معركة المؤمن مع الشيطان

 

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : « إنّ المؤمن لينضي شيطانه ، كما ينضي أحدكم بعيره في سفره » . رواه الإمام أحمد وابن أبي الدنيا ، وفي سنده ضعف .

 وقال في شرح الجامع الصغير : ( لينضي شيطانه ) أي يهزله ويجعله نضواً ، أي مهزولاً ، لكثرة إذلاله له وجعله أسيراً تحت قهره وتصرّفه ، ومن أعزّ سلطان الله أعزه الله ، وسلطه على عدوه ، وحكم عكسه عكس حكمه . 

فظهر أن المؤمن لا يزال ينضي شيطانه (كما ينضي أحدكم بعيره في السفر ) ، لأنّه إذا عرض لقلبه احترز عنه بمعرفة ربّه ، وإذا اعترض لنفسه وهي شهواته احترز بذكر الله ، فهو أبداً ينضوه، فالبعير يتجشّم في سفره أثقال حمولته ، فيصير نضواً لذلك ، وشيطان المؤمن يتجشّم أثقال غيظه منه لما يراه من الطاعة ، والوفاء لله ، فوقف منه بمزجر الكلب ناحية . 

وأشار بتعبيره بينضي دون يهلك ونحوه إلى أنه لا يتخلّص أحد من الشيطان ما دام حيّاً ، فإنّه لا يزال يجاهد القلب ، وينازعه والعبد لا يزال يجاهده مجاهدة لا آخر لها إلّا الموت ، لكنّ المؤمن الكامل يقوى عليه ، ولا ينقاد له ، ومع ذلك لا يستغني قطّ عن الجهاد والمدافعة ما دام الدم يجري في بدنه ، فإنّه ما دام حيّاً فأبواب الشياطين مفتوحة إلى قلبه ، لا تنغلق ، وهي الشهوة والغضب ، والحدة والطمع والثروة وغيرها ، ومهما كان الباب مفتوحاً والعدو غير غافل لم يدفع إلّا بالحراسة والمجاهدة. 

قال رجل للحسن : يا أبا سعيد أينام إبليس فتبتسم وقال لو نام لوجدنا راحة ، فلا خلاص للمؤمن منه ، لكنه بسبيل من دفعه وتضعيف قوته ، وذلك على قدر قوة إيمانه ومقدار إيقانه ، قال قيس بن الحجاج : قال لي شيطان : دخلت فيك وأنا مثل الجزور ، وأنا الآن كالعصفور ، قلت ولم ذا ؟ قال أذبتني بكتاب الله . 

 وأهل التقوى لا يتعذّر عليهم سدّ أبواب الشياطين ، وحفظها بحراسة ، أعني الأبواب الظاهرة والطرق الخلية ، التي تفضي إلي المعاصي الظاهرة ، وإنما يتعثرون في طرقه الغامضة . وكلّ بحسب صدقه وتقواه ، يأتيه العون من مولاه .

[ ينضي أحدكم بعيره ] أي : يهزله ويجعله نضواً ، والنضو : الدابّة التي أهزلتها الأسفار ، وأذهبت لحمها . النهاية (5/72) .

 

 قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى معلّقاً على الحديث : « لأنّه كلّما اعترضه صبّ عليه سياط الذكر والتوجه والاستغفار والطاعة ، [فشيطانه معه في عذاب شديد] ، ليس بمنزلة شيطان الفاجر الذي هو معه في راحة ودعة ، ولهذا يكون قويّاً عاتياً شديداً ، فمن لم يعذّب شيطانه في هذه الدار بذكر الله تعالى وتوحيده واستغفاره وطاعته ، عذّبه شيطانه في الآخرة بعذاب النار ، فلا بدّ لكلّ أحد أن يعذّب شيطانه ، أو يعذّبه شيطانه » . [بدائع الفوائد (2/793)] .

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين