من هدي النبوة.. حديث المؤمن القوي

روى الامام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله تعالى من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله، وما شاء فعل، فإن "لو" تفتح عمل الشيطان." حديث رقم 6774/1853 مختصر صحيح مسلم للامام المنذري؛ اعتنى به الشيخ خليل مأمون شيحا.

 

أيها السادة، نسمع هذا الهدي النبوي ثم يماري المماري ويحاج المحاجج ويجادل المجادل ويقذفك بصفات التخلف والرجعية وأنك تريد أن ترجع الأمة الى الوراء قرونا عديدة، ويرميك بالسلفية المتحجرة التي لا تقبل الجديد ولا الآخر وغيرها من الصفات والألقاب، هذا إن لم يتهمك بأن تخترع إسلاما لا الإسلام الذي نعرفه فيدعوك متأسلما أو إسلامويا أو أنك من أتباع أو أنصار الإسلام السياسي-بزعمهم؛ إن تحدثت عن شمولية الإسلام وكماله وصلاحيته لكل زمان ومكان وأنه الضامن لحاجات الإنسان المادية والمعنوية والجسدية والروحية.


ليس غرضي أن أتناول هذا الحديث النبوي الشريف من جهة المعاني المباشرة والشرح اللفظي أو المعاني الشرعية الظاهرة؛ إنما هي قراءة عامة ونظرة شاملة تبين لنا عظمة هذا الدين وكماله وشموليته.


بالله عليكم أيها الكرام ألا ترون في هذا الحديث منهج حياة متكامل وشامل للإنسان المؤمن بل للإنسان عموما!

ألا ترون هذا الحديث العظيم آية في الجمال اللغوي؛ حيث سهولة اللفظ وجمال المعنى ووضوح القصد وإيجاز العبارة.

ألا ترونه تبيانا للعقيدة الصحيحة الإجابية المحفزة للعمل والبناء وبذل الجهد، بعيدا عن سفسطة ما سموه علم العقيدة أو الكلام.

ألا تحسبونه آية في الدعوة والحجاج وطرح الرؤى وتسويق الأفكار (بالمصطلح الغربي يوم أن جعل الفكرة سلعة تعرض للبيع!)

ألا تحسبونه مصدر راحة وطمأنينة وأمان للإنسان (أحسبه كان مؤمنا أو غير مؤمن!)

ألا ترونه درسا عمليا في علم نفس الإنسان والمجتمع.

ألا ترونه مثالا عن التفكير الإيجابي الذي لا تزال تؤلف حوله المؤلفات وتنشر بشأنه الدراسات!

ألا ترونه مثالا في فهم النفس البشرية ونظم حركة المجتمع.

ألا ترون فيه سموا خلقيا مع دافع للعمل دون النيل ممن هم أقل حظا!

ألا ترون فيه بيانا موجزا لكنه شاملا لطبيعة الحياة البشرية!

ألا ترونه درسا في الدفع نحو القوة والتأكيد على ضرورة وأهمية امتلاك القوة وأساليب القوة بشتى مظاهرها وأنواعها!

تعالوا بنا أيها الكرام نتدارس سويا جمل هذا الحديث النبوي العظيم على قائله أفضل الصلاة وأتم التسليم.

البداية هي وضع الميزان القسط والأساس الحق للخيرية- الإيمان. لكن هذا الإيمان ليس واحدا عند جميع البشر لكنه إيمان فوق إيمان دون حجز الخيرية. ثم هناك القوة وهي قوة مطلقة غير مخصصة- قوة في الايمان والعقيدة تجعل من سيدنا بلال رضي الله عنه يجابه طاغية عصره صابرا على الأذى والعذاب وهو يردد دون أن تلين له قناة: أحد، أحد. وهي ذات القوة الايمانية التي تدفع بالعبقري الشهيد أن يخاطب طغاة عصره:"إن إصبع السبابة الذي يشهد لله بالوحدانية في الصلاة ليرفض أن يكتب حرفا واحدا يقر به حكم طاغية."

وهي قوة في العقل والفكر- العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة في الهدي النبوي؛ بالإذن من أدعياء حقوق المرأة في عصر الدجل وحضارته فنبي الاسلام عليه الصلاة والسلام لم يجعل العلم من حق المرأة بل فرضا وواجبا عليها!! وفي هدي نبوي آخر: بلغوا عني ولو آية فرب مبلغ أوعى من سامع- أقوى علما وفكرا ودراية يدرك من الحديث الذي يسمعه ما لم يدركه مبلغه.

وهي قوة في المال والاقتصاد تجعل النبي صلى الله عليه وسلم يأبى لأصحابه السؤال فيرشد السائل إلى أن يشتري بما أعطي له حديدة يبيعها في السوق ويحتفظ بجزء من ثمن البيع ليتجر به مرة أخرى؛ تدوير رأس المال بمعنى من المعاني!

وهي ذات القوة التي تمنع عن سيدنا عثمان ذي النورين ضرر أي فعل يفعله بعد أن جهز جيش العسرة بالمال الذي لديه.

وهي قوة الجيش والعسكر امتثالا لأمر القوي الجبار: "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ترهبون لها عدو الله وعدوكم." صدق الله العظيم.

ثم لتحصيل هذه القوة لا بد من عمل وهنا يأتي التوجيه النبوي الموجز الشامل والوافي: "احرص على ما ينفعك".

حتى تكون قويا لا بد أن تحرص على المفيد والصالح لك وﻷهلك ولمجتمعك ولأمتك من جميع النواحي الإيمانية والعلمية والتعليمية والثقافية والاقتصادية والعسكرية. وإياك ثم إياك أن تلتفت إلى بنيّات الطريق فعندئذ تفقد فضل سبق القوة الايمانية.

وحيث إنّ الإسلام هو دين الحياة من لدن خالق الحياة والأحياء العالم الخبير سبحانه بطبيعة النفس البشرية والحياة؛ يبين لنا هذا الدين العظيم طبيعة الطريق ومطباته وصعوباته كما يقرّ بضعف الجنس البشري فيوجهه حينئذ أن يلجأ إلى الله سبحانه طالبا منه العون؛ ولهذا يأتي الهدي النبوي:"واستعن بالله ولا تعجز." الضعف أصل بشري والطريق شاقة وصعبة محفوفة بالمكاره ولا سبيل إلى الفوز إلا باللجوء إلى الله تعالى الذي نتوجه إليه سبحانه بالنداء والدعاء مرات ومرات في صلواتنا: "إياك نعبد وإياك نستعيناهدنا الصراط المستقيم".

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين