﴿ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ
الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا
إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ
الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ
وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ
فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [البقرة: 275]
السؤال الأول:
لِمَ قال تعالى: ﴿ يَأْكُلُونَ الرِّبَا ﴾ ولم يقل: يأخذون الربا مع أنّ الأكل يختص بالطعام لا بالمال؟
الجواب:
نعم، الأكل في حقيقته هو ابتلاع الطعام، ولكن ربنا عبّر عن أخذ الربا بالأكل ليبين لنا حرص المرابي على أخذ المال بِشَرَهٍ.
السؤال الثاني:
ما دلالة كتابة كلمة﴿ٱلرِّبَوٰاْ﴾
بهذا الشكل في القرآن ؟
الجواب:
كلمة﴿ٱلرِّبَوٰاْ﴾ وردت على هذا الشكل في القرآن الكريم (7) مرات بزيادة حرف ( الواو ) ، بينما وردت كلمة﴿ رِّبٗا ﴾
مرة واحدة في القرآن كله في آية الروم 39 .
وتوحي رسم كلمة بهذا الشكل لتلفت النظر إلى خطورة التعامل بالربا في معاملات الناس ، وأنّ الله حرم الربا ، وأنه يمحق الربا ويربي الصدقات .
والله أعلم .
السؤال الثالث:
ما دلالات هذه الآية ؟
الجواب:
1ـ جاء حكم الربا بعد حكم الصدقات لأنّ بين الربا وبين الصدقة مناسبة من جهة التضاد ، فالصدقة ظاهرها تنقيصٌ للمال بسبب أمر الله بذلك ، والربا طلب زيادة على المال مع نهي الله عنه ، فكانا متضادين .
2 ـ الربا في اللغة الزيادة ، وأربى الرجلُ إذا عامل في الربا ، والربا قسمان : ربا نسيئة ( آجل ) ، وربا فضل ، وهو زيادة أحد العوضين في البيع مع المماثلة بينهما ، والفضل : الزيادة.
3 ـ ﴿ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ ﴾ أي الذين يتعاملون به ، وخصّ الأكل لأنه معظم الأمر .
4 ـ ﴿ لَا يَقُومُونَ ﴾ المراد به يوم القيامة ، ويبدأ عند القيام من القبر .
5 ـ ﴿ يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ﴾ التخبط معناه الضرب على غير استواء ، ويقال عن الرجل الذي يتصرف في أمر ولا يهتدي فيه : يخبط خبط عشواء ، وتخبّطه الشيطان إذا مسّه بخبل أو جنون . والمس : الجنون .
وقوله تعالى : ﴿ لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ
الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ﴾ فكأن الشيطان قد مس التكوين الإنساني مساً أفسد
استقامة ملكاته، فالتكوين الإنساني له استقامة ملكات مع بعضها البعض؛ فكل حركة لها
استقامة، فإذا ما مسّه الشيطان فسد تآزر الملكات، فملكاته النفسية تكون غير
مستقيمة وغير منسجمة مع بعضها البعض، فتكون حركته غير رتيبة وغير منطقية، وإنْ
قيل: وما المناسبة بين هذه الصورة وبين عملية الربا؟ الجواب : ساعة ترى واحداً
مصروعاً فاعرف أنه من أصحاب الربا، هذا في الآخرة، وفي الدنيا تجد أيضاً أنّ له
حركة غير منطقية، هستيرية.
6 ـ نزل تحريم الربا على ثلاث مراحل :
آ ـ ذم الربا وبغضه وعدم المباركة فيه في قوله تعالى : ﴿ وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ
فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ
زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ ﴾ [الروم:
39] .
ب ـ التحريم للربا الفاحش كحالة جزئية مرحلية ، وذلك في قوله تعالى: ﴿ أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا
تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ
تُفْلِحُونَ ﴾ [آل
عمران: 130] .
ج ـ التحريم القاطع النهائي ، في قوله تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا
اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [البقرة:
278].
7 ـ مما جاء في أسباب تحريم الربا :
آ ـ أنه يقتضي أخذ مال الآخرين بغير عوض .
ب ـ يمنع الناس من الاشتغال بالتجارة ونحوها .
ج ـ يسبب انقطاع المعروف بين الناس كالقرض الحسن والصدقة والتكافل .
د ـ دمار الاقتصاد وتضخم الأسعار على الناس وأثره السلبي على الفقراء خاصة
.
هـ ـ تحريم الله له بالنص الثابت القاطع وإنْ خفي علينا وجه الحكمة .
8 ـ التشبيه التمثيلي في قوله تعالى : ﴿
الَّذِينَ يَأْكُلُونَ
الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ
مِنَ الْمَسِّ ﴾ وهو تشبيه آكلي الربا عند خروجهم من أجداثهم
بمن أصابه مسٌّ فاختل طبعه ، وانتكس حاله .
9 ـ التشبيه المقلوب في قولهم : ﴿ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا ﴾ وهم يريدون القول أنّ الربا مثل
البيع ليصلوا إلى غرضهم بتحليل ما حرّمه الله ، فعكسوا الكلام للمبالغة .كما قال
البحتري في وصف بِركة ماء بناها المتوكل :
كأنها حين لجّت في تدفقها
*** يدُ الخليفة لمّا سَالَ واديها
والأصل تشبيه يد الخليفة بالبِرْكة ، فقلب الكلام للمبالغة .
وقوله تعالى: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا ﴾ . فإن قلتَ: كيف قالوا ذلكَ، مع أنّ مقصودهم تشبيه الربا بالبيع المتَّفق
على حِلِّه؟ قلتُ: جاء ذلكَ على طريق المبالغة، لأنه أبلغُ من اعتقادهم أنّ الربا
حلالٌ كالبيع، كالتشبيه في قولهم: القمرُ وجهُ زيدٍ، والبحرُ ككفِه، إذا أرادوا
المبالغة. أو أنَّ مقصدهم أنَّ البيع والربا يتماثلان من جميع الوجوه، فساغ قياسُ
البيع على الربا كعكسه.
10 ـ الربا من الموبقات السبع ، كما جاء في الصحيحين وغيرهما .
11 ـ قوله تعالى : ﴿ فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ
وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ
فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ أي من بلغه نهي الله ولم ينته فقد قامت عليه الحجة ، واستحق العقوبة ، وإنْ تاب ورجع إلى الله قبل التحريم فلا إثم عليه ، ومن عاد إلى استحلال الربا فأولئك أصحاب النار . والله أعلم.
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول