ملف إيران النووي والحشد الغربي الدولي ضدها - عوامل الشلل التي تمنع الأمة من الإنطلاق

ملف إيران النووي، والحشد الغربي الدولي ضدها

لقد عانى المسلمون تاريخياً من شرخ حاد بسبب الخلاف المذهبي بين السنة والشيعة، ولكنني أزعم أن الاحتقان الموجود الآن لم يسبق قط ، وكان الصراع يعمل على المحور السياسي ثم العلمي والفقهي، وقد تتفاقم الأمور فتتسرب إلى العامة فتحصل اشتباكات واعتداءات لا تلبث أن تنطفئ ويعود الناس إلى حياة طبيعية فطرية، ويتجاورون ويتزوجون من بعضهم ويتبايعون رغم كل الخلافات، لأن الحامل الشرعي الفطري ثم الاجتماعي الذي يضمهم يبقى مهما حصل أكثر زخماً من التفعيل السياسي أو السجال العلمي أو التناوش والصدام العملي، الذي قد يحصل في أماكن تبقى محدودة ولا تنتقل لتصبح فتنة عارمة.

لماذا لم ينتبه أحد إلى أن إذكاء الفتنة الطائفية يتجه إلى مستويات مخيفة بسبب الحقن من كل الأطراف، ولماذا لم ننتبه إلى أن الأسباب التي نختلف عليها كانت موجودة ولكن ساحتها لم تكن أبداً بالاتساع والحجم الذي تحتله اليوم!

بل إن مافي بطون الكتب من الصراعات المذهبية شيء مذهل حقيقة، ولكنه بقي في الكتب، وقد يطل برأسه في صراعات محدودة ولكنها لا تغير لون كافة المجتمعات.

الموجود اليوم هو تجييش سياسي ماكر، وليس فقط عداءً عقدياً أو مذهبياً فالعقيدة والمذهب والطائفة موجودة كلها سابقاً ولم تؤد إلى ما نحن فيه.

ابحث عن النخر الداخلي الذي جعل الدول الكبرى قادرة على ضخ الفتنة في مجتمعاتنا، وابحث عن السبب في أن التهيئة لعمل عسكري ضد إيران صار الحديث عنه عادياً، وقد يحصل، ولكن الأخطر هو موقف الدول الإسلامية المتخاذل، وأكثر منه خطراً الموقف النفسي للحركات الإسلامية! والتي قد تعطي انطباعاً للساحة الشعبية بعدم أهمية الأمر وأنه لا يخصنا!

إن الحسرة السنية بسبب الغزو الشيعي المدعوم من الدولة الإيرانية ليس سبباً كافياً للصمت حيال احتمال الاعتداء على إيران، ولنفترض أننا نختلف عن الشيعة في العقيدة خمسين بالمائة وفي الفقه عشرين بالمائة (مجرد افتراض) فإن اختلافنا مع الغرب الحاقد في العقيدة تسعين بالمائة ...

إن امتلاك إيران للقوة النووية لا يؤذي أي سني، لكنه رادع مرعب للقوى المتكالبة على العالم الإسلامي، والعدوان على إيران زيادة في الهيمنة على المنطقة والتكالب على ثرواتها وتعميق لغزو ثقافي واجتماعي يزداد تجذراً في العالم الإسلامي.

بصراحة من المنطقي والشرعي أن نرفض أي مس بإيران ونعتبر ذلك عدواناً على الأمة المسلمة كلها.

هذا الرفض إنما هو للعدوان، ولكن هناك مسألة أخطر قد لا ننتبه لها، وهي أن السلاح النووي كله إنما هو لعنة على البشرية، وأعتقد من الناحية الشرعية أنه لا يدخل فيما أمرنا بإعداده من القوة، فإن التوحش وإفناء البشر ليس من مقاصد الشريعة بل من مصادماتها.وما امتلكته الدول الإسلامية حتى الآن من سلاح وعتاد وجيوش لم يُجد نقيراً ولا قطميراً في وجه الغزاة، ويظهر أن أغلب الأنظمة العربية والإسلامية لم تكن صادقةً يوماً في صدها للغزاة والمحتلين وإنما كانت خنجراً في ظهر شعوبها ومتاجرة بالشعارات وهي تنظر بدم بارد إلى الشعوب تذبح بين أيدي المحتلين، من يقاوم الاحتلال دائماً هم أبناء الأمة الضعفاء والمهمشين والمصادرين ، وخصوصاً الإسلاميين الذين لا يستطيعون بيع مبادئهم وتبقى بلادهم وأهلوهم عزيزين عليهم فيفدونهم بأرواحهم وهم الذين لم يلقوا منهم إلا الأذى والمشانق والسجون والتنكيل.  

ومسألة أخرى: إن من الخطأ الجسيم للأمة المسلمة أن تحاول مجاراة عدوها فيما هو من خصائصه من الهمجية والتوحش، بل عليها تعميق خصائصها الإنسانية وتفعيل دورها الحضاري كرائد في عالم القوى اليوم.

يجب أن ندرك أن مازلنا نملكه من خصائص لا يزال يشكل فتنة وسحراً لعالم اليوم وللمجتمعات البشرية التي يزيد تخبط أنظمتها، وأن ما نحن فيه من عطالة، وما يسيطر على بلاد المسلمين من غرق في التاريخ وخضوع للأنظمة المتخلفة السياسية والدينية ومفرزاتها الاجتماعية هو أكبر الصادات وعوامل الشلل التي تمنع الأمة من الانطلاق.

يجب أن نعطي اللحظة الحاضرة حقها فنرفض العدوان على أي بلد مسلم، بل أي بلد مظلوم، ويجب أن نعطي المستقبل حقه فلا نجري في المنظومات التي تستهلكنا ولا نظن أن امتلاك السلاح النووي هو مفتاح القوة ... هذه الدولة الباغية (إسرائيل) يقال أنها تمتلك أكثر من مائة قنبلة ذرية! ولكنها لا تستطيع أن تستخدمها عندما يكون السلاح هو الحجر! والجنود هم الناس ... هي فقط تستطيع ردع الأنظمة!

يكفي أن ينظر البشر إلى ما استهلكته الحروب المعاصرة من الأموال وأفنته من البشر وحملته من الرعب والدمار والفتن ليعلم أن تكديس السلاح من أعظم الذنوب، وكلما غرقت الأمة في الجهل أنفقت على السلاح، ونست التعليم والصحة والمعرفة والبحث والتطوير، والاستقرار النفسي والاجتماعي، ولا ينبئك مثل بلاد العرب المتخلفة عن أمثال ذلك.

من مقال: الذين يتوبون ويذكرون

للأستاذ : أحمد معاذ الخطيب.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين