أسئلة بيانية (37) من أسرار قوله تعالى: {وأُتْبِعوا في هذه الدنيا لعنة}

قال تعالى في سورة هود في قصة عاد: ﴿وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [هود: 60].

وقال في سورة هود أيضاً في قوم فرعون: ﴿وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ﴾ [هود: 99].

سؤال:

لماذا قال في عاد: ﴿وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً﴾ [هود: 60]، فذكر (الدنيا)، وقال في قوم فرعون:﴿وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً﴾ [هود: 99]، ولم يذكر الدنيا، مع أن المقصود بالإشارة هي الدنيا؟

الجواب:

1 إن قصة عاد في السورة أطول من قصة موسى وفرعون، فقصة عاد إحدى عشرة آية تبدأ من الآية الخمسين إلى الآية الستين، وأما قصة موسى فهي أربع آيات من الآية السادسة والتسعين إلى الآية التاسعة والتسعين.

فناسب ذكر (الدنيا) مقام الإطالة والتبسط في قصة عاد، وناسب عدم ذكرها والاكتفاء بالإشارة إليها في مقام الإيجاز.

2 ذكر في قصة عاد أموراً تتعلق بالدنيا منها أنه قال فيها:﴿وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ﴾ [هود: 52]، فقد ذكر في هذه الآية أمرين مهمين من أمور الدنيا:.

أحدهما: سعة الرزق، وبه تقوم الحياة، وهو قوله:﴿يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا﴾ [نوح: 11].

والآخر: زيادة القوم، وبه استمرار الحياة الكريمة، وهو قوله: ﴿وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ﴾ [هود: 52]، ولم يذكر أمراً يتعلق بالدنيا في قصة موسى.

فناسب ذكر الدنيا والإشارة إليها في قصة عاد، وعدم ذكرها والاكتفاء بالإشارة إليها في قصة موسى من هذه الجهة أيضاً.

3 أشار إلى العذاب الذي أحاط بعاد ونجاة هود ومَن آمن معه في الدنيا فقال:﴿وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ﴾ [هود: 58].

ولم يُشر إلى عذاب أو عقوبة أحاطت بفرعون وملئه في الدنيا، فناسب من جهة أخرى ذكر (الدنيا) والإشارة إليها في قصة عاد، والاكتفاء بالإشارة إليها في قصة موسى.

4 ذكر العذاب الذي سيصيب فرعون وقومه يوم القيامة، فقال:﴿يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ﴾ [هود: 98]، ولم يذكر شيئاً عن عذاب سيصيب عاداً يوم القيامة.

فناسب من جهة أخرى ذكر الدنيا في قصة عاد، وعدم ذكرها والاكتفاء بالإشارة إليها في قصة فرعون.

ويحسن أن نذكر من جهة أخرى أنه اختلف التعقيب بعد كل قصة بما يناسب المقام، فقد قال تعقيباً على قصة عاد:﴿وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [هود: 60]، وقال تعقيباً على قصة فرعون: ﴿يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ * وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ﴾ [هود: 98-99]، فلم يزد على قوله: ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾، في قصة عاد لأنه لم يذكر فيها أمراً يتعلق بيوم القيامة.

وقال في قصة فرعون بعد ذكر العذاب: ﴿بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ﴾، فكان كل تعبير أنسب بالموضع الذي ورد فيه.

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين