نظرات في خطبة عفراء الجلبي

‏عندما  يفسرون القرآن الكريم بعقلية ماركس ونتشة وهيغل ويحرفونه بتصوراتهم الرومانسية الاستسلامية

 

 

‏فرق كبير أن تُقبلَ على كتاب الله وقد جعلته المعين الذي تستقي منه أفكارك، وتبني به عقلك وفق مبادئه وقيمه، وقد اتخذته المرآة الصافية لتعرض عليه تصوراتك.

وفرق بين آخر يدعي التنوير والعقلانية، ويريد أن يسقط فلسفة مادية على آيات القرآن الكريم، ويفكك آياته تفكيكاً مشوهاًً، ويجعل من أفكار أشخاص - سواء كانوا ملحدين أو ألََّّهوا عقولهم وما شموا رائحة الوحي-: هي الحكم على كتاب الله.

قد يتوهم البعض أن هؤلاء الذين يدعون التنوير أنهم أصحاب أفكار إبداعية أنتجتها عقولهم، ولكن في الحقيقة إنهم يجترون أفكار االملحدين أو العلمانيين من الغربيين ، ويغلفونها بغلاف الإسلام، والإسلام منها براء، فكانوا أشبه بمن يؤمن ببعض القرآن الكريم، ويترك ويتناسى البعض الآخر، أو يحرفه.

خرجت لنا خطيبة عيد الأضحى لتقرر أفكار أبيها وخالها، لتأتي لنا بدين جديد استسلامي، وتُلبِّس على الناس أنه دعوة الأنبياء والمصلحين، والأنبياء برءاء من هذه الأفكار.

?#‏ولننظر إلى بعض الأفكار التي طرحتها:

1- تقول: ( ولهذا فإن كلمة مسلم حسب فهمي لها تعني ان تكون مسلما لسنن الكون ).

وهذه دعوة خطيرة للأسباب:

أ‌- اعتداء على حقائق القرآن الكريم، وقلب لتصورات الإسلام، فرق كبير بين أن أعمل فكري في البحث في سنن الله لأسير عليها وفق مرضاة الله، وأعتقد أنها مسخرة من الله ، مبتدئاً باسمه تعالى في تطويعها.

ب‌- وبين أن أستسلم لها فتكون بمثابة الوثن الذي أقدسه ، وبهذا ضل الغرب عندما نظروا لهذا الكون هذه النظرة المادية التي قطعتهم عن الله، واعتبروه قوانين تتفاعل بذاتها دون خالق مدبر يرعاها ويمدها.

ج- والله تعالى دعانا أن نستسلم له وليس لسنن الكون فقال سبحانه: (بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ) وقال: (وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) وقال: (إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ).

د- مفهوم الاستلام لله تعالى ليس محصوراً في الخضوع للنظام الذي أقامه الله في هذا الكون فقط، وإنما مفهوم شامل يضمن احترام سنن الله، والاستلام لله في كل الجوانب الأخرى :

?#‏في الجوانب الاعتقادية : المتمثلة في توحيده وإفراده بالعبادة وغيرها

#في الجوانب العبادية: إقامة فرائض الله وأركان دينه

?#‏والجوانب التشريعية : في التزام أحكام الشريعة التي أنزلها في كتابه وسنة نبيه.

?#‏الجوانب الأخلاقية: تمثل النظام الأخلاقي الذي قرره من صدق وأمانة ، ورحمة وعدل وإحسان.

-2-

 

?#‏تفكيك_النص_القرآني_واجتزاء_آياته_للوصول_لأفكار_استسلامية

 

نظرات في خطبة عفراء الجلبي

 

دعا الإرهابي الصهيوني شامير لحذف الآيات التي تدعو للجهاد في سبيل الله من مناهج التدريس، حتى لا ينشأ جيل مسلم يتربى على الإعداد المطلوب من ناحية القوة الإيمانية والمادية يسترد الحقوق المغصوبة، ويدافع عن كرامة أمته، أو يدافع عن المظلومين في الأرض.

هناك تيار نشأ من أبناء المسلمين يؤسس للاستسلام أمام ظلم الأعداء واحتلالهم لديار المسلمين، حاملين شعار: " إذا ضربك احد على خدك الايمن فاعطه خدك الايسر"، ينشرون مذهباً يسمونه (مذهب ابن آدم الأول)، يقوم على المقاومة السلمية فقط مهما كانت مستوى الجرائم التي تقع، ويتنكرون لآيات كثيرة في كتاب الله تدعو لجهاد المعتدين، ودفع المجرمين، بكل الوسائل الإعلامية والعسكرية، وفق إعداد منظم ، وخطط مدروسة، تحت ولاية الحاكم المسلم.

ولنتابع بقية الأفكار التي طرحتها خطيبة عيد الأضحى:

 

2- تقول : (في عالمنا اليوم، المسلمون هم الذي يَقتلون ويُقتلون)

تحليل جائر لايقوم على الموضوعية والإنصاف، فكأن المسلمين هم المعتدون!!، والآخرون هم الحمل الوديع المعتدى عليهم، وسبب ذلك الانبهار بالغرب الذي يجعل صاحبه يتعامى عن الجرائم التي يقومون بها، فلماذا التغافل عن جرائم الصهيونية والإمبريالية الأمريكية ؟ ولماذا تتناسي تواطؤ القوات الفرنسية ضد المسلمين في أفريقيا الوسطى؟؟، وأين ما يفعله البوذيون في المسلمين في بورما (أو ميانمار)؟ أو ما قام به الروس في الشيشان وأوكرانيا؟ ، وما كان من إبادة للمسلمين في البوسنة والهرسك؟؟ وغير ذلك.

3- ثم تقول : ( نقف اليوم لنحتفي بذكرى إنهاء القربان البشري عندما أراد سيدنا إبرهيم أن يضحي بابنه، ففداه الله إسماعيل بذبح عظيم ، والسبب الذي يجعلني أركز على هذا هو لأننا نشأنا في مجتمعات ذكورية تحتفي بالقتل والأضاحي البشرية ، وترفعها إلى الأعالي، ولكن القرآن لا يحث على التضحية) .

أ‌- لننظر كيف يتم تحريف تعاليم القرآن تدعي (إنهاء القربان البشري) والقصد منه إلغاء بذل النفس في الجهاد في سبيل الله ، ثم تفتري على القرآن فتقول : (ولكن القرآن لا يحث على التضحية) مع أن الآيات صريحة في الحث على بذل النفس والمال في الجهاد في سبيل الله، من ذلك قوله سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى? مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ? يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ )، وأعلى من مكانة الشهداء فقال : (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) ، وعلى هذا سار الأنبياء في مقارعة الظلم ، ومحاربة المجرمين ، وتمنى الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقتل في سبيل الله فقال : (والذي نفس محمد بيده لوددت أني أغزو في سبيل الله فأقتل ، ثم أغزو فأقتل ، ثم أغزو فأقتل ).

ب‌- ما علاقة المجتمعات الذكورية بالاحتفاء بالقتل في سبيل الله، أليس هي تعاليم ربانية جاءتنا عبر كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله وسلم، أليس في تكرار مصطلح (المجتمع الذكر) هذا اجترار لمصطلحات غربية أصبحت قميئة يؤدي إلى إثارة العداوة والأحقاد بين جنسي الرجال والنساء؟؟

ت‌- ومن المؤسف إبعاد قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام مع ولده إسماعيل عن مغزاها الحقيقي، وتوظيفها لغير الهدف الذي جاء صريحاً في نفس الآيات التي سردت لنا القصة: وهو الخضوع الكامل والاستسلام لله تعالى، وترك هوى النفس ومتعلقاتها حباً في الله، وتقديم أمره على محاب النفس: ( فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ)، وبهذا الاستسلام ارتقيا وخلد الله مجدهما (إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ).

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين