وائل الدحدوح نموذجاً للمجاهدين الصابرين

في هذا العالم نماذج حيوية من البشر التي تمثل درجات عالية من القدوة الإنسانية الراقية، وأعظم هذه النماذج الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم جميعا، ثم ذكر لنا التاريخ نماذج من القادة والساسة والعلماء وأصحاب المال الذين برعوا في إنفاق أموالهم في سبيل الله، وسُطّرت تواريخهم وحوادثهم عبر الأجيال، وقد ظن كثير من الناس أن هذا النمط من القدوات قد انتهى زمانه، فلما أطل علينا طوفان النصر-طوفان الأقصى- وإذا الدنيا غير الدنيا، والناس غير الناس، فشهدنا نماذج بشرية فاقت في صبرها وجهادها ما كنا نسمعه أو نقرؤه من جهاد العظماء، فهذا مثلا -والأمثلة كثيرة التي اكتسبناها من طوفان النصر- وائل الدحدوح الصحفي الصابر المجاهد بالكلمة جهادا فاق دولا إسلامية بقضها وقضيضها، قُصف بيته ففقد جزءا كبيرا من أهله فصبر وأعطى الناس نموذجا في الصبر والتحمل تعجز عنه جماعات كثيرة من الناس، ثم هجّر من مكانه الذي هو فيه وأُجبر على الرحيل، فرحل مع من بقي من أسرته، وها هو اليوم يفقد فلذة كبدة وباكورة أولاده يفقده من جراء القصف الصهيوني الجائر الذي لم يشهد التاريخ الحديث مثله، في ظل تخاذل إسلامي لم تشهد الدنيا مثله، وإذا هو الصابر المحتسب المرابط على ثغور وطنه، الذي يعطي للناس دروسا في الصبر على المصائب، ويعطي الناس دروسا في التحمل، ويعطي الناس دروسا في الثبات على المبدأ، ويعطي الناس صورة مشرقة للإنسان الذي يعشق دينه ووطنه ويفديهما بكل شيء عنده.

يا لهذا النموذج من الإنسانية الرائعة، وسيكتب التاريخ خلودا لهذا الإنسان ولمثله كثيرين كشف عنهم طوفان النصر لم يكن لنا بهم علم، فيا لله لهذا الطوفان الذي كشف زيف العالم الكاذب دولا ومنظمات ومؤسسات وجماعات، كلها تشهد على ظلم أهل فلسطين ولا تحرك ساكنا سوى البعبعة باللسان، فكم كشف لنا هذا الطوفان العظيم عن أطفال أحبوا دينهم ووطنهم وماتوا في سبيل هذا الحب، مما لو قرأناه في الكتب لربما أنكره كثير من الناس، وكم كشف هذا الطوفان العظيم عن نساء غزة الحرائر اللاتي ضربن أروع الأمثلة في الصبر على فقد أبنائهن وأزواجهن وأقاربهن، بل ومات كثير منهن وهن ثابتات على المبدأ لا يتزحزحن، بل ترى منهن من يصرخ بصوت عال يحفز المجاهدين على الصبر والثبات برغم الظلم الذي تقشعر من هوله الأبدان، ولقد كشف هذا الطوفان عن أشياء كثيرة ليس أولها ولا آخرها أن النظام العربي الحالي لا يرجى خيره، ولا يمكن أن ينصر لا دين الإسلام ولا المسلمين.

فكم أنت عظيمة يا غزة بأطفالك ونسائك وشبابك ورجالك، لقد تعلمنا منك دروسا في العزة لو أمضينا الدهر كله ما حصلنا على تلك الدروس التي أعطيتينا إياها، لقد عرفنا منك قيمة الشهادة وقيمة الشهداء، وعرفنا منك معنى الصبر وقيمة الصابرين، ولا نامت أعين الجبناء المتخاذلين الذين تقهقروا أمام عدوهم، وتركوا إخوانهم تمزقهم آلة الحرب من معبودهم أمريكا، ويا لفضيحة هؤلاء بين الأجيال الحالية والقادمة، ولا أدري ماذا ينتظرون أن يكتب التاريخ عنهم؟

فكل العزاء للمجاهد وائل الدحدوح ولإخوانه الصحفيين والإعلاميين الذين برعوا في نشر الحقيقة وإيصالها إلى هذا العالم المنكوب لعلها توقد في نفوس الشعوب نار الإنسانية فيفزعوا لأهل غزة وفلسطين ولا يبقوا يعتمدون الصراخ والعويل، وأسال الله العظيم أن يربط على قلبه ويثبته هو وسائر إخوانه المجاهدين، الذين ضربوا أروع الأمثلة لنماذج بشرية لا يمكن أن تجد مثلها إلا في ظل هذا الدين العظيم، الذي اعتزت غزة به فعظمت لعظمته، فكم انت عظيمة يا فلسطين، وكم أنت عظيمة يا غزة، وكم انتم عظماء يا أهل غزة، حماكم الله، وحفظكم الله، وتقبل الله جهادكم، ونصركم على أعدائكم أعداء هذه الأمة، وفرج كربكم وأخزى بكم كل الطغاة والظالمين.

اللهم هل بلغت؟ اللهم فاشهد

تلك نفثة مصدور على صفحة تملؤها السطور

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين