تركيا وحلفها الجديد مع روسيا وإيران!

 

ربما كانت مفاجأة ثقيلة تلك النقلة السريعة التي اتخذتها تركيا بالتنسيق الكبير والفعّال مع روسيا وإيران وفي أكثر الملفات تعقيدا وحساسية، ومن حق الناس أن يطرحوا أسئلتهم وتحفظاتهم وآراءهم المختلفة، فالموضوع يمسّ الجميع وله تداعياته الكبيرة على كل دول المنطقة وشعوبها.

بداية لا بد من ملاحظة الظواهر السياسية التي لا يختلف عليها المراقبون والمتابعون، ومنها:

أولا: تفرّد الروس بالمشهد السوري مع انسحاب غير مفهوم للدور الأميركي والأوروبي، ومهما اتفقنا أو اختلفنا في تحليل الموقف الغربي عموما فإن هذا لا يغيّر من الواقع شيئا.

ثانيا: التغلغل الإيراني المباشر في المنطقة عموما وعلى الحدود الجنوبية لتركيا بشكل خاص، من الموصل إلى حلب! وهذا بالنسبة للأتراك بحاجة إلى حل، والحلف الأطلسي الذي تنتمي له تركيا لم يحرّك ساكنا، بل العكس هناك ضوء أخضر ممتد على كل الطرق التي يتقدم فيها الجيش الإيراني والميليشيات الشيعية المرتبطة به.

ثالثا: أن تركيا تعمل بالدرجة الأولى والثانية والثالثة لتركيا، أما التعاطف مع السوريين أو الفلسطينيين فهو في الأغلب ينحو المنحى الإنساني، فتركيا لا تريد أن تورّط نفسها في أي معركة خارج حدودها لمصلحة هذا الطرف أو ذاك، على خلاف إيران التي تتصرف كراعٍ رسمي للطائفة الشيعية في العالم.

إذا أضفنا إلى كل هذا ما يمكن اعتباره مفصلا في منحنى السياسة التركية وهو الانقلاب الفاشل الذي تتهم تركيا فيه الأميركيين، خاصّة بعد معلومات عن تسريب الروس لمكالمات هاتفية لضباط أميركيين في قاعدة أنجرليك تثبت تورطهم في الانقلاب، فنحن أمام مقدّمات لا يمكن أن تقود إلا إلى هذه النتيجة.

بغض النظر عن كل الجرائم البشعة التي ارتكبها الروس في سوريا فإن مجريات الأمور أثبتت أن بوتن يتمتع بقدر عالٍ من الذكاء السياسي والقدرة على اقتناص الفرص والمناورة السريعة بخلاف القادة الأميركيين الذين يخضعون للعمل المؤسسي من ناحية، ولتجاذبات اللوبيات الضاغطة من ناحية أخرى، وعليه فإن رجلا سياسيا وصاحب مشروع كبير كأردوغان لا بد أن يستفيد من هذه الظاهرة، على أقل تقدير لتوفير البديل في حالة حسم العلاقة مع الغرب.

لقد تبيّن لحد الآن أن تركيا يمكن أن تكون لاعبا فاعلا في مجريات الأمور، فوقف إطلاق النار في عموم سوريا لا شك أنه يحقق مصلحة الأتراك ومصلحة الشعب السوري أيضا، ويمكن القول: إن إيران بذيولها المختلفة ما كان لها أن توافق لولا الضغط الروسي.

إن بوتن رجل مصالح وليس رجل أيديولوجيات، فإذا وجد مصلحته مع تركيا فسيقف معها، تماما كما فعل مع إيران، ولا شك أنه بهذا التحالف قد كسب نقاطا كبيرة ومتقدمة على كل المستويات.

إن الشعب السوري يمكنه أن يستفيد من هذه المتغيرات إذا عرف بالضبط ماذا يريد، فخلاف الفصائل حول (المناهج) و (الرايات) و (الزعامات)، والمزايدات الإعلامية والطوباوية كل ذلك قد أرهق الثورة السورية كثيرا، وأبعدها عن تحقيق أهدافها.

إن إسقاط النظام وبناء الدولة الحديثة هو الهدف الذي يجتمع عليه السوريون، ويحظى بالمقبولية لدى كثير من دول العالم، أما الأهداف الأيديولوجية والفئوية فإنها تخدم النظام وتضرّ بالثورة.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين