هل رفع الحرج في شريعة الإسلام أصل مغيّب ؟! -4-

 

[كشف أباطيل وأوهام]

(4)

 

 

مَوَاضِعُ الْمَشَقَّةِ الْوَارِدَةِ فِي الشَّرِيعَةِ: 

الْيُسْرُ وَإِنْ كَانَ هُوَ الصِّبْغَةُ الْعَامَّةُ لِلشَّرِيعَةِ الإْسْلاَمِيَّةِ، وَهُوَ الأْصْل فِي أَحْكَامِهَا، إِلاَّ أَنَّ فِيهَا أَحْكَامًا فِيهَا نَوْعٌ مِنَ الْمَشَقَّةِ لِدَوَاعٍ تَقْتَضِي ذَلِكَ. 

مِنْهَا: أَنْ تَكُونَ الْمَصْلَحَةُ الَّتِي تُرْجَى مِنْ ذَلِكَ الْفِعْل الْمَحْكُومِ فِيهِ مَصْلَحَةً عَظِيمَةً لاَ يُمْكِنُ تَحْصِيلُهَا إِلاَّ بِتَعَرُّضِ الْبَعْضِ لِلْمَشَاقِّ، كَإِنْقَاذِ الْغَرْقَى، وَالْحَرْقَى، وَالْهَدْمَى، فَإِنَّ الَّذِي يَتَصَدَّى لِذَلِكَ قَدْ يَتَعَرَّضُ لأِخْطَارٍ جَسِيمَةٍ، وَكَذَلِكَ دَرْءُ الْمَفَاسِدِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي لاَ يُمْكِنُ دَرْؤُهَا إِلاَّ بِتَعَرُّضِ الْبَعْضِ لِلْمَشَاقِّ، كَالْجِهَادِ لِدَفْعِ الْمُعْتَدِينَ عَلَى الدِّيَارِ، وَالأْعْرَاضِ، وَالْحُقُوقِ، فَكُل ذَلِكَ يُعَرِّضُ حَيَاةَ الْقَائِمِ بِهِ لِلأْخْطَارِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَهُوَ مَطْلُوبٌ شَرْعًا لِقَوْلِهِ- تَعَالَى-: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيل اللَّهِ}

- وَقَوْلُهُ: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَال وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ}

- وَمَا وَرَدَ أَنَّ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ قَال: بَايَعْنَا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فِي مَنْشَطِنَا، وَمَكْرَهِنَا، وَعُسْرِنَا، وَيُسْرِنَا، وَأَثَرَةٍ عَلَيْنا

- ومنها حَالاَتٌ مِنَ الاِحْتِيَاطِ فِيهَا نَوْعٌ مِنَ الْعُسْرِ، وَالْغَرَضُ مِنْهُ غَالِبًا اطْمِئْنَانُ الْمُكَلَّفِ إِلَى خُرُوجِهِ مِنْ عُهْدَةِ التَّكْلِيفِ بِيَقِينٍ، وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يَتَذَكَّرَ أَنَّهُ نَسِيَ صَلاَةً مِنْ يَوْمٍ لاَ يَدْرِي، أَيِّ الْخَمْسِ هِيَ، فَعَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ الْخَمْسَ، أَوْ فَاتَتْهُ صَلاَةٌ لاَ يَدْرِي أَهِيَ الظُّهْرُ أَمِ الْعَصْرُ، فَيَقْضِيهِمَا، وَإِذَا تَعَارَضَ دَلِيلاَنِ أَحَدُهُمَا يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ وَالآْخَرُ يَقْتَضِي الإْبَاحَةَ، يَغْلِبُ التَّحْرِيمُ مَعَ أَنَّ الإْبَاحَةَ أَيْسَرُ، لَكِنْ إِنْ وَصَل الأْمْرُ بِالاِحْتِيَاطِ إِلَى الْعُسْرِ وَالْحَرَجِ، فَالأْكْثَرُونَ عَلَى تَغْلِيبِ قَاعِدَةِ رَفْعِ الْحَرَجِ

[لمن يكون التخفيف والتيسير؟]

- التَّيْسِيرُ فِي الشَّرِيعَةِ الإْسْلاَمِيَّةِ إِنَّمَا هُوَ لِلْمُؤْمِنِينَ الْمُتَّقِينَ، أَمَّا الْكَافِرُ فَلَهُ التَّشْدِيدُ وَالتَّضْيِيقُ وَالتَّغْلِيظُ بِسَبَبِ كُفْرِهِ بِاَللَّهِ وَجَحْدِهِ لِنِعْمَتِهِ وَحَقِّهِ ؛ وَلِرَفْضِهِ الدُّخُول تَحْتَ أَحْكَامِ اللَّهِ. قَال اللَّهُ تَعَالَى {مُحَمَّدٌ رَسُول اللَّهِ وَاَلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}. وَقَال تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}. 

وَأَمَّا الْفَاسِقُ وَالْمُعْتَدِي وَالظَّالِمُ مِنَ أَهْل الإْسْلاَمِ فَلَهُ مِنَ التَّشْدِيدِ بِحَسَبِ فِسْقِهِ وَعُدْوَانِهِ وَظُلْمِهِ بِقَدْرِ الذَّنْبِ الَّذِي جَنَاهُ، وَلَهُ مِنَ التَّيْسِيرِ بِحَسَبِ إِسْلاَمِهِ وَإِيمَانِهِ. 

فَمِنَ التَّشْدِيدِ عَلَى الْفَاسِقِ إِقَامَةُ الْحَدِّ عَلَى الزَّانِي بِرَجْمِهِ حَتَّى الْمَوْتِ إِنْ كَانَ مُحْصَنًا، وَهِيَ مِنْ أَعْسَرِ أَنْوَاعِ الْقَتْل وَأَشَدِّهَا، وَبِجِلْدِهِ مِئَةَ جَلْدَةٍ إِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْصَنًا، وَمِنْهَا قَطْعُ يَدِ السَّارِقِ، وَقَتْل قَاطِعِ الطَّرِيقِ، أَوْ صَلْبُهُ، أَوْ تَقْطِيعُ يَدِهِ وَرِجْلِهِ مِنْ خِلاَفٍ، أَوْ نَفْيُهُ مِنَ الأْرْضِ. 

- مَوَاضِعُ الْيُسْرِ فِي الأَْحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ:

- الأْحْكَامُ التَّكْلِيفِيَّةُ خَمْسَةٌ: الإْبَاحَةُ، وَالنَّدْبُ، وَالْكَرَاهَةُ، وَالإْيجَابُ، وَالتَّحْرِيمُ.

- فَأَمَّا الْمُبَاحَاتُ فَلاَ مَشَقَّةَ فِيهَا مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ؛ لأِنَّ الْخِيَارَ فِي فِعْلِهَا أَوْ تَرْكِهَا إِلَى الْمُكَلَّفِ، وَالشَّارِعُ لَمْ يَدْعُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا إِلَى فِعْلٍ أَوْ تَرْكٍ.

- وَأَمَّا الْمَنْدُوبَاتُ وَالْمَكْرُوهَاتُ فَنَظَرًا إِلَى عَدَمِ اسْتِلْزَامِ فِعْلِهَا أَوْ تَرْكِهَا لِعُقُوبَةٍ يُعْلَمُ أَنَّ لِلْمُكَلَّفِ فِيهَا خِيَارًا كَذَلِكَ، وَإِنْ حَثَّ الشَّارِعُ عَلَى فِعْل الْمَنْدُوبِ، وَتَرْكِ الْمَكْرُوهِ، لِتَحْصِيل الأْجْرِ، إِلاَّ أَنَّ ذَلِكَ إِذَا شَقَّ عَلَى الْمُكَلَّفِ فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتْرُكَ الْمَنْدُوبَ أَوْ يَفْعَل الْمَكْرُوهَ رِفْقًا بِنَفْسِهِ كَمَا يَأْتِي فِي النَّوْعِ الثَّالِثِ، هَذَا بِالإْضَافَةِ إِلَى أَنَّ الْفِعْل الْمُكَلَّفَ بِهِ فِي الْمَنْدُوبَاتِ فِي الشَّرِيعَةِ لَيْسَ فِيهِ مَشَقَّةٌ لِذَاتِهِ، بَل الَّذِي نَدَبَ الشَّارِعُ إِلَى فِعْلِهِ مِنْ صَلاَةٍ، أَوْ صَوْمٍ، أَوِ اعْتِكَافٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ يَخْرُجُ عَنِ الْمُعْتَادِ فِي الْمَشَقَّاتِ، وَكَذَا مَا كَرِهَ لَنَا فِعْلَهُ لَيْسَ فِي تَرْكِهِ مَشَقَّةٌ خَارِجَةٌ عَنِ الْعَادَةِ،  وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ أَنْ تَكُونَ الْمَشَقَّةُ فِيمَا أَلْزَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِفِعْلِهِ مِنَ الْوَاجِبَاتِ، أَوْ أَلْزَمَ بِتَرْكِهِ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ، فَإِنَّهَا بِالإِْلْزَامِ وَفَرْضِ الْعُقُوبَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ، أَوِ الأْخْرَوِيَّةِ، أَوْ كِلَيْهِمَا عَلَى الْمُخَالِفِ لاَ يَكُونُ لِلْمُكَلَّفِ فِيهِمَا خِيَارٌ.

- فَأَمَّا بَابُ الْمُحَرَّمَاتِ فَإِنَّ التَّيْسِيرَ فِيهِ وَاضِحٌ، فَإِنَّ الشَّارِعَ الْحَكِيمَ بِرَحْمَتِهِ ضَيَّقَ بَابَ التَّحْرِيمِ جِدًّا، حَتَّى إِنَّ مُحَرَّمَاتِ الأْطْعِمَةِ يُورِدُهَا الْقُرْآنُ غَالِبًا عَلَى سَبِيل الْحَصْرِ، وَتِلْكَ الْمُحَرَّمَاتُ إِنَّمَا حَرَّمَهَا لِمَا فِيهَا مِنَ الأْضْرَارِ عَلَى صِحَّةِ الإْنْسَانِ، أَوْ عَلَى تَصَرُّفَاتِهِ كَمَا فِي تَحْرِيمِ الْخَمْرِ، وَلَمْ يُحَرِّمْ إِلاَّ شَيْئًا مُتَمَحِّضًا لِلضَّرَرِ، أَوْ ضَرَرُهُ أَغْلَبُ مِنْ نَفْعِهِ، وَهَذَا الَّذِي قَدْ يَكُونُ فِيهِ نَفْعٌ يَكُونُ فِي الْحَلاَل عِوَضٌ عَنْهُ، ثُمَّ إِن اُضْطُرَّ الإْنْسَانُ إِلَى الْمُحَرَّمِ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْفَرَائِضُ وَالْوَاجِبَاتُ فَلَمْ يُكَلِّفْنَا اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا مَا فِيهِ مَشَقَّةٌ خَارِجَةٌ عَنِ الْمُعْتَادِ، وَلاَ تَرَكَ الْعِبَادَ مِنْ غَيْرِ تَكْلِيفٍ، بَل كَانَتِ الشَّرِيعَةُ فِي هَذَا الأْمْرِ جَارِيَةً عَلَى الطَّرِيقِ الْوَسَطِ الأْعْدَل، لاَ تَمِيل إِلَى فَرْضِ مَا فِيهِ مَشَقَّةٌ تَبْهَظُ الْمُكَلَّفَ، أَوْ تُقْعِدُهُ عَنِ الْعَمَل فِي الْحَال أَوِ الْمَآل، أَوْ تُدْخِل عَلَيْهِ الْخَلَل فِي نَفْسِهِ أَوْ عَقْلِهِ أَوْ مَالِهِ.

- وَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى: مَا تَرَكَتِ الشَّرِيعَةُ الإْنْسَانَ دُونَ تَكْلِيفٍ يَحْصُل بِهِ الاِبْتِلاَءُ، فَإِنَّهُ لَمْ يُخْلَقْ عَبَثًا وَلَمْ يُتْرَكْ سُدًى، بَل كَلَّفَتْهُ بِتَكَالِيفَ تَقْتَضِي فِيهِ غَايَةَ التَّوَسُّطِ وَالاِعْتِدَال، كَتَكَالِيفِ الصَّلاَةِ، وَالصَّوْمِ، وَالزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَالْجِهَادِ، وَهَذَا لاَ يُنَاقِضُ الْيُسْرَ، فَإِنَّ الْيُسْرَ يُنَاقِضُهُ الْعُسْرُ، أَمَّا الْوَسَطُ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْيُسْرِ؛ إِذْ لاَ عُسْرَ فِيهِ.

- وَالْوَسَطُ - كَمَا قَال الشَّاطِبِيُّ – " هُوَ مُعْظَمُ الشَّرِيعَةِ، فَهِيَ وَسَطٌ بَيْنَ التَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيفِ "

- فَمُعْظَمُهَا مَحْمُولٌ عَلَى التَّوَسُّطِ، لاَ عَلَى مُطْلَقِ التَّخْفِيفِ وَلاَ عَلَى مُطْلَقِ التَّشْدِيدِ.

- فَالصَّلاَةُ مَثَلاً: خَمْسُ مَرَّاتٍ كُل يَوْمٍ، كُل صَلاَةٍ مِنْهَا رَكَعَاتٌ مَعْدُودَةٌ، لاَ تَتَضَمَّنُ فِعْلاً شَاقًّا، بَل مَا فِيهَا مِنَ الْقِيَامِ، وَالْقِرَاءَةِ، وَالرُّكُوعِ، وَالسُّجُودِ، وَالأْذْكَارِ كُلُّهَا أُمُورٌ مُيَسَّرَةٌ، حَتَّى إِنَّهُ لَمْ يَفْتَرِضْ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِيهَا إِلاَّ الْقَلِيل، وَلاَ مِنَ الأْذْكَارِ إِلاَّ الْقَلِيل، وَتَعَلُّمُهَا وَحِفْظُهَا أَمْرٌ مَيْسُورٌ، وَلَكِنْ قَدْ تَأْتِي الْمَشَقَّةُ فِي الصَّلاَةِ مِنْ جِهَةِ الْمُحَافَظَةِ عَلَى إِقَامَتِهَا عَلَى الْوَجْهِ الأْمْثَل، وَمِنْ جِهَةِ الاِسْتِمْرَارِ وَالدَّوَامِ عَلَيْهَا، مَعَ مُخَالَفَتِهَا فِي بَعْضِ الأْوْقَاتِ لِرَاحَةِ الْبَدَنِ ؛ وَلِلاِنْطِلاَقِ مَعَ الأْعْمَال وَهَوَى النُّفُوسِ، لَكِنْ ذَلِكَ لَيْسَ بِمَشَقَّةٍ فِي الْحَقِيقَةِ عِنْدَ أَهْل التَّقْوَى، قَال اللَّهُ تَعَالَى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاَقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}

- وَهَكَذَا غَيْرُ الصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ مِنْ فَرَائِضِ الإْسْلاَمِ تُعْرَفُ أَوْجُهَ مَا فِيهَا مِنَ الْيُسْرِ، وَأَنَّهَا أَفْعَالٌ، وَأَقْوَالٌ، وَتَكَالِيفُ مَوْضُوعَةٌ عَلَى قَدْرِ طَاقَةِ الْبَشَرِ دُونَ مُبَالَغَةٍ وَلاَ تَشْدِيدٍ.

 

- أَمَّا الأْحْكَامُ الَّتِي تَضَمَّنَتْهَا الشَّرِيعَةُ لِتَسْهِيل هَذِهِ الأْفْعَال الْمُكَلَّفِ بِهَا وَالْخُرُوجِ عَنْ عُهْدَتِهَا فَهِيَ كَثِيرَةٌ مِنْهَا:

- التَّوْسِيعُ فِي الْوَاجِبَاتِ مِنْ حَيْثُ الزَّمَانُ، كَصَلَوَاتِ الْفَرَائِصِ، فَإِنَّ فِعْلَهَا لاَ يَسْتَغْرِقُ إِلاَّ جُزْءًا يَسِيرًا مِنْ وَقْتِهَا، فَيَكُونُ لَدَى الْمُكَلَّفِ الْفُرْصَةُ لأِدَائِهَا فِي الْوَقْتِ الَّذِي لاَ يَشُقُّ عَلَيْهِ وَمِنْهَا مَا يَجِبُ عَلَى التَّرَاخِي.

- وَمِنْهَا التَّخْيِيرُ فِي الأْدَاءِ بَيْنَ أُمُورٍ مُتَعَدِّدَةٍ، فَهُوَ أَيْسَرُ مِنْ أَدَاءِ شَيْءٍ وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ.

- وَمِنَ التَّيْسِيرِ أَيْضًا مَا يَقْبَل التَّدَاخُل مِنَ الْوَاجِبَاتِ، فَمِنْ ذَلِكَ الْعُمْرَةُ تَدْخُل فِي الْحَجِّ لِمَنْ قَرَنَ.

- وَالتَّخْفِيفُ حُكْمٌ طَارِئٌ عَلَى الأْصْل، رُوعِيَ فِي تَشْرِيعِهِ ضَرُورَاتُ الْعِبَادِ وَأَعْذَارُهُمْ، فَكَانَ ذَلِكَ فُسْحَةً لَهُمْ فِي مُقَابَلَةِ التَّضْيِيقِ، بِحُصُول الْجَوَازِ لِلْفِعْل أَوِ التَّرْكِ، وَالتَّخْفِيفُ قَدْ يُوجِبُ الشَّارِعُ عَلَى الْمُكَلَّفِ الأْخْذَ بِهِ، وَقَدْ يَجْعَلُهُ مَنْدُوبًا فِي حَقِّهِ، وَقَدْ يَجْعَل الأْخْذَ بِهِ خِلاَفَ الأْوْلَى كَالْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَوَاتِ، وَقَدْ يُبِيحُهُ لَهُ، فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِهِ أَوْ يَتْرُكَهُ عَلَى السَّوَاءِ.

- وَمِنَ التَّخْفِيفِ الَّذِي يُنْدَبُ الأْخْذُ بِهِ، قَصْرُ الصَّلاَةِ فِي السَّفَرِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَْرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاَةِ}  وَبَعْضُ الْفُقَهَاءِ يُوجِبُ الْقَصْرَ عَلَى الْمُسَافِرِ، وَيُنْدَبُ الإْفْطَارُ فِي السَّفَرِ وَالْمَرَضِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}.

- لِلتَّخْفِيفِ أَسْبَابٌ بُنِيَتْ عَلَى الأْعْذَارِ، وَقَدْ رَخَّصَ الشَّارِعُ لأِصْحَابِهَا بِالتَّخْفِيفِ عَنْهُمْ: فِي الْعِبَادَاتِ، وَالْمُعَامَلاَتِ، وَالْبُيُوعِ، وَالْحُدُودِ وَغَيْرِهَا، فَكُل مَا تَعَسَّرَ أَمْرُهُ، وَشَقَّ عَلَى الْمُكَلَّفِ وَضْعُهُ، يَسَّرَتْهُ الشَّرِيعَةُ بِالتَّخْفِيفِ، وَضَبَطَهُ الْفُقَهَاءُ بِالْقَوَاعِدِ الْمُحْكَمَةِ.

- وَمِنْ أَهَمِّ هَذِهِ الأْعْذَارِ الَّتِي جُعِلَتْ سَبَبًا لِلتَّخْفِيفِ عَنِ الْعِبَادِ: الْمَرَضُ، وَالسَّفَرُ، وَالإْكْرَاهُ، وَالنِّسْيَانُ، وَالْجَهْل، وَالْعُسْرُ، وَعُمُومُ الْبَلْوَى.

- الْمَرِيضُ هُوَ الَّذِي خَرَجَ بَدَنُهُ عَنْ حَدِّ الاِعْتِدَال وَالاِعْتِيَادِ، فَيَضْعُفُ عَنِ الْقِيَامِ بِالْمَطْلُوبِ مِنْهُ، وَقَدْ خَصَّتِ الشَّرِيعَةُ الْمَرِيضَ بِحَظٍّ وَافِرٍ مِنَ التَّخْفِيفِ؛ لأِنَّ الْمَرَضَ مَظِنَّةٌ لِلْعَجْزِ، فَخَفَّفَ عَنْهُ الشَّارِعُ الْحَكِيمُ فِي حَالَةِ عَجْزِهِ عَنِ الْوُضُوءِ، أَوْ خَوْفِهِ عَلَى نَفْسِهِ مِنِ اسْتِعْمَال الْمَاءِ، أَوْ خَوْفِهِ زِيَادَةَ الْمَرَضِ، وَكُل مَا كَانَ الْمَاءُ سَبَبًا فِي الْهَلاَكِ، أَوْ تَأَخُّرِ شِفَائِهِ، أَوْ زِيَادَةِ الْمَرَضِ، رَخَّصَ لَهُ فِي تَرْكِ الْوُضُوءِ تَخْفِيفًا، وَالاِنْتِقَال إِلَى التَّيَمُّمِ، يَقُول اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمِ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا}.

- كَمَا خَفَّفَ عَنْهُ غَسْل الْعُضْوِ الْمُجَبَّرِ، إِلَى الْمَسْحِ عَلَى الْجَبِيرَةِ، مَوْقُوتًا بِالْبُرْءِ، وَخَفَّفَ عَنْهُ فِي حَالَةِ عَجْزِهِ عَنِ الْقِيَامِ لِلصَّلاَةِ، فِي أَدَائِهَا قَاعِدًا، أَوْ مُضْطَجِعًا، أَوْ مُومِئًا، أَوْ مَا يَتَنَاسَبُ مَعَ عَجْزِهِ الَّذِي سَبَّبَهُ الْمَرَضُ، يَقُول النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَنْ أَصَابَهُ الْمَرَضُ:" صَل قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ".

- وَخَفَّفَ عَنِ الْمَرِيضِ بِالإْذْنِ لَهُ فِي التَّخَلُّفِ عَنِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَخَفَّفَ عَنْهُ بِإِجَازَةِ التَّدَاوِي بِالنَّجَاسَاتِ، وَإِبَاحَةِ نَظَرِ الطَّبِيبِ لِلْعَوْرَةِ، وَلَوْ لِلسَّوْأَتَيْنِ.

- وَخَفَّفَ أَيْضًا عَنِ الْمَرِيضِ فِي حَالَةِ عَجْزِهِ عَنِ الصِّيَامِ، بِإِبَاحَةِ الْفِطْرِ، وَقَضَاءِ مَا فَاتَهُ، بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}

- وَخَفَّفَ عَنِ الشَّيْخِ الْهَرِمِ، فَخَصَّهُ بِجَوَازِ إِخْرَاجِ الْفِدْيَةِ بَدَلاً عَنِ الصِّيَامِ الَّذِي عَجَزَ عَنْ أَدَائِهِ، يَقُول اللَّهُ تَعَالَى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ}.

- وَأُجِيزَ لِلْمَرِيضِ الْخُرُوجُ مِنْ مُعْتَكَفِهِ.

- وَخَفَّفَ الشَّرْعُ عَنِ الْمَرِيضِ أَيْضًا بَعْضَ الأْحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِمَنَاسِكِ الْحَجِّ، فَأَجَازَ لَهُ الاِسْتِنَابَةَ فِي رَمْيِ الْجِمَارِ، وَأَبَاحَ لَهُ فِعْل مَحْظُورَاتِ الإْحْرَامِ، مِنْ لُبْسِ الْقَمِيصِ وَنَحْوِهِ، كَمَا أَبَاحَ لَهُ حَلْقَ رَأْسِهِ إِنْ كَانَ بِهِ جِرَاحَةٌ، أَوْ قَمْلٌ، وَاحْتَاجَ إِلَى الْحَلْقِ، وَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ، يَقُول اللَّهُ تَعَالَى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ}.

- وَقَدْ جَعَل اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْمَرَضَ سَبَبًا فِي التَّخْفِيفِ عَنِ الْمَرِيضِ يَوْمَ الْحِسَابِ، وَذَلِكَ بِتَكْفِيرِ ذُنُوبِهِ، بِمَا يُصِيبُهُ فِي الدُّنْيَا، وَمَا يَلْحَقُهُ مِنْ أَلَمٍ، أَوْ هَمٍّ، أَوْ غَمٍّ، يَقُول النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ، وَلاَ وَصَبٍ، وَلاَ هَمٍّ، وَلاَ حُزْنٍ، وَلاَ أَذًى، وَلاَ غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلاَّ كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ.

الإْكْرَاهُ من أسباب التخفيف

 فالإْكْرَاهُ هُوَ حَمْل الْغَيْرِ عَلَى أَمْرٍ لاَ يَرْضَاهُ، وَذَلِكَ بِتَهْدِيدِهِ بِالْقَتْل، أَوْ بِقَطْعِ طَرَفٍ، أَوْ نَحْوِهِمَا، إِنْ لَمْ يَفْعَل مَا يُطْلَبْ مِنْهُ (وَانْظُرْ مُصْطَلَحَ إِكْرَاهٌ)

- وَقَدْ عَدَّ الشَّارِعُ الإْكْرَاهَ بِغَيْرِ حَقٍّ عُذْرًا مِنَ الأْعْذَارِ الْمُخَفِّفَةِ، الَّتِي تَسْقُطُ بِهَا الْمُؤَاخَذَةُ فِي الدُّنْيَا وَالآْخِرَةِ، فَتُخُفِّفَ عَنِ الْمُكْرَهِ مَا يَنْتُجُ عَمَّا أُكْرِهَ عَلَيْهِ مِنْ آثَارٍ دُنْيَوِيَّةٍ، أَوْ أُخْرَوِيَّةٍ، بِحُدُودِهِ.

[ومن أسباب التخفيف النِّسْيَانُ] 

هُوَ عَدَمُ اسْتِحْضَارِ الإْنْسَانِ مَا كَانَ يَعْلَمُهُ، بِدُونِ نَظَرٍ وَتَفْكِيرٍ، مَعَ عِلْمِهِ بِأُمُورٍ كَثِيرَةٍ، وَقَدْ جَعَلَتْهُ الشَّرِيعَةُ عُذْرًا وَسَبَبًا مُخَفِّفًا فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} فَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ رَفَعَ عَنَّا إِثْمَ الْغَفْلَةِ وَالنِّسْيَانِ، وَالْخَطَأِ غَيْرِ الْمَقْصُودِ. فَفِي أَحْكَامِ الآْخِرَةِ يُعْذَرُ النَّاسِي وَيُرْفَعُ عَنْهُ الإْثْمُ مُطْلَقًا.

- فَالنِّسْيَانُ - كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ السُّيُوطِيّ -: مُسْقِطٌ لِلإْثْمِ مُطْلَقًا. وَذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. وَيَقُول رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ.

[حكم النسيان فيما يتعلق بحقوق العباد]

- أَمَّا النِّسْيَانُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِحُقُوقِ الْعِبَادِ فَلاَ يُعَدُّ عُذْرًا مُخَفِّفًا؛ لأِنَّ حَقَّ اللَّهِ مَبْنَاهُ عَلَى الْمُسَامَحَةِ، وَحُقُوقُ الْعِبَادِ مَبْنَاهَا عَلَى الْمُشَاحَّةِ وَالْمُطَالَبَةِ، فَلاَ يَكُونُ النِّسْيَانُ عُذْرًا فِيهَا.

[من أسباب التخفيف الْجَهْل] 

الجهل هو عَدَمُ الْعِلْمِ بِالأْحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ أَوْ بِأَسْبَابِهَا، فالْجَهْل عُذْرٌ مُخَفِّفٌ فِي أَحْكَامِ الآْخِرَةِ اتِّفَاقًا، فَلاَ إِثْمَ عَلَى مَنْ فَعَل الْمُحَرَّمَ أَوْ تَرَكَ الْوَاجِبَ جَاهِلاً، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} 

- أَمَّا فِي الْحُكْمِ فَكَمَا تَقَدَّمَ فِي النِّسْيَانِ، إِنْ وَقَعَ الْجَهْل فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، وَكَانَ بِتَرْكِ مَأْمُورٍ لَمْ يَسْقُطْ بَل يَجِبُ تَدَارُكُهُ، وَلاَ يَحْصُل الثَّوَابُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ تَدَارُكٍ، أَوْ وَقَعَ فِي فِعْلٍ مَنْهِيٍّ عَنْهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ الإْتْلاَفِ فَلاَ شَيْءَ فِيهِ، أَوْ فِيهِ إِتْلاَفٌ لَمْ يَسْقُطِ الضَّمَانُ، كَمَا فِي قَتْل صَيْدِ الْحَرَمِ أَوْ قَطْعِ شَجَرِهِ، وَإِنْ كَانَ الْجَهْل فِي فِعْل مَا فِيهِ عُقُوبَةٌ كَانَ شُبْهَةً فِي إِسْقَاطِهَا، وَلاَ يُؤَثِّرُ الْجَهْل فِي إِسْقَاطِ حُقُوقِ الْعِبَادِ.

[من الذي يُعذر بالجهل؟]

- وَلَيْسَ كُل أَحَدٍ يُقْبَل مِنْهُ دَعْوَى الْجَهْل بِالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ، وَالْقَاعِدَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّ مَنْ جَهِل تَحْرِيمَ شَيْءٍ مِمَّا يَشْتَرِكُ فِي الْعِلْمِ بِهِ غَالِبُ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يُقْبَل، مَا لَمْ يَكُنْ قَرِيبَ عَهْدٍ بِالإْسْلاَمِ، أَوْ نَشَأَ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ يَخْفَى فِيهَا مِثْل ذَلِكَ، كَتَحْرِيمِ الزِّنَى، وَالسَّرِقَةِ، وَشُرْبِ الْخَمْرِ، وَالْكَلاَمِ فِي الصَّلاَةِ، وَالأْكْل فِي الصَّوْمِ.

- وَقَدْ يَكُونُ الْجَهْل فِيمَا يَخْفَى حُكْمُهُ عَلَى الْمُسْلِمِ الْعَامِّيِّ دُونَ الْعَالِمِ، فَتُقْبَل فِيهِ دَعْوَى الْجَهْل مِنَ الأْوَّل دُونَ الثَّانِي.

- وَكُل مَنْ عَلِمَ تَحْرِيمَ شَيْءٍ وَجَهِل مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ لَمْ يُفِدْهُ ذَلِكَ، كَمَنْ عَلِمَ تَحْرِيمَ الزِّنَى وَالْخَمْرِ وَجَهِل وُجُوبَ الْحَدِّ، فَإِنَّهُ يُحَدُّ بِالاِتِّفَاق، وَكَمَنْ عَلِمَ تَحْرِيمَ الطِّيبِ فِي الإْحْرَامِ وَجَهِل وُجُوبَ الْفِدْيَةِ فِيهِ، فَتَجِبُ الْفِدْيَةُ.

[الْمَشَاقُّ الْمُوجِبَةُ لِلتَّيْسِيرِ عَلَى قِسْمَيْنِ] 

القسم الأول: مَشَاقَّ لاَ يَنْفَكُّ عَنْهَا التَّكْلِيفُ غَالِبًا كَمَشَقَّةِ الْبَرْدِ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْل، وَمَشَقَّةِ الصَّوْمِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ وَطُول النَّهَارِ، وَمَشَقَّةِ السَّفَرِ الَّتِي لاَ انْفِكَاكَ لِلْحَجِّ وَالْجِهَادِ عَنْهَا غَالِبًا، وَمَشَقَّةِ أَلَمِ الْحُدُودِ كَرَجْمِ الزُّنَاةِ، وَقَتْل الْجُنَاةِ، وَقِتَال الْبُغَاةِ، فَلاَ أَثَرَ لِهَذَا النَّوْعِ مِنَ الْمَشَقَّاتِ فِي إِسْقَاطِ حَقِّ اللَّهِ الْوَاجِبِ، فِي كُل الأْوْقَاتِ، أَيْ: لأِنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَهُ عَلَى مَا فِيهِ مِنَ الْمَشَقَّةِ لِمَصَالِحَ يَعْلَمُهَا، فَيَكُونُ إِسْقَاطُهَا دَائِمًا لِمَا فِيهَا مِنَ الْمَشَقَّاتِ الْمُلاَزِمَةِ إِلْغَاءً لِمَا اعْتَبَرَهُ الشَّارِعُ.

الْقِسْمِ الثَّانِي: مَشَاقَّ يَنْفَكُّ عَنْهَا التَّكْلِيفُ غَالِبًا، فَمَا لاَ يُطَاقُ مِنْهَا اقْتَضَى التَّخْفِيفَ بِالإْسْقَاطِ أَوْ غَيْرِهِ اتِّفَاقًا كَمَا تَقَدَّمَ، وَإِلاَّ فَإِنْ كَانَتْ عَظِيمَةً فَادِحَةً كَالْخَوْفِ عَلَى النَّفْسِ، أَوِ الأْعْضَاءِ، فَهِيَ مُوجِبَةٌ لِلتَّخْفِيفِ؛ لأِنَّ حِفْظَ النُّفُوسِ، وَالأْطْرَافِ لإِقَامَةِ مَصَالِحِ الدِّينِ أَوْلَى مِنْ تَعْرِيضِهَا لِلْفَوَاتِ فِي عِبَادَةٍ أَوْ عِبَادَاتٍ يَفُوتُ بِهَا أَمْثَالُهَا، وَإِنْ كَانَتِ الْمَشَقَّةُ خَفِيفَةً كَأَدْنَى وَجَعٍ فِي أُصْبُعٍ، أَوْ سُوءِ مِزَاجٍ خَفِيفٍ، فَهَذَا لاَ أَثَرَ لَهُ، وَلاَ يَتَرَخَّصُ بِهِ؛ لأِنَّ تَحْصِيل مَصَالِحِ الْعِبَادَاتِ أَوْلَى مِنْ دَفْعِ مِثْل هَذِهِ الْمَفْسَدَةِ الَّتِي لاَ أَثَرَ لَهَا، وَالْمَشَقَّةُ الْمُتَوَسِّطَةُ بَيْنَ هَاتَيْنِ الدَّرَجَتَيْنِ مَا دَنَا مِنْهَا مِنَ الرُّتْبَةِ الْعُلْيَا أَوْجَبَ التَّخْفِيفَ، أَوْ مِنَ الدُّنْيَا لَمْ يُوجِبْهُ، كَحُمَّى خَفِيفَةٍ، وَمَا تَرَدَّدَ بَيْنَهُمَا فَهُوَ مِمَّا يُخْتَلَفُ فِيهِ غَالِبًا، وَلاَ ضَبْطَ لِهَذِهِ الْمَرَاتِبِ إِلاَّ بِالتَّقْرِيبِ.

- قَال عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ: وَتَخْتَلِفُ الْمَشَاقُّ بِاخْتِلاَفِ الْعِبَادَاتِ فِي اهْتِمَامِ الشَّرْعِ، فَمَا اشْتَدَّ اهْتِمَامُهُ بِهِ شَرَطَ فِي تَخْفِيفِهِ الْمَشَاقَّ الشَّدِيدَةَ أَوِ الْعَامَّةَ، وَمَا لَمْ يَهْتَمَّ بِهِ خَفَّفَهُ بِالْمَشَاقِّ الْخَفِيفَةِ.

- وَمِنْ هُنَا جَاءَتِ الْقَاعِدَةُ الْفِقْهِيَّةُ الْمَشْهُورَةُ: الْمَشَقَّةُ تَجْلُبُ التَّيْسِيرَ: وَهِيَ مِنْ أُمَّهَاتِ قَوَاعِدِ الْفِقْهِ الإْسْلاَمِيِّ، يَحْتَاجُ إِلَيْهَا الْمُجْتَهِدُ وَالْمُفْتِي كَثِيرًا.

- وَقَدْ قَال السُّيُوطِيّ: يَرْجِعُ إِلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ غَالِبُ أَبْوَابِ الْفِقْهِ.

- وَمِثْلُهَا قَاعِدَةُ: " إِنَّ الأْمْرَ إِذَا ضَاقَ اتَّسَعَ " وَالْمُرَادُ بِالاِتِّسَاعِ التَّرَخُّصُ عَنِ اتِّبَاعِ الأْقْيِسَةِ وَطَرْدِ الْقَوَاعِدِ فِي آحَادِ الصُّوَرِ، وَذَلِكَ عِنْدَ الضِّيقِ وَهُوَ الْحَرَجُ وَالْمَشَقَّةُ.

- غَيْرَ أَنَّ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ مُقَيَّدَتَانِ بِقَاعِدَةٍ أُخْرَى هِيَ أَنَّ " الْمَيْسُورَ لاَ يَسْقُطُ بِالْمَعْسُورِ " وَدَلِيلُهَا قَوْل النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:" إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ "

- قَال الْجُوَيْنِيُّ: " هَذِهِ الْقَاعِدَةُ مِنَ الأْصُول الشَّائِعَةِ الَّتِي لاَ تَكَادُ تُنْسَى مَا أُقِيمَتْ أُصُول الشَّرِيعَةِ " وَوَجْهُهَا أَنَّ الْعُسْرَ

هُوَ سَبَبُ التَّخْفِيفِ، فَإِنْ كَانَ الْبَعْضُ مَيْسُورًا لَمْ يَكُنْ لِلتَّخْفِيفِ فِيهِ مَوْضِعٌ.

 

- تَعَارُضُ قَاعِدَةِ رَفْعِ الْحَرَجِ وَالنَّصِّ:

- ذَكَرَ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ ابْنُ نُجَيْمٍ فِي أَشْبَاهِهِ.

- وَنَقَل عَنِ السَّرَخْسِيِّ قَوْلَهُ: " إِنَّمَا تُعْتَبَرُ الْبَلْوَى فِي مَوْضِعٍ لاَ نَصَّ فِيهِ بِخِلاَفِهِ، فَأَمَّا مَعَ وُجُودِ النَّصِّ فَلاَ يُعْتَدُّ بِهِ " ثُمَّ قَال ابْنُ نُجَيْمٍ: وَلِذَا قَال أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ بِحُرْمَةِ رَعْيِ حَشِيشِ الْحَرَمِ وَقَطْعِهِ إِلاَّ الإْذْخِرَ، وَلَيْسَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ مُتَّفَقًا عَلَيْهَا؛

- أَنْوَاعُ التَّخْفِيفِ وَالتَّيْسِيرِ:

- أَوْرَدَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ مِنْ أَنْوَاعِ التَّخْفِيفَاتِ الْوَارِدَةِ فِي الشَّرِيعَةِ سِتَّةَ أَنْوَاعٍ : ثُمَّ زَادَ عَلَيْهَا غَيْرُهُ: فَالسِّتَّةُ هِيَ:

- الأْوَّل: تَخْفِيفُ الإْسْقَاطِ، فَيَسْقُطُ الْفِعْل عَنِ الْمُكَلَّفِ، كَإِسْقَاطِ الْجُمُعَةِ عَنْ أَصْحَابِ الأْعْذَارِ، وَالْحَجِّ عَنْ غَيْرِ الْمُسْتَطِيعِ، وَالْجِهَادِ عَنِ الأْعْمَى وَالأْعْرَجِ وَمَقْطُوعِ الْيَدِ، وَكَإِسْقَاطِ الصَّلاَةِ عَنِ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ.

- الثَّانِي: تَخْفِيفُ تَنْقِيصٍ، كَقَصْرِ الصَّلاَةِ لِلْمُسَافِرِ وَالاِكْتِفَاءِ بِرَكْعَتَيْنِ لِدَفْعِ مَشَقَّةِ السَّفَرِ، وَتَنْقِيصِ مَا عَجَزَ عَنْهُ الْمَرِيضُ مِنْ أَفْعَال الصَّلَوَاتِ عَنِ الْحَدِّ الأْدْنَى الْمُجْزِئِ لِغَيْرِ الْمَرِيضِ، كَتَنْقِيصِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ إِلَى الْحَدِّ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ.

- الثَّالِثُ: تَخْفِيفُ إِبْدَالٍ، كَإِجَازَةِ الشَّارِعِ لِلْمَرِيضِ إِبْدَال الْغُسْل وَالْوُضُوءِ بِالتَّيَمُّمِ، وَإِبْدَال الْقِيَامِ فِي الصَّلاَةِ بِالْقُعُودِ، أَوِ الاِضْطِجَاعِ، وَإِبْدَال الصِّيَامِ لِلشَّيْخِ الْفَانِي بِالإْطْعَامِ، وَإِبْدَال بَعْضِ وَاجِبَاتِ الْحَجِّ أَوِ الْعُمْرَةِ بِالْكَفَّارَاتِ عِنْدَ قِيَامِ الأْعْذَارِ.

- الرَّابِعُ: تَخْفِيفُ تَقْدِيمٍ، كَإِجَازَةِ جَمْعِ التَّقْدِيمِ فِي الصَّلاَةِ لِلْمُسَافِرِ وَالْحَاجِّ، وَإِجَازَةِ تَعْجِيل تَقْدِيمِ الزَّكَاةِ عَنِ الْحَوْل لِدَاعٍ، وَتَقْدِيمِ زَكَاةِ الْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ قَبْل يَوْمِ الْعِيدِ بِيَوْمٍ أَوْ بِيَوْمَيْنِ، وَأَجَازَ الْبَعْضُ تَقْدِيمَهَا لأِكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ.

- الْخَامِسُ: تَخْفِيفُ تَأْخِيرٍ، كَإِجَازَةِ الْجَمْعِ تَأْخِيرًا لِوُجُودِ عُذْرٍ يَجْعَل أَدَاءَهُ فِي وَقْتِهِ شَاقًّا عَلَى الْمُكَلَّفِ، وَتَأْخِيرِ صِيَامِ رَمَضَانَ لِلْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ، فَقَدْ خُفِّفَ عَنْهُمَا بِالْفِطْرِ، مَعَ قِيَامِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِلصَّوْمِ، الْمُحَرِّمِ لِلْفِطْرِ، وَتَأْخِيرِ الصَّلاَةِ فِي حَقِّ النَّائِمِ وَالنَّاسِي.

- السَّادِسُ: تَخْفِيفُ تَرْخِيصٍ، وَهُوَ مَا اُسْتُبِيحَ مِنَ الْمَحْظُورَاتِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، أَوْ عِنْدَ الْحَاجَةِ، كَإِبَاحَةِ التَّلَفُّظِ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ لِمَنْ أُكْرِهَ بِإِجْرَاءِ قَوْل الْكُفْرِ عَلَى لِسَانِهِ، وَأَكْل الْمَيْتَةِ لِلْمُضْطَرِّ لِخَوْفِ الْهَلاَكِ عَلَى نَفْسِهِ مِنَ الْجُوعِ، وَشُرْبِ الْخَمْرِ لإِزَالَةِ الْغُصَّةِ.

- قَال السُّيُوطِيّ: وَأَضَافَ الْعَلاَئِيُّ سَابِعًا، وَهُوَ تَخْفِيفُ التَّغْيِيرِ، كَتَغْيِيرِ نَظْمِ الصَّلاَةِ فِي الْخَوْفِ.

[التَّيْسِيرُ فِي الْمُعَامَلاَتِ] 

مثل أن يُنْدَبُ تَلْقِينُ مَنْ أَقَرَّ بِمُوجِبِ الْحَدِّ الرُّجُوعَ عَنْهُ، إِمَّا بِالتَّعْرِيضِ، وَإِمَّا بِأَوْضَحَ مِنْهُ؛ لِيُدْرَأَ عَنْهُ الْحَدُّ، وَذَلِكَ مِثْل مَا فَعَل النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ مَاعِزٍ حَيْثُ قَال لَهُ: لَعَلَّك قَبَّلْتَ، أَوْ غَمَزْتَ، أَوْ نَظَرْتَ

[تَيْسِيرُ الْمُكَلَّفِ عَلَى نَفْسِهِ فِي الْعِبَادَاتِ]

- أَرْشَد النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَنْ يَأْخُذَ الإْنْسَانُ نَفْسَهُ فِي النَّوَافِل، وَمَا فِيهِ تَخْيِيرٌ مِنَ الْفَرَائِضِ، كَالصِّيَامِ فِي السَّفَرِ، بِالْمَيْسُورِ، فَقَال: "عَلَيْكُمْ مَا تُطِيقُونَ مِنَ الأْعْمَال فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَمَل حَتَّى تَمَلُّوا "

- وَقَال:" إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ فَأَوْغِل فِيهِ بِرِفْقٍ، وَلاَ تُبَغِّضُوا إِلَى أَنْفُسِكُمْ عِبَادَةَ اللَّهِ، فَإِنَّ الْمُنْبَتَّ لاَ أَرْضًا قَطَعَ، وَلاَ ظَهْرًا أَبْقَى "

- وَقَال:" سَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا، فَإِنَّهُ لاَ يُدْخِل أَحَدًا الْجَنَّةَ عَمَلُهُ، قَالُوا: وَلاَ أَنْتَ يَا رَسُول اللَّهِ؟ قَال: وَلاَ أَنَا، إِلاَّ أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ "

- وَنَهَى عَنِ الْوِصَال فِي الصَّوْمِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْمَشَقَّةِ.

- وَقَال: لاَ تُشَدِّدُوا فَيُشَدِّدِ اللَّهُ عَلَيْكُمْ، فَإِنَّ قَوْمًا شَدَّدُوا فَشَدَّدَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فَتِلْكَ بَقَايَاهُمْ فِي الصَّوَامِعِ {رَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ} وَلَيْسَ مَعْنَى الْيُسْرِ فِي هَذَا الْبَابِ تَرْكُ الْعَمَل وَالتَّكَاسُل عَنْهُ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَدَحَ عِبَادَهُ الْمُتَّقِينَ بِقَوْلِهِ: {إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْل ذَلِكَ مُحْسِنِينَ كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْل مَا يَهْجَعُونَ وَبِالأَْسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} وَلَكِنِ الْمَعْنَى أَنْ لاَ يَحْمِل نَفْسَهُ مَا يَشُقُّ عَلَيْهَا، بَل يَتَعَبَّدُ مَا شَاءَ مَا دَامَ نَشِيطًا لِذَلِكَ، فَإِنْ نَشَأَتْ مَشَقَّةٌ خَارِجَةٌ عَنِ الْمُعْتَادِ أَرَاحَ نَفْسَهُ، فَفِي الْحَدِيثِ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَل الْمَسْجِدَ، وَحَبْلٌ مَرْبُوطٌ بَيْنَ سَارِيَتَيْنِ، فَقَال: مَا هَذَا؟ قَالُوا: حَبْلٌ لِزَيْنَبَ، تُصَلِّي فَإِذَا كَسِلَتْ أَوْ فَتَرَتْ أَمْسَكَتْ بِهِ، فَقَال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" حُلُّوهُ ؛ لِيُصَل أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ فَإِذَا كَسِل أَوْ فَتَرَ، قَعَدَ ".

- وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي سَفَرٍ فَرَأَى زِحَامًا وَرَجُلاً قَدْ ظُلِّل عَلَيْهِ، فَسَأَل عَنْهُ فَقَالُوا: صَائِمٌ! فَقَال: لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ" فُسِّرَ بِأَنَّ الْمُرَادَ مَنْ بَلَغَ مِنْهُ الْجَهْدُ إِلَى مِثْل هَذِهِ الْحَال وَلَمْ يُفْطِرْ.

[التيسير بفعل القليل المستمر من العبادة]

- وَأَرْشَدَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَنَّ تَحْصِيل أَجْرِ النَّوَافِل بِفِعْل الْقَلِيل مِنْهَا مَعَ الْمُحَافَظَةِ عَلَى مَا يَفْعَلُهُ الْعَبْدُ مِنْهَا وَالدَّوَامِ عَلَيْهِ أَفْضَل مِنَ التَّشْدِيدِ عَلَى النَّفْسِ حِينًا وَالتَّرَاخِي حِينًا آخَرَ، فَقَال:" أَحَبُّ الأْعْمَال إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَل ".

[التيسير في تَخْفِيف الإمام صلاته]

أَوْرَدَ الشَّارِعُ الْحَكِيمُ التَّخْفِيفَ فِي بَعْضِ أَرْكَانِ الصَّلاَةِ؛ مُرَاعَاةً لأِحْوَال النَّاسِ، وَتَيْسِيرًا لَهُمْ، فَقَدْ أَمَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأْئِمَّةَ بِالتَّخْفِيفِ فِي الصَّلاَةِ وَعَدَمِ تَطْوِيل قِرَاءَتِهَا، وَهُوَ أَمْرُ اسْتِحْبَابٍ، وَذَلِكَ لاِخْتِلاَفِ أَحْوَال الْمَأْمُومِينَ؛ لأِنَّ فِيهِمِ الضَّعِيفَ، وَالْمَرِيضَ، وَالْعَاجِزَ، فَلاَ يُطَوِّل الإْمَامُ الصَّلاَةَ لِئَلاَّ يَشُقَّ عَلَى مَنْ خَلْفَهُ، وَذَلِكَ لِحَدِيثِ:" إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ بِالنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ، فَإِنَّ فِيهِمُ الضَّعِيفَ، وَالسَّقِيمَ، وَالْكَبِيرَ، وَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِنَفْسِهِ، فَلْيُطَوِّل مَا شَاءَ".

- وَرَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلاً قَال: وَاَللَّهِ يَا رَسُول اللَّهِ إِنِّي لأَتَأَخَّرُ عَنْ صَلاَةِ الْغَدَاةِ مِنْ أَجْل فُلاَنٍ، مِمَّا يُطِيل بِنَا، فَمَا رَأَيْتُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَوْعِظَةٍ أَشَدُّ غَضَبًا مِنْهُ يَوْمَئِذٍ، ثُمَّ قَال:" إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ، فَأَيُّكُمْ مَا صَلَّى بِالنَّاسِ فَلْيَتَجَوَّزْ، فَإِنَّ فِيهِمُ الضَّعِيفَ، وَالْكَبِيرَ، وَذَا الْحَاجَةِ ".

- وَالْمُرَادُ بِالتَّخْفِيفِ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى أَدْنَى الْكَمَال، فَيَأْتِي بِالْوَاجِبَاتِ، وَالسُّنَنِ،

 

الْمَشَاقُّ الْمُوجِبَةُ لِلتَّخْفِيفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين