قاتلوا الدواعش قتال الخوارج والمفسدين

 

لقد فرغنا من الذين يقولون إنَّ داعش جماعةٌ جهاديَّةٌ صالحةٌ، فما بقي أحدٌ يقول تلك المقالةَ اليومَ إلَّا المغفلون، وأيُّما رجلٍ ثبت على هذا الرَّأي بعد كلِّ الذي ظهر من إجرام داعش وجنايتها على سوريا فإنَّه لا أملَ في شفائه، وهو أبعد عن الهداية من قوم نوح الذين قال الله فيهم: ?لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَن? [هود:36] نعم: هؤلاء فرغنا منهم، وبقي عندنا فريقٌ ليس أصحابُه بأقلَّ سذاجةً من الأوَّلين، يقولون: حسنًا، اقتنعنا بضرر داعش على الثَّورة، ولكن ليس من مصلحة سوريا وثورتها أن ننشغل عن قتال العدو الرَّئيسي، النِّظام، بنزاع جانبيٍّ مع داعش، فاتركوها ولا تثيروا الفتنة بقتالها.

المنطق الأعوج الذي يتحاكم إليه السُّذَّج

إنَّ المنطق الأعوج الذي يتحاكم إليه هؤلاء السُّذَّج (وأعتذر منهم عن هذا الوصف) يشبه أن يقول قائل: لا تشتتوا جهودكم ولا تضيعوا الوقت بقتال حالش (أي أفراد الجيش السوري الذين يسرقون بيوت الناس) والشَّبيحة وميليشيا جيش الدِّفاع الوطني، قاتلوا النِّظام فحسب، أو يقول: اتركوا أجهزة الأمن والمخابرات وحاربوا الجيش الذي يقصف المدنيين في حلب ويحاصرهم في حمص والغوطة.

أما آن لكم -يا أيُّها العقلاء- أن تدركوا أنَّ جيش النِّظام ومخابرات النِّظام والجيش الوطني والشَّبيحة وحالش وداعش عدوٌّ واحدٌ تعددت صُوَرُه وأسماؤه، وأنَّ قتالَ بعضه وتركَ بعضه كتركه جميعًا بلا قتال؟ أغرَّكم من داعش أنَّها رفعت رايةً عليها اسمُ الله؟ فلِمَ لم يغرَّكم ذلك من حالش؟ ألا يقاتل الحوالش كما يقاتل الدَّواعش؟ كل من الفريقين يرى الجنَّة من فوَّهة بندقيَّته ويحسب أنَّه يصل إليها بقتل المسلمين المجاهدين في الجيش الحرِّ والجبهة الإسلاميَّة وجبهة النُّصرة وجيش المجاهدين، فما الفرق بينهما بالله عليكم؟ أعترف بأنَّني غَبيٌّ عَيِيٌّ لا أفهم، فأفهموني يا أيُّها الحكماء الأذكياء.

شِرار الأرض في الدُّنيا وكلاب النَّار في الآخرة

بعد كلِّ الذي كان، وبعدما صدرت في إجرام داعش وعمالتها لأعداء الأمَّة مئاتُ الشَّهادات من العلماء والمجاهدين الأخيار، حتَّى من مجاهدين صالحين كانوا مع داعش ثمَّ فارقوها لـمَّا رأوا ما هي عليه من ضلالٍ وإجرامٍ، بعد ذلك كلِّه لم يبقَ فيها إلَّا صنفان من النَّاس: شِرار الأرض في الدُّنيا وكلاب النَّار في الآخرة، لم يبقَ فيها إلَّا قادةٌ خبثاء يخطِّطون لوأد الثَّورة وإجهاض الجهاد، وأتباعٌ بلا عقولٍ ولا أفهامٍ هم آلات قتلٍ لا أملَ في شفائهم في يوم من الأيام.

الأوَّلون يقاتَلون ويُقتَلون بلا رحمةٍ ولا ترددٍ، والآخَرون يقاتَلون ويُقتَلون برحمةٍ وبلا ترددٍ، وبالنَّتيجة فإنَّهم كلَّهم يقاتَلون ويُقتلون بلا ترددٍ، إلَّا أنَّنا نرحم الآخِرين ونلعن الأوَّلين.

 في حديث أبي أُمامة الباهلي الذي في صحيح ابن ماجه أنَّه لـمَّا رأى قتلى الخوارج قال: «شَرُّ قَتْلَى قُتِلُوا تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ، وَخَيْرُ قَتِيلٍ مَنْ قَتَلُوا، كِلَابُ أَهْلِ النَّارِ، قَدْ كَانَ هَؤُلَاءِ مُسْلِمِينَ فَصَارُوا كُفَّارًا» [سنن ابن ماجه:1/62].

وعند الطبراني في "الأوسط" أنَّه وقف عليهم فبكى، ثمَّ قال: «سُبْحَانَ اللَّهِ، مَا يَصْنَعُ إِبْلِيسُ بِهَذِهِ الْأُمَّةِ؟» ثُمَّ قَالَ: «كِلَابُ النَّارِ، كِلَابُ النَّارِ، كِلَابُ النَّارِ» ، ثُمَّ قَالَ: «شَرُّ قَتْلَى قُتِلُوا تَحْتَ ظِلِّ السَّمَاءِ، وَخَيْرُ قَتْلَى قَتَلُوهُمْ» ، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: ?يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ? [آل عمران: 106] ثُمَّ الْتَفَتِ إِلَيَّ فَرَآنِي، فَقَالَ أَبُو غَالِبٍ: وَأَخَذَ بِسَاعِدي، فَقَالَ: «أَنْتَ بِبِلَادِ هَؤُلَاءِ بِهِ كَثِيرٌ؟» ، يَعْنِي: الْعِرَاقَ، قُلْتُ: أَجَلْ قَالَ: «أَعَاذَكَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ» ، قُلْتُ: يَا أَبَا أُمَامَةَ، أَرَأَيْتَ قَوْلَكَ: كِلَابُ النَّارِ، قُلْتَهُ بِرَأْيِكَ أَوْ شَيْئًا سَمِعْتَهُ؟ قَالَ: «سُبْحَانَ اللَّهِ، إِنِّي إِذًا لَجَرِيءٌ، لَا بَلْ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَا مَرَّةً، وَلَا مَرَّتَيْنِ، وَلَا ثَلَاثًا، وَلَا أَرْبَعًا، وَلَا خَمْسًا، وَلَا سِتًّا، وَلَا سَبْعًا» (يريد أنه سمعه أكثرَ من ذلك) [المعجم الأوسط للطبراني:7/335]. وفي رواية أنَّه استبكى، فسأله أبو غالب: يا أبا أمامة، ما يبكيك؟ قال: كانوا على ديننا… ثمَّ ذكر ما هم إليه صائرون.

دعوت قبل عدة أشهرٍ إلى قتال داعش قتالَ البُغاة، ولكنِّي كنتُ قليل العلم قصير النَّظر، وكان غيري أفقهَ وأعلم حينما دعا إلى قتالهم قتال الخوارج، وإلى تطبيق وصيَّة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم  فيهم كما وردت في حديثين صحيحين مشهورين أخرجهما الشَّيخان وأصحاب السنن؛ قوله صلى الله عليه وسلم : «يَأْتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ، حُدَثَاءُ الأَسْنَانِ، سُفَهَاءُ الأَحْلاَمِ، يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ البَرِيَّةِ، يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلاَمِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، لاَ يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ، فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ، فَإِنَّ قَتْلَهُمْ أَجْرٌ لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ» [صحيح البخاري:4/200]، وقوله فيهم: «قَوْمًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَقْتُلُونَ، أَهْلَ الْإِسْلَامِ، وَيَدَعُونَ أَهْلَ الْأَوْثَانِ، يَمْرُقُونَ مِنَ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ» [صحيح مسلم:2/741]. وفي صحيح سنن أبي داود: «هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ، طُوبَى لِمَنْ قَتَلَهُمْ وَقَتَلُوهُ، يَدْعُونَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وَلَيْسُوا مِنْهُ فِي شَيْءٍ، مَنْ قَاتَلَهُمْ كَانَ أَوْلَى بِاللَّهِ مِنْهُمْ» [سنن أبي داود:4/243].

قال النَّوويُّ في شرحه على صحيح مسلم: قوله صلى الله عليه وسلم: "أحداث الأسنان سفهاء الأحلام" معناه صغار الأسنان صغار العقول، وقوله: "يقولون من خير قول البرية" معناه أنَّه خيرٌ في الظَّاهر، كقولهم "لا حكم إلَّا لله" ونظائره من دعائهم إلى كتاب الله تعالى (قلت: وهو يشبه دعوى الدواعش بتطبيق الشريعة وإقامة دولة الإسلام)، قال النَّوويُّ: "وقوله صلى الله عليه وسلم: "فإذا لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرًا": هذا تصريحٌ بوجوب قتال الخوارج والبغاة، وهو إجماع العلماء". [شرح النووي على صحيح مسلم:7/170].

كيف نقاتل الدَّواعش جملةً وفيهم الصَّالحون الصَّادقون المخدوعون

بقيت مسألةٌ يتوقف عندها بعض المجاهدين؛ يقولون: كيف نقاتل الدَّواعش جملةً وفيهم الصَّالحون الصَّادقون المخدوعون؟ 

إنَّنا يمكن أن نقاتل القادة والأمنيين المعروفين بالخبث والفساد والإجرام، ويمكن أن نقاتل المقاتلين الذين اقتنعوا بمزاعم قادتهم فكفَّرونا وقاتلونا قتالَ الكفَّار المرتدين، ولكن ماذا نصنع بالذين يُساقون إلى قتالنا وهم يَحسبون أنَّهم يقاتلون العدوَّ النُّصيري أو حالش أو قوات الحماية الكردية المتحالفة مع النِّظام؟ هؤلاء كيف نقاتلهم وهم مخدوعون مضلَّلون؟ كيف نقاتلهم وفيهم المصلُّون الصَّائمون العابدون؟

هذا سؤالٌ كفتنا مؤونتَه اثنتان من أمَّهات المؤمنين وسمعنا جوابَه من الصَّادق المصدوق عليه الصَّلاة والسَّلام، أخرج البخاري ومسلم عن أمِّ المؤمنين زينب بنت جحش أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها فَزِعًا يقول: "ويلٌ للعرب من شرٍّ قد اقترب، فُتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه "(وحلَّق بإصبعه الإبهام والتي تليها) قالت: فقلت: أنهلك وفينا الصَّالحون؟ قال: "نعم، إذا كَثُرَ الخبث" [صحيح البخاري:4/138 و صحيح مسلم:4/2207]، وأخرج البخاري عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يغزو جيشٌ الكعبةَ فإذا كانوا ببيداء من الأرض يُخسف بأولهم وآخرهم". قالت: قلت: يا رسول الله، كيف يُخسَف بأولهم وآخرهم وفيهم أسواقهم ومَن ليس منهم؟ قال: "يُخسَف بأولهم وآخرهم ويبعثون على نياتهم"[صحيح البخاري: 3/65].

فنحن مأمورون بقتال البُغاة ولو كانوا مؤمنين، يقاتَلون على بغيهم حتى ينتهي بغيهم، ونحن مأمورون بقتال الخوارج الذين كفَّروا المسلمين واستباحوا دماءهم، نقاتلهم على ما هم عليه من إخلاصٍ وشجاعةٍ وعلى ما يَظهر فيهم من مبالغة في الطَّاعة والعبادة، حتى وصَفَهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنهم: "يحسنون القول ويسيئون الفعل، يحقِر أحدُكم صلاتَه مع صلاته وصيامه مع صيامه"، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتالهم وبقتلهم وهم قرَّاء حَفَظة مصلّون صائمون، فمَن صرفه عن قتال الدَّواعش ما يراه من عبادتهم وشجاعتهم لم يفقَهْ حديثَ رسول الله ولا يستحق ولاية الله، لأنَّه يُتلى عليه حديثُ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن قاتلهم كان أَولى بالله منهم" ثم يردّه ويأباه!

ثمَّ إنَّ شبهة ترك قتال المخدوعين لأنَّهم مخدوعون يمكن أن تعمَّم حتَّى تشمل أعداء الثَّورة جميعًا، فإنَّ في جيش النِّظام مُكرَهين على القتال، ولا بدَّ أن فيه مخدوعين من عوام المسلمين الذين يقال لهم إنَّ المجاهدين مُفسدون مخرِّبون متحالفون مع أعداء الأمَّة من اليهود والصَّليبيين! وكذلك حزب الاتحاد الدِّيمقراطي الكردي الذي يتحالف مع النِّظام ويقاتل المجاهدين، فيه أكراد مسلمون جَهَلة مخدوعون، وقد حدَّثني أحد الإخوة الدُّعاة في الشَّمال أن بعض أسارى الأكراد كانوا يحضرون دروسه الدَّعوية التي ألقاها في بعض الكتائب، ومعرفتهم بالعربيَّة والإسلام معرفة قليلة محدودة ولكن فيهم خيرًا واستعدادًا للتَّعلم والصَّلاح، فلماذا أبحتم قتال أولئك المُكرَهين والمخدوعين وحرّمتم قتال أمثالهم من الدَّواعش؟

هؤلاء جميعًا يحاسَبون يوم القيامة بنيّاتهم وأعمالهم: ?وكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا? [مريم:95]، أمَّا في الدُّنيا فإنَّهم يطبق عليهم قانون الجماعة كما ورد في قوله تبارك وتعالى: ?وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً? [الأنفال:25]، وكما جاء في الحديث الصَّحيح: «إِذَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِقَوْمٍ عَذَابًا، أَصَابَ العَذَابُ مَنْ كَانَ فِيهِمْ، ثُمَّ بُعِثُوا عَلَى أَعْمَالِهِمْ» [صحيح البخاري:9/56].

كلمةٌ أخيرةٌ

كلمةٌ أخيرةٌ للذين يقولون إنَّ الحكمة والمصلحة تقتضيان تأجيل قتال داعش والتركيز على العدوِّ الأكبر، النظام، وإنَّ الاقتتال بين المجاهدين خطيئةٌ يتحمَّل وزرَها كلُّ مَن يشجع عليه ويدعو إليه ويقع فيه، أقول لهم:

آن لكم أن تتحرَّروا من سحر الأسماء والرَّايات والشِّعارات وتدركوا أنَّ داعش ليست أصلًا من جماعات المجاهدين، إنَّما هي عصابةٌ معتديَّةٌ آثمةٌ ليست أقل شرًا وعداوة للسوريين وثورتهم وجهادهم من النِّظام وحالش وسائر الميليشيات الإيرانية الطائفية. 

آن لكم أن تدركوا أنَّ عدم وقف داعش عن العدوان سيقضي على الثَّورة قضاء محتَّمًا، لأنَّها ما تزال تعتدي على الجماعات والكتائب المجاهدة، وكلَّما أكلت كتيبة منها واستولت على سلاحها ازدادت قوَّةً وقدرةً على التهام غيرها من الكتائب، وهكذا فإنَّها تتحوَّل إلى وحشٍ مرعبٍ لا يزال يتمدَّد ويستولي على المناطق المحرَّرة حتَّى يلتهم سوريا كلَّها لا قدَّر الله.

إنَّ فينا مَن لا يبالي بأن تبتلع داعش سوريا ما دامت ترفع رايةٌ سوداء نُقشت عليها عبارة التَّوحيد! أحمد الله أنَّهم قلَّة ليس لها وزن، أمَّا الأكثرون من السُّوريين فقد أيقنوا أنَّ داعش أشدَّ خطرًا على سوريا من النِّظام، فأقسموا أن يحاربوها ويكفُّوا شرَّها ولو اضطروا إلى تقديم قتالها على قتال النِّظام، وقد أنذروا الدواعش أنَّ كلَّ من حمل السِّلاح واصطفَّ مع داعش فهو هدفٌ مشروعٌ، ومن ألقى سلاحه وفارق العصابة فهو في الذمة والأمان.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين