بعض سمات الدعوة في هذا العصر -5-

عني بتصحيحها الشيخ مجد مكي

وأحذِّركم ثانية أيها الشباب من كلِّ ما يقلل من شناعة الوثنيَّة العقائديَّة والشِّرك الجليِّ من عبادة غير الله والسجود له وتقديم النذور والقرابين وإشراكه في صفات الله من قدرة علم وتصرُّف، وإماتة وإحياء، وإسعاد وإشقاء.


وأحذركم من الاكتفاء بالتركيز على شناعة الخضوع للحكومات والنظم الإنسانيَّة والتشريعات البشريَّة، وتحويل حق التشريع للإنسان، وأن ذلك هو وحده عبادة الطاغوت والشرك، وأن الوثنيَّة الأولى وعبادة غير الله قد فقدت أهميتها، وإنما كانت لها الأهميَّة في العصر القديم البدائي، وأنه لا يقبل عليها الآن إلا الرجل الجاهل الذي لا ثقافة له، ففضلاً عن أن هذه الوثنيَّة والشِّرك الجليّ لا يزال له شيوع وانتشار ، ودولة وصولة يجربه كل إنسان في كل زمان ومكان، فإنها الغاية الأولى التي بُعث لها الأنبياء، وأنزلت لها الكتب السماويَّة، وقامت لها سوق الجنة والنار، وكانت دعوة جميع الأنبياء تنطلق من هذه النقطة، وكانت جهودهم مركَّزة على محاربة هذه الجاهليَّة، والقرآن مملوء بذلك بحيث لا يقبل تأويلاً ( ).


وإنَّ كل ما يقلِّل من أهمية محاربة الشِّرك الجليِّ وعبادة غير الله سواء أكانوا أشخاصاً أو أرواحاً، أو ضرائح ومشاهد، والعناية بمحاربة النظم والتشريعات والحكومات فحسب إحباطٌ لجهود الأنبياء، واتِّجاه بهذا الدين عن منهجه القويم السَّماوي إلى المنهج الجديد السياسي، وهو تحريفٌ لا محالة. هذا من غير أن أقلِّل من قيمة التركيز على أنَّ التشريع لله وحده، وله الحكم والأمر وحده، وأن من يدعو إلى طاعة نفسه الطاعةَ المطلقة العمياء منافسٌ للرب وطاغوت، وأنه يجب أن يُدعى إلى التشريع الإلهي، وإلى إقامة الحكم الإسلامي القائم على منهاج الكتاب والسُنَّة ومنهاج الخلافة الراشدة، وأن لا يُدَّخر سعيٌ في ذلك، ولكن من غير أن يكون ذلك على حساب الدعوة إلى التوحيد والدين الخالص، ومحاربة الوثنيَّة والشرك، فإنها لا تزال في الدرجة الأولى، وهي أكثر انتشاراً، وأعظم خطراً في الدنيا والآخرة، فقد قال الله تعالى:[إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا] {النساء:48}.

وقد قال: [فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ حُنَفَاءَ للهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ] {الحج:30-31} .

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم

للاطلاع على الحلقة السابقة هنا
-----------
( ) اقرأ على سبيل المثال: سورة الأعراف، وسورة هود، وسورة الشعراء، والحديث عن كل نبيّ ودعوته.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين