معنى العلم وأقسامه

 

 

قال الإمام الراغب في "مفردات القرآن": «العلم: إدراك الشيء بحقيقته، وذلك ضربان:

أحدهما: إدراك ذات الشيء (وهو الذي يسمِّيه علماء المنطق: التصور).

والثاني: الحكم على الشيء بوجود شيء هو موجود له، أو نفي شيء هو منفيٌ عنه (وهو الذي يسميه المناطقة: التصديق، فهذا يعني إدراك النسبة، وذلك إدراك المفرد).

قال: فالأول: هو المتعدّي إلى مفعول واحد، نحو: [لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ] {الأنفال:60}.

والثاني: المتعدي إلى مفعولين، نحو قوله: [فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ] {الممتحنة:10}.

كما قسم الراغب العلم من وجه آخر إلى ضربين: نظريّ وعمليّ.

 

فالنظريّ: ما لا يتطلب شيئاً أكثر من العلم به، فإذا علم فقد كمل، مثل العلم بموجودات العالم.

 

والعملي: ما لا يتم إلا بأن يعمل به، كالعلم بالعبادات والأخلاقيات ونحوها.

 

قال: ومن وجه آخر، ضربان: «عقلي، وسمعي»[1].

 

ويعني بالعقلي: ما كان طريقه العقل والنظر، وبالسمعي: ما كان طريقه الوحي والنبوة.

 

وقال بعض أهل اللغة: العلم والمعرفة والشعور كلها بمعنى واحد.

 

قال الزَّبيدي في " تاج العروس": «والأكثر من المحققين يفرقون بين الكل. والعلم عندهم أعلى الأوصاف، لأنه الذي أجازوا إطلاقه على الله تعالى، ولم يقولو: «عارف» – في الأصح- ولا «شاعر». والفروق مذكورة في مصنفات أهل الاشتقاق.

 

قال: ووقع خلاف طويل الذيل في "العلم". حتى قال جماعة: أنه لا يُحدّ

(أي: لا يُعرَّف) لظهوره وكونه من الضروريات. وقيل: لصعوبته وعسره. وقيل: غير ذلك، مما أورده بما له وما عليه الإمام أبو الحسن اليوسي[2] في «قانون العلوم"، وأشار في «الدرر المصون»[3] إلى أنه إنما يتعدى بالباء، لأنه يراعى فيه أحياناً معنى الإحاطة.. قاله شيخنا[4].

 

وقال المناوي في «التوقيف»: العلم هو الاعتقاد الجازم الثابت المطابق للواقع.. أو هو: صفة توجب تمييزاً لا يحتمل النقيض.. أو هو: حصول صورة الشيء في العقل.

 

وفي «البصائر»[5]: المعرفة إدراك الشيء بتفكر وتدبر لأثره، وهي أخص من العلم، والفرق بينهما وبين العلم من وجوه لفظاً ومعنى.

 

أما اللفظ ففعل المعرفة يقع على مفعول واحد، وفعل العلم يقتضي مفعولين، وإذا وقع على مفعول كان بمعنى المعرفة.

 

وأما من جهة المعنى فمن وجوه:

 

أحدها: أن المعرفة تتعلق بذات الشيء، والعلم يتعلق بأحواله.

 

والثاني: أن المعرفة –في الغالب- تكون لما غاب عن القلب بعد إدراكه، فإذا أدركه قيل: عرفه، بخلاف العلم، فالمعرفة تشبه الذكر النفسي، وهو حضور ما كان غائباً عن الذكر، ولهذا كان ضدها: الإنكار (ومنه: ?فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ? (سورة يوسف آية:58)، ?يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الكَافِرُونَ? سورة النحل آية?83? وضد العلم: الجهل.

 

والثالث: أن المعرفة علم لعين الشيء مفصلاً عما سواه، بخلاف العلم، فإنه قد يتعلق بالشيء مجملاً.

 

قال: وبينهما فروق أخرى غير ما ذكرنا"[6].

وقال الراغب في «المفردات": «المعرفة والعرفان: إدراك الشيء بتفكر وتدبر لأثره، وهو أخص من العلم، ويضاده الإنكار، ويقال: فلان يعرف الله، ولا يقال: يعلم الله –متعدياً إلى مفعول واحد- لما كان معرفة البشر لله هي بتدبّر آثاره دون إدراك ذاته. ويقال: الله يعلم كذا، ولا يقال: يعرف كذا، لمَّا كانت المعرفة تُستعمل في العلم القاصر المتوصَّل به بتفكر. وأصله من عرفت «الشيء» أي: أصبت عرفه. أي: رائحته. أو من: أصبت عرفه. أي خده. يقال: عرفت كذا. [فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا] {البقرة:89}  ،  [فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ] {يوسف:58} ، [فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ] {محمد:30} ، [يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ] {البقرة:146}.

 

قال: «والعارف في تعارف قوم (أي في اصطلاحهم) هو المختص بمعرفة الله، ومعرفة ملكوته، وحُسن معاملته تعالى»[7].

 

وأيًّا كان حدّ «العلم» وتعريفه واختلاف المتخصصين في ذلك، وفي تحديد الفرق بينه وبين المعرفة، فالذي يعنينا منه هنا هو المعنى العام الذي ذكره الإمام الراغب، وهو: إدراك الشيء بحقيقته، فكل إدراك وكشف وتبيُّن للمجهول من أيِّ نوع وفي أيِّ مجال، حتى تتضح حقيقته بالقدر الممكن للإنسان، فهو داخل في معنى «العلم» الذي يتحدَّث عنه القرآن.

 

[1] )- انظر: " مفردات القرآن" ص 580 .

[2] -

[3] - الدر المصون (2/642).

[4] - أي أبوحيان  في " البحر المحيط "وهو شيخ السمين الحلبي  صاحب " الدر المصون"

[5] )- بصائر ذوي التمييز للفيروز أبادي  4: 47-51

[6] ) تاج العروس ، للزبيدي ، مادة علم 8: 405.

[7] ) – المفردات في غريب القرآن صـ 560- 561.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين