نظرات في  مقالة

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: 

بعد قراءتي لمقال بعنوان "الحاكمية في فكر الإخوان منطلق التطرف والعنف" للكاتب: د. فاروق حمادة المستشار الديني في ديوان ولي عهد أبو ظبي المنشورة في موقع الاتحاد بتاريخ 3/آب/2016 . والتي يحاول الكاتب من خلالها معالجة التطرف والغلو من خلال إثبات أن الإخوان هم سبب التطرف والغلو.

 أجد نفسي مضطراً للرد على بعض المغالطات الموجودة في المقالة في مسألة الحاكمية والربط بينها وبين فكر الإخوان .

بداية ينطلق الكاتب من أفكار صحيحة ومغلوطة موهمة للقارئ ليصل إلى النتيجة التي وضعها مسبقا وهي " الاخوان سبب الغلو والإرهاب " رغم أني لست منتسباً للإخوان لكني أجد من الضرورة عليّ الرد على هذه المقولة التي فيها الكثير من المغالطات غير المقبولة في "مسألة الحاكمية" والتي توهم القارئ أن الإخوان هم من ابتدعوا نظرية الحاكمية والتي كانت سببا في الوقوع في جميع مصائب الأمة في الغلو والتكفير حسب زعم الكاتب .

الكاتب وضع بعض الأفكار الصحيحة عن الغلو وهو أن الغلو ولد في السجون كردة فعل عن الأنظمة القائمة، ثم بدأ بخلط الأفكار ليصل إلى نتيجة مفادها : أن القاعدة تلقفت فكرة الإخوان عن الحاكمية لتصل به إلى الغلو والتطرف.

أولاً: إن أردنا أن نتكلم عن مسألة الحاكمية يعتبر الكاتب أن الحاكمية هي من نتاج فكر "حسن البنا" رحمه الله، وأنه قد خالف من سبقه حيث جعل الحاكمية من أصول الاعتقاد وللرد على هذه الشبهة أقول: إن الحاكمية هي من أصول الدين الإسلامية، فالشريعة الإسلامية ليست كالنصرانية دين أخلاق وعبادة فحسب، بل هي دين دولة وعبادة لذلك نجد الكثير من الآيات والأحاديث التي تتحدث عن أصول الحكم وترسم خطوطاً عامة للحكم الإسلامي الرشيد كالشورى يقول تعالى:" وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ" ، ووجوبِ طاعة ولاة الأمر يقول تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ" بل جاءت آيات كثيرة لتبين علاقة المسلمين بغيرهم لتكون بمثابة قوانين دولية يقول تعالى:" لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ" وهذا هو الرسول صلى الله عليه وسلم عندما دخل مكة وضع أول دستور يشهده التاريخ يبيبن فيه علاقة الناس ببعضهم البعض، ويؤسس لعقد اجتماعي جديد في مجتمع المدينة المنورة على مختلف طوائفهم وأعراقهم وأديانهم فهذه جميعها من مسائل الحاكمية فهل نغمض أعيننا عن هذا التراث الإسلامي الكبير لنسلِّم للكاتب بأن الحاكمية هي من نتاج فكر الإخوان....!  

ثانياً- ثم يقع الكاتب بمصيبة أدهى من هذه ليقرر أن حسن البنا قد جعل الإمامة من أصول الاعتقاد مخالفاً إجماع العلماء المسلمين!! 

وأقول له : معذرة فمن البدهيات في علم السياسة الشرعية أن مسائل الإمامة والحكم ألحقها العلماء في أصول الاعتقاد وذلك لعظيم خطرها وأهميتها.

 يقول الطاهر بن عاشور في كتابة (النظام الاجتماعي في الإسلام) : "ولمكانة الخلافة في أصول الشريعة ألحقها علماء أصول الدين بمسائله، فكان من أبوابه الإمامة" بل من جعل مسألة الحاكمية من الفروع خالف الإجماع بذلك .

 فالحاكمية أصل من أصول الدين، قررها الله عزوجل في كتابة الكريم من خلال قوله تعالى: " إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ". نعم صحيح فهمها أهل الغلو بشكل مغلوط وفسروها كما يشتهون، لكن هذا لا تجعلنا ننسف الأصل، وإنما نبيِّن معنى الحاكميَّة في الشريعة الإسلامية وضوابطها لا أن نفهمها بشكل ظاهري أو أن ننسفها كما يقول الشيخ محمد بخيت المطيعي: "ومن هنا تعلم أن المسلمين بعد وفاته صلى الله عليه وسلم ومبايعتهم أبا بكر على الوجه الذي حصل؛ كانوا أول من سنّ أن الأمة مصدر جميع السلطات، وأنها هي التي تختار من يحكمها بدين الإسلام، وشريعة الإسلام هي القانون الإلهي الذي وضع ذلك وجعله متبعاً في كل إمام وخليفة". "حقيقة الإسلام وأصول الحكم" ص 24 .

والنصوص كثيرة في هذا الموضوع والتي لا يتسع المقام لذكرها والتي بين تصور الحاكمية عند العلماء بأنها سلطة للأمة مقيدة بحدود الشريعة.

ثالثاً- أما الفكرة الثالثة التي اعتمد علها الكاتب وهو اقتطاعه لكلام "سيد قطب" رحمه الله ليبني عليه بأن "سيد قطب" أسَّس للغلو والتطرف والتكفير وأقول: نحن لسنا بمحاكمة سيد قطب رحمه الله وآرائه وأفكاره، فالرجل اجتهد وبيَّن رأيه، ولكل مجتهد نصيب، ولكن كلام سيد قطب لا يمكن فهمه إلا من خلال قراءة جميع كتاباته وسياقه وسباقه، ولا يمكن أن نتصور فكر سيد قطب من خلال فهم أهل الغلو لكلامه. فمثلا سيد قطب عندما يثير مسألة الحاكمية لله ويفسر قوله تعالى :" إن الحكم إلا لله" يعود فيقرر أن للشعب سلطة ويجيب سيد قطب بالتفريق بين مصدر السلطة الذي هو الله سبحانه، وبين مزاولة السلطة التي هي بيد البشر، وذلك حين يقول:

"والأمة في النظام الإسلامي هي التي تختار الحاكم فتعطيه شرعية مزاولة الحكم بشريعة الله؛ ولكنها ليست هي مصدر الحاكمية التي تعطي القانون شرعيته إنما مصدر الحاكمية هو الله،  وكثيرون حتى من الباحثين المسلمين يخلطون بين مزاولة السلطة وبين مصدر السلطة فالناس بجملتهم لا يملكون حق الحاكمية إنما يملكه الله وحده والناس إنما يزاولون تطبيق ما شرعه الله بسلطانه ، أما ما لم يشرعه الله فلا سلطان له ولا شرعية ، وما أنزل الله به من سلطان ". في ظلال القرآن، سيد قطب 7:725. 

ولا يجوز لنا أن نحمّل مسؤولية جماعة كاملة اجتهاد شخص معيَّن، ولا نحمّل شخصاً معيناً التطبيقات الخاطئة لأهل الغلو، فالخوارج مثلاً رفعوا شعار " لا حكم إلا لله" فلا نقول أن هذه الآية هي سبب الغلو -حاشا لله- وإنما الفهم الخاطئ للخوارج هو سبب الغلو كما يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه:" كلمة حق أريد بها باطل". 

رابعاً- الربط بين الحركات الإسلامية بهذا الشكل الغريب والعجيب من خلال ربط القاعدة بالإخوان، فالكاتب جعل الإخوان أساساً لجميع هذه الحركات مع أنَّ هذا التصور خاطئ فكل حركة لها منظّروها الذين ينظّرون ويؤسِّسون لها، وهناك اختلافات كبيرة بينهم فأهل الغلو يعتبرون الإخوان من المرجئة ...!

وأخيراً لا بد للكاتب عندما يكتب أن يكون منصفاً في نقل الأفكار والربط بين المقدمات والنتائج لا أن يضع نتيجة مسبقة ثم يسوق لها المقدمات وإن أردنا محاربة الغلو والتطرف لا بد أن نكون منصفين في كتاباتنا لنصل إلى معالجة سليمة، فالخطأ في معالجة الغلو تولد غلواً أشد، وعدم الإنصاف يؤدِّي إلى تغرير الشباب وإيقاعهم بتصورات مغلوطة مشوهة والتصورات المغلوطة المشوهة من أهم سمات أهل الغلو والتطرف 

عافانا الله وإياكم من هذه اللوثة، ورزقنا الله السداد في القول والعمل والفقه في الدين.

    

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين