معا نتدبر القرآن (6) سورة المائدة الوفاء بالعقود

سورة المائدة سورة مدنية، ومن السبع الطوال في القرآن، وسمّيت بسورة المائدة لورود قصة المائدة فيها، والذي نختاره من بين الآراء أن مقصد السورة العام هو: ((الوفاء بالعقود)) حتى سميت بسورة العقود، فكل آيات السورة وموضوعاتها ومقاصدها تدور حول هذا المقصد، فقد تحدثت السورة عن الوفاء بالعقود في بدايتها، وبينت بعض أحكام الحلال والحرام، وذكرت الأمم السابقة لعقودهم، ونقض العهد مع عيسى عليه الصلاة والسلام بعد إنزال المائدة، وغير ذلك من الآيات التي تدور حول هذا المقصد.

فقد تحدثت السورة عن موضوعات عدة نذكر منها:

• وجوب الالتزام بالعقود العامة وأن ذلك من صفات المؤمنين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ... ﴿١﴾}

• وقال بعد أن ذكر حفظ شعائر الله والمحرمات من المطاعم والمشارب، وتحليل طعام أهل الكتاب، والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من أهل الكتاب، كجزء من أحكام التعامل الاجتماعي بالحسنى معهم، وأحكام الوضوء والتيمم: {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُوا اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴿٧﴾}

• وحفظ الشهادات والعدل مع الناس: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّـهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ...َ ﴿٨﴾}

• واليهود الذين نقضوا عهد الله: {فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ... ﴿١٣﴾}.

• والنصارى الذين نقضوا عهد الله: {وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ... ﴿١٤﴾}.

• وعصيان بني إسرائيل في دخول الأرض المقدسة: {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّـهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ ﴿٢١﴾}.

• وكيف تركوا حكم الله تعالى: {وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّـهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَـئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ ﴿٤٣﴾}.

• ووجوب التزام المؤمنين بعقد القرآن وتطبيق ما فيه: {وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّـهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّـهُ إِلَيْكَ ... ﴿٤٩﴾} 

• والمنافقين الذين نقضوا العهد: {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ ... ﴿٥٢﴾}.

• وعاقبة الوفاء بالعقود: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ ﴿٦٥﴾} 

• ووفاء النصارى الصادقين حين سمعوا الحق: {وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ﴿٨٣﴾}.

• وقال بعد ذكر حكم الأكل من الطيبات، وحفظ الأيمان، وتحريم الخمر والميسر: {وَأَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ﴿٩٢﴾}

• والتمسك بعقد الدين ولو لوحدك: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّـهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿١٠٥﴾}

• ونقض بني إسرائيل لعقدهم حين طلبوا إنزال مائدة من السماء ليؤمنوا:{ إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّـهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴿١١٢﴾}. 

وكل هذه الموضوعات تدور حول مقصد واحد وهو الوفاء بالعقود.

والخلاصة، فإن السورة تعلمنا وتريد منا:

أن نوفي بعقودنا مع الله ورسوله في الإقرار بالتوحيد، وطاعة أحكامه في الحلال والحرام، وأن نحذر من أن نكون كالسابقين في نقضهم العهود، وتعنتهم بعد أن رأوا الآيات والمعجزات أمام أعينهم، فلنقرا سورة المائدة على نية معرفة العقود وكيف يكون الوفاء بها ...

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين