تعليق على مقالة الدكتور محمد حبش: (الذكرى  500 لمعركة مرج دابق.)

 

كتب د. محمد حبش:

الذكرى 500 لمعركة مرج دابق التي رسمت خارطة المنطقة ولا تزال….. 

-- http://all4syria.info/Archive/337260

 

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله.  والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا رسول الله. 

 

 

ألخص رأيي في مقالة الدكتور حبش عن ذكرى معركة دابق - وأنا ابن دابق العريقة - بالنقاط الآتية:

 

أولا: الأصل أن وقائع التاريخ  هي التي توحي بالفكرة أو العبرة. وليس العكس.

 

ولكن المقالة جاءت على العكس.

جاءت لخدمة قناعة  مسبقة بحيث توجِّه الأحداث التاريخية باتجاهها. 

 

إنها تشبه خطة لإنتاج فلم تاريخي. حيث يقوم المخرج فيه بتوجيه الأحداث لترسيخ فكرته التي يريد ترويجها. وليس لإيصال الوقائع كما هي.

 

الكاتب يريد من خلال سرد الأحداث أن يعظنا بأن لا نكون طائفيين.

فحشد كل مصطلحات عصرنا السياسية والإعلامية (المقاومة. الممانعة. الحشد الشعبي. العلويون.  السنة. الطائفية. جنوب لبنان......إلى آخره) ليسهل عليه إسقاط الماضي قبل 500 سنة على الحاضر إلى حد التوافق. وليس التشابه أو التقارب فحسب.

 

وأظن أن هذا يعد براعة عند مخرجي الأفلام التاريخية. الذين لا يُعنَون بالحقيقة. وإنما بتحقيق وترسيخ القناعة المسبقة التي يدعون إليها. ويدَّعون أن الوقائع تؤيدها.  

 

ثانيا: الكاتب حاول تلميع صورة الصفويين حين قال: الصفويون كانوا ينادون بتشكيل حلف مقاومة وممانعة في وجه الأطماع الغربية الصليبية....

والمعروف تاريخيا أن الصفويين هم الذين تحالفوا مع الأسطول البرتغالي في الخليج ليطعنوا القوات العثمانية من الخلف ويعوقوها عن فتوحاتها في الشرق والغرب. 

 

فمسألة تحالف الشاه إسماعيل الصفوي مع الصليبيين البرتغاليين أشهر من أن يخفيها الكاتب بهذه الدعوى. خصوصا بعد الهزيمة المنكرة التي مني بها الشاه إسماعيل الصفوي أمام السلطان سليم الأول العثماني في موقعة (جالديران) عام 1514م التي أدت إلى دخول السلطان سليم مدينة تبريز. واتخاذها مركزا لعملياته الحربية.

يقول الدكتور محمد علي الصلابي في كتابه (الدولة العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط.) ج1 ص246:

(لقد أدت هزيمة الشاه إسماعيل أمام العثمانيين إلى حرصه الشديد للتحالف مع النصارى وأعداء الدولة العثمانية، ولذلك تحالف مع البرتغاليين وأقر استيلاءهم على هرمز في مقابل مساعدته على غزو البحرين والقطيف إلى جانب تعهدهم بمساندتهم ضد القوات العثمانية. وقد تضمن مشروع التحالف البرتغالي الصفوي تقسيم المشرق العربي إلى مناطق نفوذ بينهما حيث اقترح أن يحتل الصفويون مصر 

   والبرتغاليون فلسطين.)

وفي نفس الكتاب والصفحة ينقل الصلابي نص رسالة أرسلها البوكير البرتغالي إلى الشاه إسماعيل الصفوي قبل موقعة جالديران. جاء فيها: (إني أقدر احترامك للمسيحيين في بلادك، وأعرض عليك الأسطول والجند والأسلحة لاستخدامها ضد قلاع الترك في الهند. وإذا أردت أن تنقض على بلاد العرب أو تهاجم مكة فستجدني بجانبك في البحر الأحمر أمام جدة أو في عدن أو في البحرين أو القطيف أو البصرة. وسيجدني الشاه بجانبه على امتداد الساحل الفارسي وسأنفذ له كل ما يريد.)

فدعوى الكاتب أن الصفويين كانوا يدعون إلى حلف مقاومة وممانعة في وجه الأطماع الصليبية. ليسقط هذه الصفة على دعي المقاومة والممانعة اليوم. تزوير للتاريخ وللواقع في آن واحد.

 

ثالثا: يلاحظ أن الكاتب تجنب ذكر (النصيريين) في كل المقالة على طولها. وأصرَّ على تسميتهم (علويين)

وهذا ترسيخ للتضليل الذي صنعته فرنسا حينما أطلقت على هذا القبيل من الناس علويين. بدل نصيريين. الذي كانوا يعرفون به عبر التاريخ نسبة إلى سلفهم  (محمد بن نصير النميري) الهالك 270 هجرية.

 

ثم إنّ تسميتهم علويين قبل خمسمائة سنة فيه الإساءة مرتين.

الأولى: لأنهم لم يكونوا يسمَّون بذلك.

والثانية: لأن مصطلح (العلويين) له في اصطلاح المؤرخين مدلول حميد. لأنه يطلق على الأشراف الذين ينتسبون إلى علي بن أبي طالب عبر ولديه الحسن والحسين رضي الله عنهم. 

 

رابعا: استخدام الكاتب مصطلح (الجنوب اللبناني) فيه إيهام آخر لأن لبنان كله ككيان سياسي مستقل لم يكن له وجود قبل 1920 م ويأتي هذا كما أسلفنا في  سياق ترسيخ دعوى أن وقائع اليوم نسخة طبق الأصل عن الوقائع قبل 500 سنة. 

 

خامسا: الملاحظ أن المقال لا عزو فيه ولا توثيق. ولسنا نحكم بكذب الكاتب. ولكننا في نفس الوقت لا نسلم بدقة كل ما قال. لأن الرجل في نظري موضع تهمة. وإغفاله العزو يقوي هذه التهمة.

 

سادسا: الملاحظة الأهم. هي في ذلك الإيهام والتضليل والتلبيس البادي في النتيجة التي يسعى إليها من كل المقال. وهي أن المسؤولية في الشحن والعدوان الطائفي في المنطقة مشتركة ومتكافئة عند كل الأطراف اليوم. كما كانت قبل 500 سنة.

مسؤولية الشعب السوري - المعتدى عليه طائفيا - عن النفس الطائفي البغيض. كمسؤولية إيران التي جاءت من مسافة آلاف الأميال تستنهض الروافض من باكستان وأفغانستان والعراق ولبنان واليمن. واستظهرت بجبروت روسيا وشراستها  لقتل السنة في سوريا وسائر الإقليم.

وهي تسوية ظالمة تسقط الكاتب من ديوان الإنصاف بالكلية. 

ويسقط بهذا كلامه واحترامه. 

فلا يعدو كلامه أن يكون لغوا وهراء. إن لم نقل أكثر من ذلك. 

وهي جناية منه على الحقيقة وعلى نفسه .

والمرء حيث يضع نفسه.

والله أعلم.

 

 

وعلق فاضل آخر على هذه المقالة : 

 مقالة فيها إسقاطات متعسفة لحوادث تلك الحقبة، هو بدأ من نظرية الصراع السني الشيعي وأتى بكل ما يؤيده ولو لوى عنقه، وتغافل  عما لا يؤيد نظريته. 

البعد المذهبي والفارسي جرى توظيفه من قبل  الصفوي لبناء دولته الصفوية، وهو كان لا يحب رجال الدين الشيعة. 

مثال ذلك اليوم: حافظ أسد أسس دولة علوية على أنموذج القرون الوسطى، ولذا قيل لها: سورية الأسد، إلخ ، ولكنها دولة أسدية مبنية على استنهاضه للعصبية العلوية التي يؤججها ابنه اليوم في سبيل البقاء. 

ولكنها دولة أسدية في المقام الأول، وأخوف ما يخاف هو وابنه العلويون، لأنهم الأقدر على الإطاحة به، ولو نادى مناد منهم بدولة علوية تقوم على الانتخاب لكبته الأسد. 

الدكتاتور ولاؤه الأول والوحيد لنفسه.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين