كتاب

كتاب "عُثْمانْلِي مُؤَلِّفْلَرِي" للمؤرخ التُّرْكِي محمد طاهر بَك البُرُوسَوِي (1925/1343):
كتاب حَفيل فريد في تَراجِم علماء الدولة العثمانية.. وهو من مصادر الزِّرِكْلي في "الأعلام"، استقى منه في نحوٍ من 80 موضعًا، وفاتَه ذكرُه في المصادر، رغم أنه مصدرُه الأول والأساسي في مثل تلك التَّراجِم!
طُبع الكتابُ في إستانبول في ثلاث مجلدات في 1240 صفحة كبيرة، في مدة تسع سنوات؛ بدءًا من سنة 1333 هـ/1915 م حتى صدور الجزء الثالث والأخير سنة 1342 هـ/1924 م. وهو حَصِيلةُ عملٍ دَؤُوبٍ استمَرَّ ما يُقاِرب خمسًا وعشرين سنة. طاف مؤلفه مِن أجلِه المكتبات من بلاد البَلْقان حتى قُونْيَه، وغَرْبَل مكتباتِ إستانبول واحدة تِلْوَ أخرى، واستفاد من المكتبات الخاصة، وراسَل أصحابَ المكتبات في البلاد النائية التي يعسر الوصولُ إليها وقتَها. وبذلك تَواصَل إلى مؤلِّفين ومؤلَّفات لم تُعلم قبله.
وكان قصدُه مِن جمعِه إظهارَ نِتاجِ الأتراك العثمانيين الذي طالَما بقي مجهولًا، والذين كان يُظن بهم ظلمًا وعُدوانًا أو جهلًا وبهتانًا أنهم لا يَدَ لهم في مجالات العلوم والفنون والثقافات المختلفة، غيرَ مهاراتهم العسكرية في ميدان الحرب والقتال.
لقد احتوى الكتاب تراجم 1961 عالمًا وشيخًا وأديبًا خلالَ الستة قرون ونيِّفٍ؛ من تأسيس الدولة العثمانية في أول القرن الرابعَ عشرَ الميلادي حتى نهاية الرُّبْع الأول من القرن العشرين. وهو مصدر خِصْب ثَرِيٌّ في التراجم والمُدَوَّنات العثمانية. رَتب التراجم على تخصص أو مِهْنَة أصحابها: فخَصَّص 288 ترجمة: لأرباب التصوف الذين يُسَمِّيهم: المَشايخ، و465: لمن يَشتغل في علوم اللغة والشَّرْعِيَّات، و510: للأدباء والشعراء؛ ولمن أَلَّف في التاريخ: 237، والطب: 84، والرِّياضِيَّات: و107.
وشرطُه في صاحب الترجمة: أن لا يكون حيًّا حينَ تأليفِ الكتاب أو طبعِه. وليس من شرطه أن يَستوعب جميع المؤلِّفين والمؤلَّفات. والقسم السابع والأخير الذي خُصِّص للجغرافيين ليس من قلمه، وفيه سرد وبيان مُدَوَّنات جوغرافيا بدون تراجمَ مستقِلَّةٍ لأصحابها.
وتَختلف التَّراجِم فيه طُولًا وقِصَرًا حَسَب أهمية وشهرة أصحابها وحَسَب عدد مؤلفاتهم. وكان مهتمًّا بجمع وإحصاء مؤلَّفات صاحب الترجمة أكثرَ من التوسع في ترجمته.. فكان الذي ذَكر من أسماء الكتب فيه يُجاوِز في مجموعه 9000 كتابًا. والْتَزَمَ في كل ترجمةٍ: ذكرَ تاريخِ ومكانِ كلٍّ مِن وِلادة ووفاة المترجَم، ومجالِ اشتغاله الذي هو متخصِّص فيه، ومؤلفاته واحدًا واحدًا.. كما رَتَّب التراجمَ داخلَ الفصول المذكورة أعلاه ترتيبًا ألِفْبائيًّا ولكن على حَسَب تواريخ وَفَيات المترجَمين.
وبسبب عدم معرفة تواريخ وِلادات كثير من المترجَمين كان يَهتم اهتمامًا أوَّلِيًّا بتواريخ وَفَيات المُتَرْجَمين ومواضع دفنهم، ويتفقد شواهد قبورهم حيثما ذهب؛ لتحديد المُدَّة التي عاشوا فيها على وجه الدقة. وبذلك استطاع الحصولَ على معلومات ووثائق أصلية وجديدة.
ومما حَوَى هذا المصنَّف العظيم من غير التَّراجِم: جداولُ وقوائمُ كثيرة في المدوَّنات حول موضوع أو كتاب معيَّن مثل: بعض مجاميع الفتاوى، وشروح القاضي البيضاوي، وشروح مُلْتَقَى الأَبْحُر، وكتب الرِّحْلات... وفي مثل مجالات: التاريخ، والتراجم، والجوغرافيا.
ولما نُشر الكتاب إِبَّانَ الحرب العالمية الأولى أَكسب صاحبَه شهرةً على نطاق واسع في الشرق والغرب، وكان له أَصْداء حميدة واسعة في الأوساط العلمية والثقافية في إستانبول، واسْتُقْبِل هو وصاحبه بترحيب وتقدير حارَّيْن.
وبجانب قيمته العلمية يُؤخَذ على الكتاب أمور مثلُ: عدم منهجيته، وسَطْحِيَّة بعض معلوماته، وعدم استفادة مؤلفه ببعض المصادر كما ينبغي.. وأكثرُ ما عِيبَ عليه: عدمُ ذكره بياناتِ تاريخ ومكان طبع الكتاب الذي يذكره إذا كان مطبوعًا، وأرقامِ حفظ نُسَخِه في المكتبات إذا كان مخطوطًا، كذلك.
ويُلاحَظ عليه أيضًا: عدم تنزيل المُتَرْجَمين في منازلهم اللائقة بهم؛ حيث قد يُدرج المترجَمَ بين أصحاب الطب بسبب تأليف له فيه، رغمَ تخصصه في التاريخ، مثلًا.. وقِدَمُ بعض مَوَادِّه ونُقْصانُها بالنسبة إلى معلوماتنا المتجدِّدَة اليوم، وإن كان لا تثريبَ عليه فيه نظرًا إلى وقته. ويُذكر إضافةً إلى هذا: عدمُ وصول مؤلفه إلى بعض المصادر المهمة، وعدم نقد بعض مصادر الكتاب كما ينبغي، وعدم تَناسُبِ تَراجِمه؛ فبعضها طويل طولًا زائدًا حيث لا مُقتضي، وبعضها مختصر اختصارًا مُخِلًّا، كذلك، بجانب الإِطار التخطيطي الضَّيِّق للتَّراجِم.
وعلى بعض عِلَّاتِه وقِدَمِ مادته ونقصانِها: ما زال الكتاب مصدرًا علميًّا أصيلًا هامًّا لا يُستغنى عنه، يُمَهِّدُ السبيل أمام الباحثين في التراث العلمي العثماني، ويَعكِس الحياة العلمية والفكرية والأدبية للعثمانيين مِن خلال هذه المادة الغَنِيَّة التي جمعها في التراجم والمدَوَّنات.
والكتاب تَقوم بترجمته حاليًّا إلى اللغة العربية: أكاديمية تركيا للعلوم (TÜBA) في أنقره، وتتم الترجمة عن النسخة المُصَحَّحَة على يد الأستاذ الدكتور محمد علي يَكْتا سراج رئيس معهد التعليم العالي حاليًّا.. وقُرِّرت ترجمته إلى الإنكليزية أيضًا.

  

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين