لطيفة قرآنية تفصح عن بلاغة تدهشُ أولي الألباب?

 

 

قد تقرأ الآية القرآنية فتمر بها مرور الكرام دون ان تتنبه لمعانيها، ودون أن تتعمق بمدلولاتها البلاغية، وعندما يغوص بك عالم نحرير فيكشف لك لآلئ مخبوءة في أصدافها، ويعرضها لك لتتزين بها على جيد عقلك ، ولتكون جوهرة على نحر تفكيرك، فعندها تسكر طرباً في روعة بلاغتها، وتصبح نشوان في انبهار تنتشي لذة فصاحتها ، وروعة أساليبها.

والآن لنعيش لحظات نتروح عبير آيتين كريمتين يرشدنا الى ما فيهما أسد من أسود اللغة العربية،وفارس عملاق : إنه العلامة عبد القاهر الجرجاني رحمه الله سطر ذلك في كتابه الماتع : (دلائل الإعجاز )، مع تصرف قليل.

?- قال الحق سبحانه : (وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً)

أ- حيث شبه الشيب في البياض والإنارة بشواظ النار وشرره اللامع.

ب- وأسند الاشتعال إلى الرأس الذي هو مكان الشيب مبالغة، للدلالة على كثرة انتشاره في الشعر وفشوه فيه ، وأخذه منه كل مأخذ باشتعالها، ليفيد الشمول والشيوع بحيث لم يبق من السواد شيء.

ج- أما إذا قلت : "اشتعل الشيب في الرأس" فإن المعنى هو ظهور الشيب في الرأس، ولكنه لا يفيد انه مشتمل لكل الرأس بل فقط بعض أجزائه.

د- وهذا مثل قولك: (اشتعل البيت نارا) فالمعنى أن النار منتشرة تعم أرجاء البيت ، أما قولك "اشتعلت النار في البيت" فمعناه وقوعها فيه وإصابتها لجانب من البيت لا أكثر من ذلك .

?- ونظير هذا في التنزيل قوله عز وجل: " وفجرنا الأرض عيوناً" التفجير للعيون في المعنى، وأوقع على الأرض في اللفظ، وقد أفاد الشمول والإحاطة، وذلك أنه قد أفاد أن الأرض قد كانت صارت عيوناً كلها، وأن الماء قد كان يفور من كل مكان منها. ولو أجري اللفظ على ظاهره فقيل: "وفجرنا عيون الأرض" لكان المفهوم منه : أن الماء قد كان فار من عيون متفرقة في الأرض، وتبجس من أماكن محدود منها فقط ، ولكن المراد غير هذا.

فسبحان الله القائل : ( كتاب فصلت آياته ثم أحكمت من لدن حكيم خبير ).

 

 

وأضاف الأستاذ شيث الكيالي حول هذه الآية 

 

ان هذه الآية فيها أيضًا اعجاز علمي وليس فقط جمال بلاغي, كنت قد قرأته منذ فتره, ومفاد ذلك هنا:

الإشتعال : هو ظاهرة كيميائية تحدث نتيجة تفاعل كيميائي ( اكسدة ) يتم باتحاد مادة قابلة للاحتراق مع الاوكسجين في درجة حرارة معينة ويصحب ذلك ظهور اللهب .

 

كما أن الاشتعال يمكن أن يحدث نتيجة تفاعل بعض المواد مع عوامل مؤكسدة أخرى ( الهالوجينات - حمض الاّزوت والنترات - البرمنغنات -

الكلورات - الكرومات وثاني الكرومات - البيروكسيدات اللاعضوية - المؤكسدات العضوية .... ).

 

في العام 2009 أثبت مجموعة من العلماء الألمان في جامعة(Johannes Gutenberg)أن السبب الرئيسي لحدوث عملية الشيب في الشعر(greying)هو ارتفاع كمية ال(hydrogen peroxide)وهي (مادة مؤكسدة )في جسم الانسان نتيجة انخفاض قدرة مضادات الأكسدة الطبيعية (dismutase,glutathione perixidase,catalase)على التخلص منها وتحويلها الى عنصر الهيدروجين والماء.

 

و بالتالي تبدأ هذة المادة بالتجمع حول بصيلات الشعر وبالذات حول المناطق المختصة بانتاج صبغة الميلانين(dermal papillae),و يقوم حينها الهيدروجين بيروكسيد ب(أكسدة)(oxidation)الميثيونين (المادة الرئيسية والأولية التي تحتاجها الخلايا الصبغية لبدء عملية انتاج وتصنيع صبغة الميلانين والتي تعطي الشعر لونه الأسود أو البني أو الأحمر حسب اختلاف تراكيزها في بصيلة الشعر,,,

 

وحين أكسدة هذة المادة أي اشتعالها لا يعود الشعر قادرا على الاحتفاظ بلونه ويبدأ الاكتساء باللون البيض (الشيب)..

 

كم كان كلام القران الكريم دقيقا باستخدام فعل (اشتعل) للدلالة على حدوث الشيب المترافق مع التقدم في العمر قبل 14 قرنا من تكشف هذة الحقيقة للعلماء...سبحان الله العليم و له الحمد .

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين