ما نراه في مشهد سحل الطيّارالروسي من منظور شرعي

 

تباينت مواقف الناس من مشهد السحل الذي طال أحد المجرمين من الطيارين الروس، الذي أسقطت مروحيته في تل السلطان بريف إدلب اليوم الاثنين، فما بين مؤيّد ومعارض، رأيت ثمّة ما يستدعي التسطير معذرة إلى ربنا، ولعلّ العرض يتناول المسألة بتجرّد موضوعي.

 

أهم قضية أود التركيز عليها أن شرع الله حاكم علينا جميعا، (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم)، فالشرع حاكم لا ردود الأفعال، ولا مباراة العدوّ المجرم بشناعاته وفجوره، وما أجازه الله عدلا أو إحسانا نأخذ به ولا نتردّد، وما حرّمه نتركه وندعو لتركه، حتى ولو كان به هوى نفوسنا.

 

والشرع مداره على الرحمة والعدل، ولكنه قد يقيّد سلوك الرحمة في حالات لحكمة خفيّة، ورحمة أوسع. ففي حالات بعض الحدود جاء الأمر القرآني: (ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله)، وفي حالة الجهاد (جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم).. 

وهكذا قد يبدو الحديث عن الرحمة في مقامات الغلظة أنسنة مقزّزة، وهذا من أسرار عدم افتتاح سورة التوبة بالبسملة التي تتضمّن حقيقة أنه سبحانه الرحمن والرحيم.

وحين نقول أن مقام الغلظة مع الأعداء المحاربين، والمجرمين الذين يعثو في الأرض فسادا، يقتضي إبداء شراسة تردع ظلمهم وإفسادهم وتوحشهم وفجورهم، وعدم فصل ما يقع عليهم من عقوبات زاجرة، بواقع ما يفعلونه وهم لا يرقبون في مؤمن إلّا ولا ذمّة! غير أننا ندرك أن المعاملة بالمثل ليست مطلقة في الشرع، (لنا أعمالنا ولكم أعمالكم، سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين)، (لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا حجة بيننا وبينكم)، فكم من قبيح يفعلونه في إجرامهم وعدوانهم لا يأذن الله بأن نمارسه معهم، ولو من باب المعاقبة بالمثل، ولعلكم تذكرون قصة عقبة الجهني حين ارسل لأبي بكر رضي الله عنه في المدينة برأس يناق البطريق من مصر بعد فتحها، فأنكر عليه ذلك، فقال له: إنهم يفعلون ذلك في معاركهم، فغضب من قوله، وقال: أفاستنانٌ بفارس والروم؟!

 

ومع وضوح هذه التميّز الإسلامي، غير أن الواقعية تقتضي فهم أن سلوك المجاهدين في الميدان تحكمه دوافع كثيرة، وقد لا يُتنبأ ببعض تصرفاتهم، بغض النظر عن موقفنا منها، ولا يغيب عنّا مشهد بلال مع عدوّ الله أمية بن خلف، يوم أسره عبدالرحمن في بدر، وأمّنه، وجرّه معه ليفتديه، فلما أبصره بلال هجم عليه وصرخ: عدو الله أمية بن خلف، لا نجوت إن نجا، لم يطق رضي الله عنه أن يرى عدوّه حيّا، بل وسيأخذ أمانه ليحيا أطول، ويطغى أكثر، وحاول عبدالرحمن أن يذبّ عن أسيره، فاستعان بلال بأنصار الله في بدر، فقطّعوا أمية إربا... هذا سلوك من حيث التنظير غير مناسب بعد أسر الرجل، ولكنه من حيث الدوافع وتقديرا لمعاناة بلال المريرة مع هذا المجرم في بطحاء مكة سنين عددا لم يتطلّب ذلك القدر من الأنسنة الشاعرية في التعامل مع هذا النغل وأمثاله.

 

بعض من عرض عليه المشهد ظنّ أن مناقشات العالم الافتراضي لأنها لا تصل المجاهدين والثوار، قلت له: إنّ الحديث اليوم  أن الثوار مفصولون عن الواقع الافتراضي لا يخلو من مبالغة! كل هؤلاء الذين كانوا يشاركون بالسحل كانوا يسلّطون كاميرات جوالاتهم الذكية لنقل المشهد عبر وسائل التواصل، وكان مشهدهم مدعاة لتندّر أحد الظرفاء بأنها كانت صورة ثورية من صور البحث عن البوكيمون في سورية الحرّة.

وعليه فهي دعوة للتأثير على هؤلاء بما نستطيع، لأن إخواننا هؤلاء سيتأثرون بتشجيع الناس أو إنكارهم ويتفاعلون، وهذا واجبنا الشرعي والأخلاقي في تجلية ما نفقهه من شرع الله...

 

أيا ما كان موقفنا من سلوك السحل مع هؤلاء الغزاة المجرمين، ومع تفهّمنا لدواعيه لدى هؤلاء المظلومين، لكن المؤكّد أن التصوير يسيئ لواقع الثورة،  فلم يكن من الحكمة تصوير العملية وبث الصور، لأن هناك من يتربّص بالثورة، وعدم التصوير كان أولى من منطلق سياسة شرعية في تحقيق مصلحة الثورة والوطن...

أما فرحنا بمصرع أعداء الله، وشماتتنا بسقوطهم، وسجودنا لله شكرا، فنرجو أنه أثر من آثار الإيمان، وما يتعلّق به من ولاء وحب في الله وبغض في الله، والحمد لله ربّ العالمين...

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين