من روائع البيان في سور القرآن (172)

مختارات من كتاب من روائع البيان في سور القرآن (الحلقة 172)

مثنى محمد هبيان

 

﴿وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشرِي نَفسَهُ ٱبتِغَآءَ مَرضَاتِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ رَءُوفُۢ بِٱلعِبَادِ﴾ [البقرة: 207]

السؤال الأول:

ما الفرق بين الرضوان والمرضات؟

الجواب:

1ـ الرضوان: مصدر وهو الرضى، بل الرضوانُ هو أعظمُ الرضى وأكبره فخُصّ بالله سبحانه وتعالى. ولم تستعمل في القرآن كلمة الرضوان إلا بمعنى الرضى من الله تعالى فقط. وقد وردت كلمة الرضوان في القرآن الكريم 13مرة.

2ـ أمّا كلمة: مرضات، فتأتي من الله ومن غيره، فهي ليست مختصة بالله تعالى، وإنما تأتي لله تعالى ولغيره. وقد وردت في القرآن الكريم خمس مرات، منها أربع مرات مع لفظ الجلالة في الآيات: [البقرة 207ـ البقرة 265ـ النساء 114ـ الممتحنة 1] ومرة واحدة مع أزواج النبي في آية التحريم 1.

شواهد قرآنية:

 ـ ﴿وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشرِي نَفۡسَهُ ٱبتِغَآءَ مَرضَاتِ ٱللَّهِۚ﴾ [البقرة:207].

 ـ ﴿تَبتَغِي مَرضَاتَ أَزوَٰجِكَۚ﴾ [التحريم:1].  

 3ـ والرضوان أعلى من الجنة، وفي الأثر: (إنكم لتحتاجون إلى علمائكم في الجنة كما تحتاجون إليهم في الدنيا، فقالوا: كيف يا رسول الله؟ قال: يطُلّ الله تعالى على عباده أصحاب الجنة، فيقول: سلوني، فيحارون ماذا يسألونه وكل شيء موجود، فينظر بعضهم إلى بعض فيذهبون إلى علمائهم يقولون ما نسأل ربنا؟ فيقول العلماء: سلوه الرضا).

4ـ الفعل : ( يشري ) أي يبيع . ويدخل تحت هذه الآية كلُ مشقة يتحملها الإنسان في طلب الدين.

 

السؤال الثاني:

عادة في القرآن الكريم يجمع بين الصفتين: الرأفة والرحمة، فيقول: ﴿رَءُوفٞ رَّحِيمٞ﴾ فهل أفردت الرأفة عن الرحمة في القرآن؟

الجواب:

1ـ الرأفةُ خاصة: وهي دفع المكروه وإزالة الضرر، وأمّا الرحمة فعامة، كما قال تعالى: ﴿وَمَآ أَرسَلنَٰكَ إِلَّا رَحمَةٗ لِّلعَٰلَمِينَ﴾ [الأنبياء:107].

2ـ أفردت الرأفة عن الرحمة في القرآن كله في موطنين لا غير:[ آية البقرة 207،  وآية آل عمران 30 ] وقال فيهما: ﴿وَٱللَّهُ رَءُوفُۢ بِٱلعِبَادِ﴾ .

 قال تعالى:

ـ ﴿وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشرِي نَفسَهُ ٱبتِغَآءَ مَرضَاتِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ رَءُوفُۢ بِٱلعِبَادِ﴾ [البقرة:207] .

ـ ﴿يَومَ تَجِدُ كُلُّ نَفسٖ مَّا عَمِلَتۡ مِنۡ خَيرٖ مُّحضَرا وَمَا عَمِلَتۡ مِن سُوٓءٖ تَوَدُّ لَوۡ أَنَّ بَينَهَا وَبَينَهُۥٓ أَمَدَا بَعِيداۗ وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفسَهُۥۗ وَٱللَّهُ رَءُوفُۢ بِٱلعِبَادِ﴾ [آل عمران:30] .

 3ـ ما قال تعالى فيهما: ( رؤوف رحيم )  فلماذا؟ لو لاحظنا السياق الذي وردت فيه الآيتان يتضح الأمر.

آـ في سورة البقرة قال تعالى: ﴿وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُعجِبُكَ قَولُهُۥ فِي ٱلحَيَوٰةِ ٱلدُّنيَا وَيُشهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلبِهِۦ وَهُوَ أَلَدُّ ٱلخِصَامِ ٢٠٤ وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي ٱلأَرضِ لِيُفسِدَ فِيهَا وَيُهلِكَ ٱلحَرثَ وَٱلنَّسلَۚ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلفَسَادَ ٢٠٥ وَإِذَا قِيلَ لَهُ ٱتَّقِ ٱللَّهَ أَخَذَتهُ ٱلعِزَّةُ بِٱلإِثمِۚ فَحَسبُهُۥ جَهَنَّمُۖ وَلَبِئسَ ٱلمِهَادُ ٢٠٦ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشرِي نَفسَهُ ٱبتِغَآءَ مَرضَاتِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ رَءُوفُۢ بِٱلعِبَادِ﴾ [البقرة: 204-207] فالسياق لا يحتمل رحمة؛ لأنه عندما يقول: ﴿فَحَسبُهُۥ جَهَنَّمُۖ﴾ كيف يناسب الرحمة؟ لا يناسب ذكر الرحمة.

ب ـ وكذلك الأمر في سياق آية آل عمران 60، يتكلم فيها عن النفس التي عملت في حياتها سوءاً مع التحذير من ذلك، فلا يناسب ذلك ذكر الرحمة لهؤلاء.

والله أعلم.

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين