كيف نفهم الزلازل وعموم أشكال الكوارث والبلاء ؟

اللبنة الأولى (1)

كيف نفهم الزلازل وعموم أشكال الكوارث والبلاء ؟

أحمد إدريس الطعان

 

نفهم الزلازل والكوارث والشر والآلام والفظائع إذا فهمنا حقيقة العلاقة بين الله عز  جل وبين الإنسان ، ما هو جوهر هذه العلاقة وأساسها؟

إنها علاقة قائمة على العبودية، فالرب رب، والعبد عبد، وهناك فارق بين المخلوق والخالق.

إذا كان الأمر كذلك فليس من حق العبد أن يسأل يارب لماذا فعلتَ ذلك ؟ ليس من حق العبد الاعتراض ؟

لأنه عبد عليه أن ينفذ الأوامر بالسمع والطاعة والرضا ، وليس من حقه أن يتمرد . قد يسأل سائل : لماذا ؟

والجواب لأنه عبد، شاء ام أبى، عبد اختيارا فإن أبى فاضطرارا .

تأملوا في حال إبليس حين عصى أمر الله عز وجل بالسجود لآدم ، قال : أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ، فإبليس تمرد على عبوديته ورفض الانصياع لجوهر العلاقة مع الله عز وجل وهي العبودية فكان نصيبه الطرد واللعن .

فالله عز وجل: ﴿ لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون ﴾ .

والله  عز وجل يقول : ﴿ وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ﴾ .

فالعبودية أساس العلاقة مع الله عز وجل .

فالعبد ليس من حقه أن يعترض على سيده، ويسأله لماذا فعلت ذلك ؟

طبعا نتكلم عن العبودية الحقيقية، وليس العبودية المجازية، فعبودية الإنسان للإنسان عبودية مجازية مؤقتة ناقصة، لأنه لا يحق له أن يعترض على سيده حين يكون سيده عالما مطلقا قويا مطلقا كاملا مطلقا وهذا لا يوجد بين الناس فيما بينهم ، بل يوجد بين الله والناس، فلأن الله عالم قادر مريد قيوم حي مطلقا فليس من حق العبد أن يعترض، ولذلك كان مصير إبليس الطرد واللعن لأنه تمرد على عبوديته لله عز وجل وهو يعلم عظمة الله وقدرته وجبروته. 

لذلك نجد القرآن الكريم يحذر الإنسان من التكبر على الله، لأنه انقلاب على جوهر العلاقة مع الله جل وعلا، وتمرد على حقيقة العلاقة مع الله تجعل الإنسان يلتحق بإبليس فيكون من جنده وحزبه .

تأملوا في هذه الآية المخيفة: ﴿ سَأَصۡرِفُ عَنۡ ءَايَٰتِيَ ٱلَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّ وَإِن يَرَوۡاْ كُلَّ ءَايَةٖ لَّا يُؤۡمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوۡاْ سَبِيلَ ٱلرُّشۡدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلٗا وَإِن يَرَوۡاْ سَبِيلَ ٱلۡغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلٗاۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَا وَكَانُواْ عَنۡهَا غَٰفِلِينَ ﴾ [ الأعراف: 146]

فالمتكبر على الله عز وجل يتمرد على هويته الحقيقية التي طبعه الله عز وجل عليها وهي العبودية، ولذلك هو على خطر الإضلال والصرف عن الهداية. 

هو يريد أن ينافس الباري في ألوهيته، يريد أن يعترض ويناقش ويجادل الباري ندا لند، والله عز وجل يقول في الحديث القدسي « العظمة إزاري والكبرياء ردائي فمن نازعني فيهما عذبته أو قصمته » .

قد يقول هذا الإنسان المتكبر على الله : لكني لست عبدا، ولا أريد أن أكون عبدا كما قال نيتشه : لو كان هناك إله فكيف أطيق أن لا أكون إلها .

فيُقال لهذا المسكين : أنت تنطق بالعبودية في كل ذرة  من كينونتك المادية والروحية، وقد ألبسك الله ثياب العبيد وطبعك بطابع العبيد، وبصمك ببصمة العبيد، فلا يفيدك أن تلبس ألبسة الزور والكبر، أنت أيها الإنسان عبد في جهلك، وضعفك، ومرضك،  ونومك، وجوعك،  وعطشك،  وموتك عبد في بكائك، وضحكك، ورضاك وسخطك، عبد في رحم أمك، ورضاعتك،  وطفولتك ، وشبابك وكهولتك، وهرمك... الإنسان الذي ينكر عبوديته لله عز وجل كالقزم الذي يصر أن يلبس لباس المردة الطوال، وهو يصر على أنها اللباس المناسب له.

ولذلك نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم في حال النوازل يوجه إلى الصلاة والاستغفار والدعاء  كما قال عند الكسوف: «فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله ودعائه واستغفاره».

وكما كان صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة .

إنه الفزع إلى الهوية الحقيقية، إلى العبودية، هذا هو الملجأ والمنجى والمأوى والملاذ الآمن تأمل في في قوله تعالى: ﴿ وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير ﴾ .

إقامة الصلاة، إيتاء الزكاة، الاعتصام بالله يجعلك تتبوأ مقام الولاية مع الله عز وجل، وهو مقام العبودية الحقيقية.

 

قال العلامة زكريا الأنصاري رحمه الله :

" ويستحب لكل أحد أن يتضرع بالدعاء ونحوه عند الزلازل ونحوها من الصواعق والريح الشديدة ، وأن يصلي في بيته منفردا لئلا يكون غافلا، لأنه صلى الله عليه وسلم كان إذا عصفت الريح قال: « اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به ، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به » رواه مسلم.

ويستحب التضرع بهذا الدعاء الذي تتجلى فيه هوية العبد أمام عظمة الخالق سبحانه وتعالى: « اللهم إنك أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، نحن عبيدك بنو عبيدك، نَواصينا بيدك، ماضٍ فينا حكمك، عدل فينا قضاؤك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك ».

وسيد الاستغفار مطلوب في حال المصائب والكوارث وفيه ينصهر الإنسان بمحض العبودية عنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رضي اللَّه عنْهُ عن النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قالَ: « سيِّدُ الاسْتِغْفار أَنْ يقُول الْعبْدُ : اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي، لا إِلَه إِلاَّ أَنْتَ خَلَقْتَني وأَنَا عَبْدُكَ، وأَنَا على عهْدِكَ ووعْدِكَ ما اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ ما صنَعْتُ، أَبوءُ لَكَ بِنِعْمتِكَ علَيَ، وأَبُوءُ بذَنْبي فَاغْفِرْ لي، فَإِنَّهُ لا يغْفِرُ الذُّنُوبِ إِلاَّ أَنْتَ » رواه البخاري . هذه هي اللبنة الأولى في فهم الزلازل والكوارث وعموم أشكال البلاء والابتلاء في الحياة الدنيا.

فما دمتُ عبدا لله عز وجل، وأنا مسربلٌ بالجهل والضعف والفقر وكل مظاهر العبودية فكيف لي أن أعترض على العليم الحكيم القادر الجبار القيوم وأقول لماذا يارب ؟

لا يليق بالعبد الحقيقي أن يقول للسيد الحقيقي لماذا ؟

لأن السيد الحقيقي (( الله )) كل أفعاله حكمة، ورحمة، وعدل، ولا يعني جهلي بها أنها ليست كذلك، كما لا يعني ذلك أنني لا أبحث عن أوجه الحكمة ومعانيها وآثارها بل أبحث وأنا موقن بأن وراء افعاله سبحانه كل الحكمة والعلم والرحمة والقدرة .

وإلى اللبنة الثانية

أحمد إدريس الطعان

17 رجب 1444 هجري

8 / 2/ 2023 م

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين