تصحيح مفاهيم شرعية خطيرة ، سُفكت لأجلها دماء

 

هل  ( الكفر ) وحده علة كافية للقتال ؟ أو هل الأصل في علاقة المسلمين بالأخرين ( السلم أم الحرب ) ؟

 

تبنى دعاة (الحرب على العالم كله ) القول بأن علة قتال الكفار هو مجرد الكفر ولاشيء غيره !!

وهذه في الحقيقة مسألة فقهية قديمة أثارها العلماء حول علة قتالنا لغير المسلمين : أهي لكفرهم بالإسلام أم هي لعدوانهم علينا وفتنة المؤمنين في دينهم ؟ 

 

1- علماء الأحناف قالو : إن سبب الجهاد هو كون الكفار يحاربوننا ، ونحن ندافع عن أنفسنا .

لقوله تعالى :( أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير )

ولقوله أيضا: ( وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا ) 

ولقوله عليه الصلاة والسلام في المرأة المقتولة: ( ما كانت هذه لتقاتل ) 

وغيرها من أدلة ..

وهذا رأي الجمهور ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية في رسالته " قاعدة في قتال الكفار"

 

2 -ذهب الشافعية إلى أن سبب الجهاد هو ( الكفر ) وحده ، وواجب علينا إزالة الكفر - ما استطعنا - بالجهاد .

لقوله تعالى: ( فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ) 

ولقوله أيضا: ( وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة ) 

وغيرهما من أدلة ..

مع ضابط مهم نقله البيهقي عن الشافعي حين فرق بين ( القتل والقتال ) حيث قال : ( ليس القتال من القتل بسبيل , قد يحل قتال الرجل ولا يحل قتله ) . 

 

لكن علماء الأحناف ناقشوا دلالة هذه النصوص التي جاءت آمرة بالقتال ، وقالوا : كيف تثبت فرضية الجهاد بهذه العموميات ، مع انها ثبت أنها مخصوصة ؟

فقد قصرت على بعض ما يتناوله اللفظ ، بدليل أنه لا يدخل فيها النساء ولا العميان ولا المقعدون ولا الرهبان في الصوامع وغيرهم مما لا يجوز قتالهم كما ورد في الأحاديث .

والعام إذا خصص يصير ظني الدلالة عند الأحناف ، فلا يثبت به الفرض لأنه لا يثبت عندهم  إلا بدليل قطعي .

 

أما مناقشة الأدلة تفصيليا ، فيناقشها الشيخ القرضاوي واحدة واحدة : 

فمثلا آية التوبة: ( فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ) نجد أن اللام في كلمة (المشركين ) هي للعهد لا للجنس ، بمعنى هي خاصة بالمشركين المذكورين في نفس السورة، وهؤلاء يجزون على سوء ما صنعوا ، فقد كان بين النبي عليه الصلاة والسلام وبينهم ميثاق فنقضوه ، وظاهروا عليه أعداءه ، لذا برئ الله ورسوله منهم وآذنهم بالحرب إن لم يتوبوا عن كفرهم ..

وقد سمى البعض هذه الآية ( بآية السيف ) وقال إنها نسخت / 140 / آية من القرآن ومنها آية :(لا إكراه في الدين  ) !!! 

وعند التحقيق العلمي يتبين أن هذا لا يصح ، والآية الأخرى محكمة غير منسوخة ، وبالإمكان الجمع بين النصوص ، وكل يعمل في محله .

أما قوله تعالى: ( وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة)

فكلمة (  كافة ) تعتبر / حالا / من الفاعل ، أي / واو الجماعة /  . فالمعنى : تجمعوا على قتال المشركين أيها المسلمون ، كما تجمع المشركون على قتالكم ، ولا يجوز أن تفرقوا وهم مجتمعون ، ولا أن تختلفوا وهم متحدون .

وهكذا بقية الأدلة .

وتفسير هاتين الآيتين مأخوذ من شيخ المفسرين الإمام الطبري .

 

فما قاله فقهاء الحنفية من أن علة قتالنا للكفار هي ( الحِراب ) أي محاربتهم وقتالهم لنا ، وليست مجرد كفرهم - كما هو المشهور عن الشافعي رضي الله عنه ، وإن كان في مذهبه قول يوافق الجمهور - هو المعتمد ، والنصوص كلها من القرآن والسنة الصحيحة ، ومن وقائع السيرة النبوية ، تؤيد هذا الرأي .

وقد قام الإمام ابن قدامة في ( المغني ) بترجيح قول الجمهور ، فالأولى بعلماء الشافعية في عصرنا أن يرجحوا في مذهبهم ما يوافق جمهور الأمة المؤيد بالأدلة الشرعية ، وخصوصا في القضايا الكبرى التي لها تأثيراتها العالمية في الفكر والسلوك والعلاقات الدولية .

 

انتهى النقل ( بتصرف كبير ) من كتاب" فقه الجهاد " للعلامة القرضاوي 

وهو في مجلدين ضخمين يقارب / 1500 / صفحة 

تكلم عن الكثير من القضايا المهمة ،كأحكام الجهاد فقهيا وأخلاقيا .. ، وقضية الاستعانة بغير المسلمبن ، وقضية الدخول في ميثاق الأمم المتحدة .. ، وقضية التكفير ، وقضية الحكم بغير ما انزل الله .. وقضية دار الكفر ودار الإسلام ..

وناقش نصوصا معينة كحديث: ( بعثت بالسيف بين يدي الساعة .. )  و حديث: ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله .. ) وغيرهما الكثير ..

 

كما أطال النفس في دراسة مسائل أصولية أثارت جدلا كبيرا كمسألة ( النسخ في القرآن  ) ..

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين