ودخل العام الخامس للثورة .!

 

بعد أربع سنين من الثورة نتطلّع إلى ميلاد العام الخامس .. ونحن نسير إلى المجهول .. نتطلّع كما يتطلّع الإنسان في كلّ مكان إلى يوم ميلاده ..

ولكن هل أصبح ذلك قصارى تفكيرنا : أن نعدّ العام بعد العام ، وحياة شعبنا في الداخل والمَهاجر ، يلفّها الغموض والقتام من كلّ جانب .؟!

هل استعدّ علماؤنا وعقلاؤنا ، وحكماؤنا ومفكّرونا برؤية وطرح نوعيّ ، يجدّد العزم ، ويخفّف الألم ، وينعش الأمل ، ويحقّق الحلم ، ويحفّز النفوس إلى مزيد من العطاء والعمل ..

 

أعلم أنّ رياحاً عاتية تضرب سفين هذه الثورة من كلّ أرجاء الأرض ، ويعبث بها العابثون حتّى من أدعيائها بلا حسيب ولا رقيب .. وأنّها لم تبق ثورة شعب في وطنه ، ينشد حرّيّته وكرامته وأمنه ، ونيل حقوقه ، ورفع الظلم عنه .. وأنّها تخطّت أرضها وحدودها ، لتكون إقليميّة وعالميّة وإنسانيّة .. ولكنّ ذلك ذنب من .؟!

وأعلم أنّ السفين يتيم من ربّانه ، يبحث عنه ، ولم يتعرّف عليه من يوم ميلاده ..

ولكن إلى متى سيبقى كذلك .؟! إلى متى .؟!

 

وقصارى ما يملك كثير من الغيورين على العباد والبلاد : الكلام ، ثمّ الكلام .. وحركات على الهامش هنا وهناك ، لا تصنع التأثير والتغيير ..

والصادقون المخلصون ، الذين يصنعون التغيير على الأرض لغتهم الدم .. ورسالتهم الأخيرة طيّب الذكرى وعبير الشهادة ، ويرحلون بصمت .. ويلثم ثرى الأرض المباركة جباههم النيّرة ، التي أبت السجود لغير الله ، ومضت على دربها وفيّة على عهد الله .. ويقف الأحياء من بعدهم قليلاً .. ذهولاً ، وإجلالاً لهم ، وترحّماً عليهم ، ثمّ يمضي كلّ إلى شأنه ..

 

وتجود الأرض المباركة كلّ يوم بأبنائها من الأطفال والرجال والنساء شهداء غرباء .. وينظر العالم إلى ما يجري ، كما ينظر قبل نومه إلى أفلام العبث والتسلية والمجون ..

 

بعد أربع سنين .. ولغة السبّ والشتم ، والافتراء والتخوين هي اللغة الطافية على سطح العلاقات بين كثير من أدعياء الثورة المتحمّسين لها .. لا يستحيون منها ولا يتورّعون .. واختلط الأمر فيها بين من يدّعي الثورة وينافح عنها ، وبين مدسوس كذّاب ، مفسد مرتاب .. وكلّ يفسد الثورة بطريقته ، ويدّعي الوصاية على السفينة ، وأنّه ربّانها ..

 

بعد أربع سنين من الثورة ، تمكّن العدوّ بمكره وكيده ، وصنائعه المجرمين الخبثاء ، وجهل المدّعين الأغبياء ، أن يحوّل أكثر السلاح إلى صدور أعدائه ، ليكون بأسنا بيننا ، ويقف هو يلتقط أنفاسه ، وهو يصارع الموت على حساب دم الشعب النازف وحياته ..

 

بعد أربع سنين من الثورة ما الأحلام التي تحقّقت لها .؟! وما الذي لم يتحقّق .؟! ولماذا لم يتحقّق .؟! وهل الأمل باقياً ليتحقّق .؟! وهل من جديد من بوارق الرأي الرشيد ، والتخطيط النوعيّ ، الذي يبعث الأمل ، ويجمع القلوب ، ويقطع الجدل .؟!

 

بعد أربع سنين من الثورة ، وقد أثبتت الوقائع أنّ الطريق طويل طويل ، ولم يتحقّق من الآمال ما تعقد عليه العزائم ..

 

ومهما تكاثرت علامات الاستفهام والتعجّب في الطريق ، التي تبحث عن أجوبتها ، عن كلّ ما كان ويكون من ابتلاءات وتأخير ، فإنّ الحقيقة الكبرى التي نؤمن بها ، ولا تزال تنتظر منّا العمل الصادق الجاد ، وهي قرار ربّ العالمين : {... قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير}[آل عمران:165] .

فهل نتّعظ بهذا القرار المبين .؟! أم نكون من الذين يعظون ، ولا يتّعظون .؟!

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين