﴿ يَمْحَقُ
اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ
أَثِيمٍ ﴾ [البقرة: 276]
السؤال الأول:
لِمَ خصَّ ربنا الكافر بعدم المحبة دون المرابي؟
الجواب:
1ـ تأمل هذا السر البديع في خاتمة الآية، فقد ختمها بقوله: ﴿ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ ﴾ مع أنّ بداية الآية توحي أنّ ختامها: والله لا يحب كل مرابٍ أثيم، فلِمَ خصّ ربنا الكافر بعدم المحبة دون المرابي؟
إنّ الإخبار بأن الله تعالى لا يحب جميع الكافرين يؤذن ويشعر بأنّ الربا شعار أهل الكفر وهو سمة من سماتهم فهم الذين استباحوه، وفي هذا تعريض بأنّ المرابي مُتَّسمٌ بخلال أهل الكفر والشرك وإنْ كان مؤمناً.
2ـ آية البقرة 276 نزلت في ثقيف وقريش لمّا أصرّوا على الربا وعارضوا حكم الله بقولهم: ﴿ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا ﴾ [البقرة:275] فهم كفار شرعاً آثمون بتعاطي الربا والإصرار عليه، ولذلك ناسب ختم الآية بقوله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ ﴾ [البقرة:276].
السؤال الثاني:
ما فائدة العدول عن قوله (يبغض) إلى قوله: ﴿لَا يُحِبُّ﴾ [البقرة:276]
مع أنه لا يلزم من نفي المحبة البغض ؟
الجواب:
البغض صفة مكروهة للنفوس فلم يحسن نسبته إلى الله لفظاً، وحال العبد مع الله إمّا في طاعة أو عدمها، فإذا انتفت محبته لنفي طاعته تعين ضدها فعبّر بما هو أحسن لفظاً.
وخصّ ربنا الكافر بعدم المحبة دون المرابي
مع أنّ بداية الآية توحي أنّ ختامها : والله لا يحب كلَّ مرابٍ ( مرابي )
أثيم، فالإخبار بأنّ الله تعالى لا يحب جميع الكافرين يؤذن ويشعر بأنّ الربا شعار
أهل الكفر، وهو سمة من سماتهم فهم الذين استباحوه. وفي هذا تعريض بأنّ المرابي
متّسمٌ بخلال أهل الكفر والشرك وإنْ كان مؤمناً.
السؤال الثالث:
ما أهم الوقفات في هذه الآية ؟
الجواب:
1ـ قول الحق: ﴿
يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ﴾ هو قولٌ معجزٌ وقضية خطيرة، فالله هو الذي يمحق فلا تستهن بنسبة الفعل لله، وانظر إلى المرابين كيف انتهت حياتهم، وانظر إلى الدول المرابية كيف تصاب بالمصائب تلو المصائب ، والمحق : نقصان الشيء حالاً بعد حال ، ومنه : المحاق في الهلال.
2ـ قال: ﴿ كَفَّارٍ ﴾ ولم يقل: (كافر)، وقال: ﴿ أَثِيمٍ ﴾
وليس (آثم)؛ لأنّ الذي يريد أنْ يرد حكم تحريم الربا على الله قد كفر كُفرَين: أحدهما لأنه لم يعترف بهذه، والكفر الآخر لأنه ردّ الحكم على الله، وهو (أثيم) بصيغة المبالغة؛ لنستدل على أنّ القضية قضية كبيرة عند الله تعالى.
3 ـ محق الربا وإرباء الصدقات يحتمل في الدنيا ، ويحتمل في الآخرة .
4 ـ ﴿ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ ﴾ أثيم صفة لـ ( كفار )، والأثيم فعيل بمعنى فاعل ، أي آثم ، وهو يدل على المبالغة في الاستمرار في اكتساب الآثام والتمادي فيها .
5 ـ قوله تعالى : ﴿
يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا
وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ﴾ معادلة عجيبة في تحول زيادة مال الربا إلى
نقصان ، و تحول نقصان مال الصدقة إلى زيادة ؛ لتعلقهما بما يحبه الله ويبغضه ،
واعلم أنّ تقارير المؤسسات المالية ، وتوقعات السوق ، وتفاؤلَ الاقتصاديين ،
وتطميناتهم لن تغير هذه الحقيقة الكونية.
6 ـ مستقرٌّ في الأذهان أنَّ الله يمحق الربا ﴿يَمۡحَقُ
ٱللَّهُ ٱلرِّبَوٰاْ﴾ ، فهو كذلك يمحق الكافرين ﴿وَيَمۡحَقَ ٱلۡكَٰفِرِينَ﴾ [آل
عمران: 141] فكيف إذا اجتمع كفر وتعاملٌ بالرِّبا؟! ومن العجيب أنه لم يرد
في القرآن كلِّه لفظة: ﴿وَيَمۡحَقَ﴾
إلا في هذين الموضعين. والله أعلم .
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول