من أقنعكم؟

من أشد ما يؤلمني هي تلك الشكوى التي يطلقها الذين اعطوا كل او جُلً ما يملكون من مال لأناس لم يتحروا عنهم بما فيه الكفاية من اجل استثمارها لتضيع هذه الأموال وليظهر أن من اعطيت له هذه الاموال جاهل بالسوق او نصاب بارع لم تسأل عنه.

ويؤلمني أكثر حين يكون هذا المال لعجوز أو لأرملة او لمسكين او ليتيم او لوقف لمصلحة عامة للمسلمين.

ويؤلمني أكثر وأكثر حين لا تكون هذه العقود موثقة في مستندات قانونية.!!

من أقنعكم ان كل متدين يصلح للاستثمار والتجارة لتعطوه كل ما تملكون بهذه البساطة؟

ومن أقنعكم أن كل من تكلم عن المال بلباقة وركب أغلى السيارات وجلس في أفخم المكاتب مؤهل لأن تعطيه المال هكذا دون سؤال ولا تحر؟

ومن أقنعكم أن كل متحدث عن المال على مواقع التواصل هو متحدث أمين وليس نصابا يريد المزيد من المشاهدات او مدفوعا من جهة تريد الترويج لشيء؟

من غرائب البعض أنه قد يزعج بائعاً متجولاً مسكيناً ليبيعه بسعر أقل وهو يشتري منه بمبلغ زهيد جداً لا يكاد يذكر لكنه يسارع ليعطي المبالغ الضخمة لأناس لم يستوثق منهم وإنما أغروه بربح وفير ليعطيهم كل ما عنده أو معظمه راجياً الحصول على تلك الأرباح والأدهى من ذلك أن تكون هذه الأموال ليست له وإنما لغيره!

قد يبرر البعض ذلك أن فلاناً الفلاني الصالح التقي قد زكّاه! وهل تقبل تزكية كل صالح تقي في تزكية آخر يشتغل في السوق؟

بل قد يحتاج المزكي نفسه إلى تزكية في قضية المال فقد لا يكون مناسباً لإدارة المال واستثماره!

وقد يبرر البعض ذلك بعد وقوع الكارثة ان الشخص رجل متدين

لا يغش وهذا قد يكون صحيحا لكن من قال لك إن مثل هذا لن يضيع مالك؟ فلا علاقة ولا ترابط بين تدين الشخص وبين كونه بارعا في الاستثمار والتجارة .

لقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل لسيدنا أبي ذر وهو من السابقين للإسلام: «يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنِّي أَرَاكَ ضَعِيفًا، وَإِنِّي أُحِبُّ لَكَ مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي، لاَ تَأَمَّرَنَّ عَلَى اثْنَينِ، وَلاَ تَوَلَّيَنَّ مَالَ يَتِيمٍ». فهو ضعيف لا يقوى على إدارة المال وإن كان صحابيا جليلا.

كما إن رجلاً ذكر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه يخدع في البيوع ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا بايعت فقل لا خلابة فكان الرجل إذا بايع ، قال : لا خلابة "

ومعنى لا خلابة اي لا خديعة.

وهذا الرجل صحابي جليل أيضاً.

وقد كان خطاب توثيق الدين للذين آمنوا" يا ايها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه". فقد ينزع الايمان منه وقد يَسرق وقد ينسى وقد يموت وقد وقد.

تطور هذا الامر الآن ليقع الناس في أفخاخ نصابي العملات الرقمية ومشاهير التيك توك ومواقع التواصل الذي لا يعرف معنى البورصة مثلا هل هي نوع من السيارات أو أكلة من الأكلات

ليتكلم في أعمق النظريات الاقتصادية بكل ثقة من اجل المشاهدات! ثم ليوصي المتابعين بشراء العقارات وعمل الاستثمارات وتحويل الأموال والعملات ليسارع الناس لفعل ما يقول بحذافيره!

يقول سبحانه:" إن خير من استأجرت القوي الأمين" فلا بد من اجتماع الأمانة والكفاءة

ويقول سبحانه: "فاسألوا اهل الذكر إن كنتم لا تعلمون" واهل الذكر هنا علماء كل تخصص ومجال والكفاءة لا يشهد بها لأحد إلا اهل التخصص فكما لا تسأل طبيا عن تاجر فلا تسال تاحرا عن طبيب وإنما تسأل الطبيب الثقة عن طبيب آخر وتسأل التاجر الثقة عن تاجر آخر وهكذا.

ملاحظة:

أنا هنا لا أتكلم عن التاجر والمستثمر الأمين صاحب الكفاءة _ في حال ثبوت ذلك له _ فهنا تكون الخسارة قدرية _ في حال ثبوت أنها قدرية أيضاً _ وليس بخيانة ولا تقصير ولا نقص كفاءة.

حفظ الله أموالكم وبارك لكم فيها.

جميع المواد المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين