‏من غزَّة إلى الخندق: النَّصرُ آتٍ!

بينما كان الأحزابُ، ومعهم اليهودُ الغادرون يُحاصرون المدينة، كان النَّبيُّ يُبشِّرُ أصحابه بفتح فارس والرُّوم!

كان يُعلِّمنا أنَّ هذا الدّين يُمتحنُ ولكنّه لا يركع، يُكلَمُ ولكنَّه لا يموت، ينزفُ ولكنَّه يخرجُ في كلِّ مرَّةٍ سليماً معافى كأنَّ السّيفَ ما أُعمِلَ فيه! وما أشبه الحربَ على غزَّة اليوم بغزوة الأحزاب في عهد النُّبوَّة، وكما خرجتِ المدينةُ سليمةً ونفضتْ عن ثوبها غُبار الحصارِ والغدرِ هكذا ستخرجُ غزّة بإذن الله.

 

في غزوةِ الأحزابِ

رمتِ العربُ المسلمينَ عن قوسٍ واحدة، جمعوا كيدهم وأتوا صفًّا يُمنُّون أنفسهم بوأدِ الإسلام في مهده!

وها هو العالمُ اليوم قد حشدَ لغزَّة، الأسطول الخامس الأمريكيُّ يجوبُ مياه العرب، وطائرات التجسس البريطانيّة تكنسُ الجوَّ ليلَ نهارٍ ككلاب الأثر، والمقاومة عصيّةٌ عليهم، متدرّعة بخندق سلمان، تطلُّ برأسها بمقدار ما يكفي لإشعال دبابة ثمّ تذوبُ كالملحِ في الماء، ثم تعيدُ الإغارة، وكلما تقدّمَ رتلٌ نهضَ إليه الأبطال نهوضَ عليِّ بن أبي طالبٍ لعمرو بن ودٍّ العامريِّ فجندلوه، وقد كان يحسبُ قبل اليوم أنّه ما من أحدٍ يقدرُ عليه، ولكنها يدُ اللهِ بها نصولُ وبها نجولُ وبها نُقاتل!

صُدمَ المشركون بالخندق، حُفرة مهيبة حُفرتْ بخبرةٍ عسكريّةٍ آتيةٍ من بعيد، كيف يتعاملون مع شيءٍ لم يخبروه، تماماً كما صُدمَ الصّهاينةُ الغزاة بكتائب القسّام في غزّة، شيءٌ فريدٌ لا يعرفُ أحدٌ في هذا العالم كيف يتعاملُ معه، فيه ترتيبُ الجيوشِ النّظاميّة.

 

ألوية وكتائب

وفِرق وعُقدٌ قتالية، استخباراتٌ وسلاحُ مدفعيّة، نُخبةٌ ومُشاة وكتيبة قنص، طائرات مسيّرة وضفادع بشريّة، تُكللُّ كلَّ هذا المجد كتيبةُ الحُفّاظ! ولكنه نهاية المطاف

ليس جيشاً نظامياً!

إنهم يتحرّكون بخفّة، ينسابون كالماء، يخرجون كالعنقاء من بين الرُّكام، لهم تكتيك حرب العصابات ولكنّهم ليسوا فرقة حرب عصابات! كتائب القسّام المُدهشة هي نموذجٌ فريدٌ لا يمكنُ تصنيفه! المقاتلون قبل كتائب القسّام إما جيوشٌ نظاميّة وإما حروب عصابات! ثم الآن صار عندنا ثلاثة أنواع: جيوش نظاميّة، حرب عصابات، وكتائب القسّام!

تماماً كما هو القرآن أدب رفيع معجزٌ في بلاغته، ولكنه ليس نثراً بالمعنى الأكاديميّ للنثر، وليس شعراً! فالنصوص بعد نزول القرآن ثلاثة: نثر، وشعرٌ، وقرآن!

في غزوة الخندقِ لم يكتفِ اليهودُ بالفُرجة، وهم مكوّن أساسيّ من أهل المدينة، وبينهم وبين النّبيِّ اتفاقية دفاعٍ مشترك! بل توّجوا هذا الخذلان بالغدر والمشاركة في صفوف الغُزاة! وما أشبه اليوم بالأمس، وها نحن نتقلبُّ بين خاذلٍ وغادر، ولكن هيهات أن نركع لغير الله، خابت مساعيكم غُزاةً وخاذلين وغادرين. ما زرعته يدُ اللهِ لن تقلعه يدُ البشر.

في غزوة الخندقِ كان هناك قلة من المنافقين لهم نقيقٌ كالضفادع، لا لهم في العير ولا في النّفير!

أما أهل المدينة فاحتضنوا الدعوة ودافعوا عنها، ولم يقل أحدٌ للنبيّ : كلّ هذا بسببكَ!

كان إيمانهم أعلى من هذا بكثير، كانوا يعرفون أنّ سلعة الله غالية!

وما أشبه أهل غزَّة اليوم بالأنصار الأمس!

التفوا حول مقاومتهم، حموها بالأرواح، وقدّموا في سبيلها المُهج والأحباب والبيوت!

فاللهُمَّ اكتُبْ أجرهم فلا أحد أوفى منك!

فيا أحباب غزَّة الذين يخشون سقوطها: اطمئنُّوا غزَّة أقوى مما تتخيَّلون!

ويا كارهي غزّة الذين ينتظرون سقوطها: اِخْسَؤوا، ستموتون قبل أن تروا هذا المشهد،

صمود غزَّة أطول من أعماركم!

ليس لدينا راياتٌ بيضاء لنرفعها، والاستسلامٌ ليس على القائمة، وإنّ الحياة مواقف عزِّ، وإنّا للعِزِّ خُلقنا، وليس بيننا وبينهم إلا قذائف الياسين حتى يحكم الله بيننا وبينهم وهو خير الحاكمين!

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين