم يعلمْ ما الذي أبكاهم.

مَنْ لم يشاهِدْ جمالَ يوسف، لم يعرفْ ما الذي آلَم قلبَ يعقوب.

♦ ♦ ♦

 

♦ يا صبيانَ التوبةِ:

اصبروا وصابروا.

مكابدةُ الباديةِ تهونُ عند ذكْرِ "مِنى".

أكبرُ مُعينٍ على طولِ الطريقِ نسيمُ دارِ الحبيب.

♦ ♦ ♦

 

♦ ما يصبرُ القومُ عن مناجاةِ حبيبِهم لحظة.

ولا يتكلَّمون في غير رضاهُ بلفظة.

فإنْ سُلِبوا لذّةَ المحادَثة، ضجُّوا لتلك الحادثة.

♦ ♦ ♦

 

♦ يا سحائبَ الأجفان:

أمطري على رِباعِ[2] الذنوب.

يا ضيفَ الندمِ على الإسراف:

اسكُنْ شَغافَ القلوب.

يا أيامَ الشيب:

إنما أنتِ بين داعٍ ووداعٍ، فهل لماضٍ من الزمانِ ارتجاع؟

♦ ♦ ♦

 

[1] كلُّ أدِيم يُنْصَبُ للنِّضَال فاسْمُه قِرْطاسٌ، فإذا أصابَهُ الرامي قيل: قَرْطَسَ. المحيط في اللغة (6 /84).

[2] الرِّباع جمع الرَّبْع وهي الدارُ بعَيْنِها حيثُ كانت. القاموس ص 927.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين