هل بلغك رأيُ القُس ستيفن سِيزر في الصهيونية المسيحية؟

 

"القدس وجبل صهيون يجب أن يتم بناؤهما على يد المسيحيين كما أعلن الله على لسان نبيه في المزمار رقم 14"

 

كريستوفر كولومبس[1]

"من أجل صهْيَون لن نَلزم الصَّمت، ومن أجل القدس لن نَخلد إلى الراحة"

هيمان همفري[2]

 

قلت سابقاً في مقالة لي باسم (التفسير الحرفي للكتاب المقدس ومأساة فلسطين): " لا شكّ أن الدين كان وما يزال قوةً نَفَّاذةً، بعيدةَ الغَوْر، عميقةَ الأثر، تضرب بجذورها عميقاً في نفوس أتباعها ومعتنقيها. وإن للأديان لقدرةً عجيبة في صَوْغ نفوس المؤمنين بها، وتوجيهها حيث شاءت. فأنت تسأل ذاك الذي يتبرع بماله كلّه أو جُلّه: ما الذي يدفعك إلى التخلي عن ثروةٍ أنفقت فيها عمرك ووقتك في جمعها وتحصيلها، وها أنت في لحظة تبدّدها هنا وهناك؟ فيجيبك بلسان اليقين الذي لا يعترضه شكٌّ: أبتغي الأجرَ من الله، وأنقل هذا المال إلى الآخرة لأجده هناك. وتسأل إنساناً آخر على وَشْك التضحية بنفسه: لِمَ تضحِّ بنفسك، وهي أغلى ما في الوجود؟ فيجيبك إجابة الواثق الموقن: والله إنّ ديني لأغلى منها.

 

هذا هو شأن الدين مع أبنائه، وهذه هي هيمنته على نفوسهم وأفئدتهم. لكن الدين-يا للأسف- سلاحٌ ذو حدّين، فكما أنه يقود صاحبَه إلى خير عميم، وسعادة غامرة، ونشوة بهيجة، فمن الممكن-عندما يساء فهمُه وتُغتَصب ألفاظُه وتُحَرَّف معانيه وتختطفه السياسةُ- أن يستحيل إلى أداة مدمِّرة، لا تقلُّ ضحاياها عن ضحايا القنابل والمدافع. وإن خير مثال على ما ذكرتُ هو المآسي التي تجرّع مرارتَها-وما يزالون- إخوتُنا في فلسطين منذ أكثرَ من نصف قرن. إن أناساً هُجِّروا، وآخرين قُتِلوا، وبُرآءَ سُجِنوا، وأطفالاً يُتِّموا، ومنازلَ دُمٍّرتْ، وحاراتٍ برمّتها أُخلِيتْ، ونساءً رُمِّلتْ، كل ذاك وأزْيد ارتُكِب باسم الدين، وصدّقه الربُّ لا بل باركه لا بل أمرَ به، هذا والله عَجَبٌ وفوق العجب!" [3].

 

نعم، إن ضحايا مَن يسمون الصهاينة المسيحيين لا يحصون كثرةً، فهم يقتلون ويذبحون، ويدمرون ويسحقون، ويستلبون وينهبون باسم الله وبمباركة مزعومة من دين نبيه عيسى المسيح صلى الله عليه وسلم، ولعمري إن الله تعالى والمسيحيةَ الصحيحة بريئان كل البراءة من هذا الكذب والمَين. ونفياً لهذه التهمة الجائرة، وتبياناً للحق الصراح انبرى الكاتب البريطاني ستيفن سيزر Stephen Sizer معلناً للعالم أن المسيحية لا تحمل وزْرَ وآثامَ هؤلاء الصهاينة الذين اختطفوا المسيحية وعملوا فيها تشويهاً وتحريفاً، ليطوعوها لمبتغاهم؛ ومن هنا كانت تسميتهم (الصهاينة المسيحيين)، وليس (المسيحيين الصهاينة)، والأُولى حق، والثانية باطل.

 

ستيفن سيزر قس ذو رتبة عالية في كنيسة المسيح Christ Church في فيرجينيا ووتر Virginia Water في بريطانيا، ورئيس جمعية الكتاب المقدس العالمية في المملكة المتحدة. من أهم كتبه وأبرعها كتابه "الصهيونية المسيحية: من خارطة الطريق إلى هرمجدون"Christian Zionism: Road-map to Armageddon?(USA: IVP Academic, 2004)

(296 صحيفة)

 

يسعى المؤلف فيه إلى تبيان زيف ادعاءات واعتقادات الصهاينة المسيحيين، التي بسببها حصل ما حصل من دمار وخراب في فلسطين، هذه الأرض المباركة.

 

قسم المؤلف كتابه إلى مقدمة وأربعة فصول:

1- الجذور التاريخية للصهيونية المسيحية.

2- التأكيدات اللاهوتية للصهيونية المسيحية.

3- التضمينات السياسية للصهيونية المسيحية.

4- الخاتمة.

 

وفيما يلي وصفٌ موجزٌ ودقيق لأهم ما تضمنه هذا الكتاب من معلومات حول هذا الموضوع الخطير.

 

تعرف الصهيونية بأنها حركة قومية لإعادة اليهود إلى وطنهم الأصلي، وعودة السيادة اليهودية على أرض إسرائيل. أول من أطلق هذا التعبير ناثان بيرنبوم Nathan Birnbaum عام 1892، وهو يهودي نمساوي (1864-1937). أما تعبير الصهيونية المسيحية فيفسره ولتر ريغانز Walter Riggans أنه يتناول كل مسيحي يدعم هدف الصهيونية في إقامة دولة إسرائيل، أياً كان نوع الدعم.

 

ويبدو أن أول من استعمل هذا التعبير هو ثيودور هرتزل في حق هنري دونانتHenri Dunant وهو سويسري من المعروفين بتبرعاتهم، ومؤسس الصليب الأحمر. ومن المفارقات أن المسيحيين كانوا السبّاقين في دعم وتأييد الرؤية الصهيونية في الاستيلاء على فلسطين؛ قبل أن تحظى الصهيونية بالدعم من اليهود أنفسهم. إن فكرة الصهيونية المسيحية أتت من الاعتقاد بأن الله على علاقة خاصة ومستمرة مع الشعب اليهودي، وأن اليهود لديهم حق إلهي في امتلاك فلسطين. هذا الأمر مبني على تفسير حرفي ومستقبلي للكتاب المقدس، وعلى اعتقاد أن نبوءات العهد القديم المتعلقة باليهود يتم تحقيقها الآن في دولة إسرائيل المعاصرة.

 

ماذا عن عدد الصهاينة المسيحيين في أمريكا؟ يدعي بعض قادة اليمين المسيحي مثل بات روبرتسون وجيري فالويل أن العدد يبلغ مئة مليون، لكن ترى الكاتبة كريس هالسل أن العدد بين 25 و30 مليوناً من الصهاينة المسيحيين الذين يقودهم 80،000 ألفاً من القساوسة الأصوليين، من ورائهم 1000 محطة راديو مسيحية، و100 محطة تلفاز.

 

الفصل الأول: الجذور التاريخية للصهيونية المسيحية

يتتبع هذا الفصلُ الأحداثَ التاريخية، والعوامل الاجتماعية والثقافية والتطورات اللاهوتية التي أدت إلى نشوء الصهيونية المسيحية الإيفانجيلية ضمن أوساط سياسية ودينية في بريطانيا وأمريكا، من أوائل القرن التاسع عشر حتى الوقت الحاضر. إن التكوين اللاهوتي للصهيونية المسيحية بدأ مع الحركة الإصلاحية التي أتاحت لعامة الناس -بعد حرمان طويل الأمد- قراءةَ الكتاب المقدس، مع تفضيل القراءة الحرفية على التفسير المجازي للكتاب المقدس؛ الذي انتهجته قديماً ولقرون مديدة الكاثوليكيةُ الرومانية.

 

هناك عدد كبير من القادة الإيفانجليين البريطانيين الذي أرسوا القواعد اللاهوتية للصهيونية المسيحية، منهم الكاتبُ لويس وي، وتشارلز سايمون، وجوزيف ولف، وتشارلز سبيرجيون، و إدوارد إرفنغ، وجون داربي، وبنيامين نيوتن. وللأسف غدت جهود هؤلاء وأهدافهم واقعاً بسبب دعم بعض السياسيين البريطانيين مثل اللورد شافتيسبري، وبالميرستون، وبلفور، الذين لم يدخروا وسعاً في محاولة إعادة اليهود واستيطانهم في أرض فلسطين.

 

كان جون داربي (1800-1882) أكثر القادة المذكورين تأثيراً في تشكيل وصوغ الصهيونية المسيحية في أمريكا (1859-1945). فزياراته المتكررة إلى أمريكا (1859-1872) تركت بصمة في فكر أشياعه وأتباعه حول عقيدة التدبير الإلهي؛ كما أن حديثه عن فكرة نهاية الزمان، في أمريكا الشمالية كان عميق الأثر. ومن القادة الصهيونيين المسيحيين الذي تربوا على أفكار داربي والذين أسهموا في تطوير الصهيونية المسيحية فيها: جيمس بروكز، وآرنو كايبيلين، ودويت مودي، ووليم بلاكستون، وسايرس سكوفيلد.

 

وسكوفيلد هذا ( 1843-1921) هو صاحب الكتاب الشهير "مرجع الكتاب المقدس" (طبع أول مرة عام 1909) Scofield Reference Bible الذي شرح فيه عقيدة التدبير الإلهي Dispensationalism للكون والنبوءات المقدسة. خطورة هذا الكتاب تكمن في أن سكوفيلد وضع شروحه لنصوص الكتاب المقدس وكأنها جزء أساسي من النصوص.

 

ثم يعرض المؤلف لأشهر الصهاينة المسيحيين بين 1967 و2002، في مقدمتهم رونالد ريغان، رئيس الصهيونية المسيحية، الذي مراراً وتكراراً دعم إقامة دولة إسرائيل في فلسطين لأن وجودها هناك يمهد لنزول الرب.

 

وجيري فالويل، سفير الصهيونية المسيحية، ومؤسس الأكثرية الصامتة، وهي مجموعة من المحافظين والأصوليين المسيحيين. وبات روبرتسون، زعيم ديني وسياسي يميني مشهور. أنشأ عدة مؤسسات إعلامية أكبرها «الشبكة التلفازية- الإذاعية المسيحيّة».

 

وهال ليندزي، أكثر العاملين في مجال تجارة النبوءات وآخر الزمان إثارةً وشهرة في التاريخ المعاصر، وكتبه في النبوءات من أكثر الكتب رواجاً وشيوعاً، أهمها كتابه "كوكب الأرض العظيم المنقرِض" The Late Great Planet Earth الذي طبع أكثر من مئة مرة، وبيع من نسخته الإنكليزية فقط 18 مليون نسخة.

 

ومن المنظمات التي أسست على مبادئ الصهيونية المسيحية جمعية يهود لندن (1809)London Jews' Society، ويهود لأجل اليهود (1973)Jews fJews، وجسور لأجل السلام (1976)Bridges fPeace، وأصدقاء إسرائيل المسيحيون (1985) Christian Friends of Israel، ومنظمة سفارة القدس المسيحية العالميةInternational Christian Embassy Jerusalem (1980). وهذه المنظمة معدودة من المنظمات الأكثر نفوذاً وتأثيراً فسفراؤها منتشرون في 140 دولة، وعضويتها تضم أكثر من مئة ألف.

 

الفصل الثاني: التأكيدات اللاهوتية للصهيونية المسيحية

إن الصهيونية المسيحية من حيث هي ظاهرة معاصرة انبثقت من إحياء وبعث عقيدة المجيء الثاني لعيسى قبل حدوث الألفيةHistoric (covenantal) premillennialism في القرن التاسع عشر، والتي منها نشأ ما يسمى بعقيدة التدبير الإلهي Dispensationalism وهاتان العقيدتان مبنيتان على التفسير الحرفي والمستقبلي، وتؤيدان إعادة اليهود إلى فلسطين؛ لكن العقيدة الأولى ترى أن أهداف الرب المستقبلية لإعادة إسرائيل تعتمد على الإيمان بعيسى المسيح ومرتبطة بعلاقة وطيدة بين الكنيسة وإسرائيل، وترى أيضاً أن إسرائيل والكنيسة سيحظيان ببركات الرب عند تحقق الألفية.[4] أما العقيدة الثانية فتفرّق بين أهداف الرب الأزلية لإسرائيل والكنيسة في رؤية منفصلة؛ فإسرائيل هي شعب الرأس الأرضي، والكنيسة شعبه السماوي.

 

هناك سبعة مبادئ لاهوتية رئيسية، يتبناها الصهاينة المسيحيون:

1- التفسير الحرفي والقراءة المستقبلية للنبوءة هي حجر الأساس التي تعتمد عليها المبادئ الستة الأخرى.

 

وقد ناقش المؤلف هذه المبدأ مبيِّناً بالأدلة مشفوعةً بالأمثلة من كتب هؤلاء القوم أن هذه الطريقة في التفسير لا تخلو من تناقضات، وعشوائية واضحة[5].

 

2- اعتقاد أن اليهود هم شعب الله المختار، المنفصل عن الكنيسة، ومكانة إسرائيل فوق مكانة الكنيسة، وإذا أراد المسيحيون أن يحظوا بالبركة من الرب فما عليهم إلا أن يتمسحوا بأذيال إسرائيل ويقوموا على خدمتها وإنجاح مسعاها.

 

ورُدَّ هذا الادعاء بأنه يصادم ما ورد صراحةً في العهد الجديد، كما ورد أنه بعد عيد العنصرة[6]Pentecost حذر بطرس الشعب اليهودي بأنهم إذا أصروا على رفض الاعتراف بعيسى أنه هو المسيح، فلن يكونوا شعب الله. جاء في أعمال الرسل (الإصحاح الثالث: 23): "ويكونُ أن كل نفس لا تسمع لذلك النبي تُباد من الشعب." فاليهود إذن بمعزل عن كونهم شعب الله المختار إذا لم يؤمنوا بعيسى المسيح. زدْ على هذا أن مسألة "الاصطفاء" هي هبة من الله لعيسى، تمنح لكل من يؤمن به بغض النظر عن أصوله العرقية.

 

3- لأن اليهود لا يزالون شعب الله المختار فإن الله وعدهم أن يمنحهم أرض كنعان للأبد؛ فإعادة لليهود إلى فلسطين أمر يحث عليه الكتاب المقدس. وهذا طبعاً مبني على القراءة الحرفية للعهد القديم.

 

لكن هذه النصوص نفسها تشير إلى أن مثل هذه الإعادة قد حدثت فعلاً تحت عزرا ونحميا، وليس من المتوقع أن تكون هناك إعادة أخرى. كما أن كتَّاب العهد الجديد يرون تطبيق مثل هذه الوعود على اليهود المؤمنين والجنتايل (غير اليهود) أيضاً.

 

4- دولة إسرائيل العظمى، الممتدة من النيل إلى الفرات، هي إرث يهودي محض وعد الله به إبراهيم (سفر التكوين، الإصحاح: 12-13، 15) ثم أكده فيما بعد لإسحاق (التكوين، الإصحاح:22) ويعقوب (التكوين، الإصحاح:28) دون قيد أو شرط.

 

وردّ بأن هذا الوعد مقيد بشروط؛ فقد حُذِّر الإسرائيليون بأنهم إن عصوا الله فسوف يشرّدون بين الأمم (سفر اللاوين، 26: 33) وامتلاك الأرض متوقف على شرط الوداعة والخضوع وليس "الاصطفاء." أما التجبر والتكبر فهما من أسباب الطرد والتشريد. ففي المزامير (37: 11): "أما الودعاء فيرثون الأرض ويتلذذون في كثرة السلامة".

 

إن الصهاينة المسيحيين يتجاهلون عن عمدٍ تأكيدَ الأنبياء العبرانيين حول أن الأرض ملك لله تعالى وأن الإقامة فيها مشروطة دوماً، كما ورد على سبيل المثال في اللاوين (25: 23): "والأرض لا تباع بتة، لأن لي الأرض وأنتم غرباء ونزلاء عندي." الأرض لله، ولا يمكن أو تباع أو تشرى إلى الأبد، فضلاً عن كونها تسرق أو تصادر، كما حدث في الأراضي المحتلة في 1867. إن الأرض ليست تحت تصرف إسرائيل من أجل تحقيق أهدافها القومية، بل هي تحت تصرف أهداف الله، واليهود سيظلون نزلاء في أرض الله. إن المتطلبات الأخلاقية من أجل ديمومة السكنى في الأرض ملخصة بوضوح في القانون. يقول النبي حزقيال: " يا ابن آدم إن الساكنين في هذه الِخرَب في أرض إسرائيل يتكلمون قائلين: إن إبراهيم كان واحداً، وقد ورث الأرض. ونحن كثيرون، لنا أعطيت الأرض ميراثاً. لذلك قل لهم: هكذا قال السيد الرب تأكلون بالدم، وترفعون أعينكم إلى أصنامكم، وتسفكون الدم، أفترثون الأرض؟ وقفتم على سفكم، فعلتم الرجس، وكل منكم نجّس امرأة صاحبه، أفترثون الأرض؟....فأجعل الأرض خربة مقفرة، وتبطل كبرياء عزتها، وتخرب جبال إسرائيل بلا عابر." (حزقيال: 24-29). يعلق الكاتب قائلاً: على أساس هذه التحذيرات الصائبة، ربما يسأل المرء محقاً: هل تتوقع دولة إسرائيل المعاصرة- بسبب سياسياتها التوسعية الحاضرة- نفياً وطرداً عوضاً عن العودة؟

 

5- القدس أو صهيون تقع في لب وصميم الصهيونية المسيحية، فهي مدينة يملكها اليهود حصراً وللأبد.

 

لكن ليس في العهد الجديد ما يقوي أو يعضد هذا الادعاء، وعلى العكس فالمسيحيون مطالبون بأن لا يعولوا على المدينة الأرضية، وأن يعولوا بأنهم مواطنون في القدس السماوية.

 

6- لا بد من إعادة بناء الهيكل، وإقامة نظام القرابين لكي تدنس من قبل المسيح الدجال قبل رجوع المسيح عيسى. ويعتبر سكوفيلد الكاتب الأكثر نفوذاً في ترويجه لفكرة وجوب إعادة الهيكل، ومعه هيكلان آخران أيضاً.

 

ورد بأن العهد الجديد يؤكد بأنه بعد موت المسيح أصبح الهيكل ونظامُ القرابين أثراً بعد عين. فالقيمة النهائية للهيكل ليست في هيكل آخر يصنعه الإنسان بل في عيسى المسيح وكنيسته. جاء في سفر الرؤيا (22:21):"ولم أر فيها هيكلاً لأن الربَّ الله القادر على كل شيء هو والخروف هيكلُها." إن تركيز الصهيونية المسيحية المرتبطَ بالآخرة قائم على لإعادة مملكة اليهود، لا جسد المسيح، وعلى دولة إسرائيل المعاصرة، لا صليب المسيح. وإن موت المسيح الذي كفر به عن خطايا البشر ألغى وظيفة الهيكل وما يتصل به من نظام القرابين، وما تحطيم الهيكل في 70 ميلادي إلا تأكيد لهذه الحقيقة، لذا فالقول بوجوب إعادة بنائه هو عكس للكتاب المقدس.

 

7- يرى جلُّ الصهاينة المسيحيين أن المستقبل القريب في جوهره ينطوي على تشاؤم، ومعركة هرمجدون سوف تسبب في مقتل ثلثي اليهود قبل أن يعود المسيح لإنقاذ الباقي. وإن المسيح-في زعمهم- سوف يحاسب الأمم وفقاً لطريقة تعاملها مع اليهود.

 

الفصل الثالث: الآثار السياسية للصهيونية المسيحية

يناقش هذا الفصل العواقب الوخيمة الناتجة عن اعتقادات وتصرفات الصهاينة المسيحيين:

1- الإيمان بأن اليهود لا يزالون شعب الله المختار يقود الصهاينة المسيحيين إلى استرضاء إسرائيل بجميع الوسائل؛ وسياسة الاسترضاء هذه ستؤدي لا محالة إلى غض الطرف بل إلى تسويغ جميع التصرفات والسياسات العنصرية التي تمارسها إسرائيل، في الإعلام وبين السياسيين غيرهم.

 

2- وبما أن اليهود شعب الله المختار، فإن العودة النهائية لليهود إلى إسرائيل أمر يتم تشجيعه على مختلف الأصعدة وبالتعاون بين المنظمات المسيحية واليهودية.

 

3- دولة إسرائيل العظمى، كما وصفت في الكتاب المقدس، هي ملك حصري للشعب اليهودي، ولهذا لا مناص من احتلال الأرض وإقامة أكبر عدد ممكن من المستوطنات.

 

4- القدس هي العاصمة الحصرية والأبدية لليهود، من دون مشاركة الفلسطينيين، ولذا فإن على الحكومات الغربية وبضغط من الصهاينة المسيحيين أن تنقل سفاراتها إلى القدس، تأكيداً وتوطيداً لهذه الحقيقة.

 

5- إذا كان الصهاينة المسيحيون يؤمنون إيماناً راسخاً بأن حرباً ستقع بين الخير والشر في المستقبل القريب، فما من أمل في سلام يدوم طويلاً بين اليهود والعرب. وبلغة أوضح، إن القول بوجوب تقديم إسرائيل تنازلات للإسلام أو العيش بسلام مع الفلسطينيين يعد بمنزلة من يعارض الرب وإسرائيل في معركة هرمجدون الوشيكة.

 

وغالباً ما يهدد الصهاينة المسيحيون كل من لا يرى رأيهم أو ينفذ تعاليمهم، من المسيحيين وغيرهم، بعذاب ماحق من الله يأتي عليهم يستـأصل شَأْفَتهم ولا يبقي لهم أثراً. يقول بات روبرتسون: " لو كان لأمريكا دور في نزع نصف القدس من يد إسرائيل وتسليمها لياسر عرفات ومجموعة من الإرهابيين، فإننا سوف نرى غضب الله يحل بهذه الأمة، غضباً يجعل الأعاصير تبدو كأنها نزهة مدرسية في يوم الأحد." ويرى روبرتسون أيضاً أن اغتيال رابين كان عملاً صادراً من الله وحساباً منه على خيانة رابين لشعبه.

 

الأصناف الأربعة للصهيونية المسيحية:

الأول: عقيدة المجيء الثاني لعيسى قبل حدوث الألفية Covenantal premillennialism:

وما يميزها هو التبشير وإعادة اليهود إلى فلسطين؛ تمثلها منظمة جمعية يهود لندن London Jews' Society وتعرف أيضاً باسم Church’s Ministry Among Jewish People (CMJ)

 

الثاني: عقيدة التدبير الإلهي المسيحاني Messianic dispensationalism:

وما يميزها هو التبشير وإعادة الهيكل؛ تمثلها منظمة يهود لأجل اليهود (JFJ)Jews fJews

 

الثالث: عقيدة التدبير الإلهي التنبؤي Apocalyptic dispensationalism:

وما يميزها التنبؤ ومعركة هرمجدون؛ تمثلها مؤسسة (DTS)Dallas Theological Seminary

 

الرابع: عقيدة التدبير الإلهي السياسي Political dispensationalism:

وما يميزها هو دعم إسرائيل ومباركتها؛ تمثلها منظمة سفارة القدس المسيحية العالميةInternational Christian Embassy Jerusalem (ICEJ) وجسور لأجل السلام (BFP) Bridges fPeace.

 

هذا عرض أرجو أن يكون-ولو في حده الأدنى- وفّى هذا العمل المهم حقه، وأنزله منزلته اللائق بها، مبيناً عُوارَ معتقدات الصهاينة المسيحيين وخَطَلَ آرائهم، وكاشفاً للعالم أن بنيانهم -بعد التدقيق والتمحيص- قائم على غير أساس، والبناءُ على غير أساسٍ هَدْمٌ.

 

الخاتمة

ملاحظات ختامية:

1- تاريخ الصهيونية المسيحية في دعمها العلني والنشط لعودة اليهود إلى فلسطين يسبق تاريخ نشوء الصهيونية اليهودية بستين عاماً على أقل تقدير.

 

2- كانت القيمة الاستراتيجية للوطن اليهودي في فلسطين عنصراً في السياسة الخارجية البريطانية في القرن التاسع عشر، أما في السياسة الخارجية الأمريكية فقد غدت معلماً بارزاً مع نهاية القرن العشرين.

 

3- ما كان للحلم الصهيوني اليهودي في الاستيلاء على أرض فلسطين ليتحقق لولا تأييد ودعم والتزام المسيحيين البريطانيين من رجال دين، وسياسيين، ورجال دولة في القرن التاسع عشر.

 

4- لولا التأييد الذي لا يلين من الصهاينة المسيحيين في أمريكا، مدعوماً بالدعم المالي من الحكومة الأمريكية، ما كان لدولة إسرائيل أن تبقى قائمة على قدميها منذ1948، فضلاً عن احتلالها الضفة الغربية عام 1967.

 

5- تشير التقديرات إلى أن الحركة الصهيونية المسيحية أكبر عشر مرات على الأقل من الحركة الصهيونية اليهودية، وهي قوة فاعلة في السياسة الأمريكية المعاصرة.

 

[1] "من أجل صهيون" ص 22 للدكتور فؤاد شعبان.نشر دار الفكر: دمشق، 2000.

[2] المرجع السابق، صحيفة العنوان.

[3] مجلة زهرة المدائن (التي تصدرها مؤسسة القدس الدولية) العدد 9، كانون الأول- 2010، ص40.

[4] تعبير الألفيَّة (Millennium) لاتيني بمعنى: ألف، وتعني في الفكر الديني المسيحي الغربي فترة ألف عام تأتي في نهاية الزمان، يحكم فيها المسيحُ مملكتَه الأرضية عند مجيئه الثاني.

[5] سوف أخصص -إن شاء الله تعالى- مقالة برأسها لعرض مناقشة المؤلف المهمة لهذه القراءة الحرفية.

[6]تشير كلمة Pentecost إلى عيد العنصرة عند اليهود، وهو اليوم الخمسون بعد عيد الفصح اليهودي Passover وتشير أيضاً إلى عيد العنصرة عند المسيحيين، وهو الأحد السابع بعد عيد الفصح Easter وهو ذكرى نزول الروح القدس على الحواريين. لكن هذا التعبير في سياق تطوّر الفكر المسيحيّ في الغرب، وفي أمريكا بصورة خاصة، يصف الاتجاهَ اليمنيَّ المتطرّف في القراءة الحرفية للكتاب المقدّس، وخاصة ما يتعلق بنزول الروح القدس على الإنسان المسيحيّ، تقليداً للحواريين. وحلولُ الروح القدس في الشخص العاديّ، حسب اعتقادهم، يعطيه قوىً خارقةً، كالتحدث بالألسن، واستجابة الدعاء. وأكثر القادة المسيحيين الأمريكيين نفوذاً وتأثيراً، والذي يسمّي نفسَه "بنتاكوستالي" هو بات روبرتسون. ا.هـ من كتاب "من أجل صهيون" ص 391-392.

المصدر : الألوكة

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين