كلمة رئيس رابطة العلماء السوريين العالم الرباني الشيخ ممدوح جنيد في لقائه بأعضاء الرابطة في المدينة المنورة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:

ضيوفنا الكرام أصحاب الفضيلة العلماء والمشايخ والحاضرين جميعا، الأخوة منسوبي رابطة العلماء السوريين، مسؤولين وأعضاء ومتعاونين.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

 قُدمت على أني رئيس للرابطة، ورئاستها مهمة إدارية وليست درجة علمية، فرئيس الرابطة شيء ورئيس العلماء شيء آخر، وإنني اليوم لست خطيباً ولا محاضراً، ولن أراهن على تمكني من ارتجال كلمتي بين أيديكم، بل كتبتها وعلى خلاف العادة، لتكون كلماتها محسوبة، ورسائلها واضحة وشفافة.

رابطة العلماء السوريين، واحدة من أسرة روابط العلماء في سورية الإباء والشموخ، وقلعة العلم والعلماء، تعددت هذه الروابط، رابطةُ العلماء السوريين لم تكن الثورة المباركة في سورية سبب وجودها، بل هي موجودة قبلها بسنوات، لذلك فإن عملها لا ينتهي بزوال الظلم والظالمين، الذين كمموا أفواه العلماء، وأدخلوهم السجون خلال ستين عاما، بل إن عملها سيتضاعف وبإذنه تعالى, عند زوال الظلمة تعليما وإرشادا، وتوجيها وتفقيها في الدين.

هذه الرابطة، التي جعلت شعارها قوله تعالى (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً) (الأحزاب : 39 ) 

كان عمل الرابطة قبل الثورة على الأراضي المضيفة، وأبشركم بأنها اليوم تعمل على ثرى الوطن الغالي، أتم الله تحريره، وفي مساجده الطاهرة، صانها الله من أيدي الذين كفروا وصدوا عن سبيله، تقيم الدورات للدعاة والقضاة, وينتسب لحلقات العلم فيها وحلقات القرآن الكريم الآلاف من الطلاب والطالبات، تعمل توجيها وإرشادا، كما تعمل إعانة وإغاثة، تنصر المظلومين، وتداوي الجراح، وتكفكف الدموع، وتشحذ همم الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص، وتؤيد كل جهد يخلّص سورية والسوريين من ظلم وكفر أكابر مجرميها، وتجاهد بكافة أنواع الجهاد حتى يعود الحق إلى نصابه، ويتمكن أهله في الأرض وينعموا بموعوده سبحانه: (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) (الحج : 41 )

أيها الاخوة:

قلوبنا واثقة بنصر الله، مطمئنة بأن دولة الظلم في شامنا العزيز لابد زائلة، ومستبشرة بالمعنويات العالية والهمم السامية التي تحلى بها شعبنا السوري، رغم أبشع الجرائم التي ترتكب في حقه، وعلى مدار الساعة. وكم هي فخورة بنُبْل الحاضنة الاجتماعية المدنية، التي حنت وعطفت على كل حر أبيٍّ يجاهد في سبيل الله لينتزع الحق إلى أصحابه.

وهنا لا بد أن أدعو الله سبحانه بأن يتقبل الله شهداءنا وما أكثرهم وأن يمن على جرحانا بالشفاء، وعلى أيتامنا بالإيواء، عواطفنا مع كل ثكلى وفاقد وأيم، مساعداتنا لكل عائل ومحتاج، في حدود (لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا) (البقرة : 286 ).

ونحن في رابطة العلماء السوريين، نشكر كل من يساعدنا مادة ومعنى، على تحقيق النصر، وخصوصا العلماء الذين يشحذون الهمم، للتعاون مع مظلومينا ومهجرينا ومنكوبينا، وندعو السوريين في الخارج، إلى أن يستمروا في البذل والعطاء، وأن يعلموا (بأن الله لا يمل حتى تملوا ).

رابطتكم مدرسة بعيدة عن الغلو والتطرف، والإفراط والتفريط، تقول نعم للتكبير, وألف لا للتكفير, تؤمن بالحوار سبيلا وحيدا للعمل مع الإسلامي الآخر.

دستورها: (قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (يوسف : 108 ).

أسلوب دعوتها: (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (النحل : 125 )

ومن المهم جدا أن أَذْكر وأُذكِّر, إن رابطتنا ليست حزبا سياسيا ولا ذراعا لحزب سياسي، كما أنها ليست حزبا دينيا ولا ذراعا لحزب ديني، تنأى بنفسها عن التجاذبات السلبية، لتدخل أعضاءها في جاذبية ( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء )

ومن المفترض أن يعلم أعضاؤها أن العالم وطالب العلم يجب أن لا يكون محسوباً على أي فصيل، ذلك لأن العالم للأمة كلها، وليس لشريحة معينة، وأعضاء رابطتكم لا يدعون أنهم أفذاذ في العلم، وإنما هم طلبة علم.

يريدون أن ينعموا بآثار دعوة ( وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً) يترفعون عن القيل والقال ليربحوا وعده سبحانه ( يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ).

 

رابطتنا واحدة من أسرة الروابط التكاملية، شعارها التعاون فيما بينها وليس التصادم، لكل رابطة تخصص في ناحية تتفيؤ ظلال قوله تعالى (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى ).

 

وهنا أبشركم بأن روابط العلماء في طريقها - وقريبا بإذنه سبحانه - إلى أن تستظل بمظلة واحدة، متعاونة على تحقيق الرؤى والأهداف والتصورات،  بعد أن عملت مع بعضها على مستوى التنسيق، الأمر الذي طالبتم به كثيرا في الداخل والخارج.

أحبتي ما أحوجنا الى ردم الهوة التي حصلت بين العلماء والعامة بمقولة إن العلماء لم يواكبوا ثورتهم، هذه الهوة التي ساهمنا بتوسيعها، ولنعلم أن غاية عدونا الإيقاع بين الأمة وعلمائها، حتى يبقى رأس الأمة بعيدا عن جسدها.

أشكركم وأسأل الله عز وجل أن يجزي خير الجزاء إخواننا الدكتور الشيخ محمد فاروق البطل والدكتور محمد ياسر المسدي والشيخ رسلان المصري على كل جهد يبذلونه في سبيل الله تعالى تقوية لهذه الرابطة وأعمالها.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين