قل لي بم تدعو أقول لك من أنت

 

 أدعية المؤمن تمثل عنوان شخصيته ، وما يطلبه من ربه في مناجاته تدل على الأولويات التي تهمه ويستعين بربه سبحانه على تحقيقها ، فهناك من يحرص على معالي الأمور ، وهناك من يحرص على سفاسفها ولا تتعدى همّته شهوات فانية .

 نحن أمام دعوات للنبي صلى الله عليه وسلم مباركة نحن بأمس الحاجة ، فهي أدعية وبآن واحد تأسيس لمعاني تربوية رائعة ، وكذلك هي مناجاة تحمل في طياتها منهجاً يؤسس لمعالم في إصلاح القلوب ، ويرسخ لمبدأ الثبات على الحق.

 روى أحمد والترمذي والنسائي عن شداد بن أوس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :(اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الْأَمْرِ، وَالْعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشْدِ، وَأَسْأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ، وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ شُكْرَ نِعْمَتِكَ، وَحُسْنَ عِبَادَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ قَلْبَاً سَلِيمَاً، وَلِسَانَاً صَادِقَاً، وَأَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا تَعْلَمُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا تَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا تَعْلَمُ، إِنَّكَ أنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ)، وفي رواية : (يَا شَدَّادُ بْنَ أَوْسٍ ، إِذَا رَأَيْتَ النَّاسَ قَدِ اكْتَنَزُوا الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ فَاكْنِزْ هَؤُلاءِ الْكَلِمَاتِ ) ، وفي رواية (إذا اكتنز الناس الدنانير والدراهم, فاكتنزوا الكلمات)

ومما يدل على أهمية هذه الدعوات الطيبات أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقولها في صلاته

فما أعظمها من كنز إيماني ، وما أروعها من ذخر ورصيد تربوي

أهم الحقائق التي نستفيدها من هذه الدعوات المباركة:

1- الثبات في الأمر:أي الثبات على الدين والطاعة، والاستقامة على الهدى ، والثبات على خير الدنيا, والدين, والآخرة.

2- العزيمة على الرشد: وهي الجد في الأمر, بحيث ينجز كل ما هو رشد من أموره في أمور معاشه وآخرته, والرشد والفلاح, والصواب، فلذلك كانت العزيمة على الرشد مبدأ الخير؛ فإن الإنسان قد يعلم الرشد، وليس له عليه عزيمة، فإذا عزم على فعله أفلح, والعزيمة: هي القصد الجازم المتصل بالفعل و عقد القلب على إمضاء الفعل.

3- أسألك موجبات رحمتك: موجبات- بكسر الجيم-: جمع موجبة، وهي ما أوجبت لقائلها الرحمة،أي: نسألك من الأفعال, والأقوال، والصفات التي تتحصَّل بسببها رحمتك، والتي توجب بها الجنة .

4- وعزائم مغفرتك: أي أسألك أن ترزقنا من الأعمال والأقوال والأفعال التي تعزم، وتتأكد بها مغفرتك.

5- وأسألك شكر نعمتك: أي أسألك التوفيق لشكر نعمك التي لا تُحصى؛ لأن شكر النعمة يوجب مزيدها.

6- وحسن عبادتك: يكون بإتقانها، والإتيان بها على أكمل وجه، ويكون ذلك : بالإخلاص للَّه تعالى فيها، ومتابعة ما جاء في الكتاب الحكيم, وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم الرؤوف الرحيم.

7- وأسألك قلباً سليماً: هو القلب النقي من الذنوب، والعيوب ، الذي ليس فيه شيء من محبة اللَّه، وسلم من الفسوق والمعاصي: كبائرها، وصغائرها، الظاهرة، والباطنة، كالكبر والرياء، والعجب, والغِلِّ, والغش, والحقد, والحسد.

8- ولساناً صادقاً: أي محفوظاً من الكذب, والإخلاف بالوعد

9- وأسألك من خير ما تعلم: هذا سؤال جامع لكل خير ما علمه العبد، وما لم يعلمه، فما من خير إلا وقد دخل فيه؛ لهذا أسنده إلى ربه تعالى العليم, الذي وسع علمه كل شيء

10- وأعوذ بك من شر ما تعلم: وهذه الاستعاذة شاملة من كل الشرور: صغيرها، وكبيرها, الظاهر منها، والباطن, حيث قيد الاستعاذة من الشرور الذي يعلمها سبحانه

11- وأستغفرك لما تعلم: ختم الدعاء بطلب الاستغفار الذي عليه المعوَّل، والمدار؛ فإنه خاتمة الأعمال الصالحة, كما في كثير من العبادات.

12-ْنك أنت علام الغيوب: ثم ختم دعاءه, بأحسن ختام, من صفات اللَّه تعالى العظام باسم من أسمائه المضافة, التي تدل على سعة العلم, فإن (علَّام) صيغة مبالغة لكثرة العلم وشموله, فهذا توسّل جليل, لهذا المقام العظيم, فيه غاية الأدب والتعظيم, للرب الجليل.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين