مراجعة الخطاب الثوري السوري في ضوء السيرة النبوية

 

مع طول فترة الثورة السورية، في ظل صراع المصالح الإقليمية والدولية على الساحة السورية، وما نتج عنها من إحباط في صفوف الثوار السوريين وحاضنتهم الشعبية لا بد من القيام بمراجعات للخطاب الثوري والعمل على تقييم أدائه وتصحيح مساراته، في ضوء السيرة النبوية، والذي ينبغي أن يتجه للتركيز على أهم معالم الخطاب الثوري الموجه ومنها:

 

تمجيد الدفاع عن الحقوق والشهادة في سبيلها 

بيان مشروعية الدفاع عن الحقوق، وأن الحقوق إن سلبت لا ترد إلا بالمطالبة بها والإصرار عليها حتى استردادها وفق الوسائل المشروعة، فإن قُتِلَ صاحب الحق دفاعا عن حقه فإنه يقتل شهيدا، فينال أرفع الدرجات. 

ومن ذلك ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد". أخرجه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح. 

وقد شرح المباركفوري هذا الحديث في تحفة الأحوذي مبينا أن: "قوله (من قتل دون ماله) أي عند دفعه من يريد أخذ ماله ظلما (ومن قتل دون دمه) أي في الدفع عن نفسه (ومن قتل دون دينه) أي في نصرة دين الله والذب عنه (ومن قتل دون أهله) أي في الدفع عن بضع حليلته أو قريبته (فهو شهيد) لأن المؤمن محترم ذاتا ودما وأهلا ومالا فإذا أريد منه شيء من ذلك جاز له الدفع عنه فإذا قتل بسببه فهو شهيد". 

 

التبشير بالنصر والدعوة للتفاؤل مهما اشتدت المحن 

في أوقات اشتداد المحن وضيق الحال لا بد من رفع المعنويات للحفاظ على المكتسبات والثبات حتى إقامة الحق والعدل، فالنبي صلى الله عليه وسلم عندما كان محاصرا مع الصحابة في غزوة الخندق بشر الصحابة بفتح بلاد الشام وفارس- إيران- واليمن. 

وفي ذلك روى البراء بن عازب رضي الله عنه قائلا: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفر الخندق، وعرض لنا صخرة في مكان من الخندق لا تأخذ فيها المعاول، فشكوها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحسبه قال: وضع ثوبه ثم هبط إلى الصخرة فأخذ المعول، فقال: "بسم الله" فضرب ضربة فكسر ثلث الحجر، وقال: "الله أكبر، أعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأبصر قصورها الحمر من مكاني هذا "، ثم قال: "بسم الله" وضرب أخرى، فكسر ثلث الحجر، فقال: "الله أكبر، أعطيت مفاتيح فارس، والله إني لأبصر المدائن، وأبصر قصرها الأبيض من مكاني هذا"، ثم قال: "بسم الله" وضرب ضربة أخرى فقطع بقية الحجر، فقال: "الله أكبر، أعطيت مفاتيح اليمن، والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني هذا". قال الهيثمي في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: رواه أحمد، وفيه ميمون أبو عبد الله، وثقه ابن حبان، وضعفه جماعة، وبقية رجاله ثقات.

 

تجنب نسف التضحيات السابقة للثوار بخطأ لاحق 

الثائر لن يكون معصوما عن الوقوع في الخطأ، فإن وقع منه خطأ لا ينبغي نسف تضحياته السابقة بخطئه اللاحق، وإنما تحفظ تضحياته السابقة وبآن واحد يُحترَز من خطئه.

ويستضاء ههنا بقصة حاطب بن أبي بلتعة، وقد رواها عبيد الله بن أبي رافع، قائلا: سمعت عليا رضي الله عنه، يقول: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير، والمقداد بن الأسود، قال: "انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ، فإن بها ظعينة، ومعها كتاب فخذوه منها"، فانطلقنا تعادى بنا خيلنا حتى انتهينا إلى الروضة، فإذا نحن بالظعينة، فقلنا أخرجي الكتاب، فقالت: ما معي من كتاب، فقلنا: لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب، فأخرجته من عقاصها، فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس من المشركين من أهل مكة يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا حاطب ما هذا؟"، قال: يا رسول الله، لا تعجل علي إني كنت امرأ ملصقا في قريش، ولم أكن من أنفسها، وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات بمكة يحمون بها أهليهم وأموالهم، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم، أن أتخذ عندهم يدا يحمون بها قرابتي، وما فعلت كفرا ولا ارتدادا، ولا رضا بالكفر بعد الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد صدقكم"، قال عمر: يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق، قال: " إنه قد شهد بدرا، وما يدريك لعل الله أن يكون قد اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم "، - قال سفيان: وأي إسناد هذا – أخرجه البخاري في صحيحه.

وقد جاء في تعليق مصطفى البغا على هذا الحديث: [(روضة خاخ) موضع بين مكة والمدينة. (ظعينة) المرأة في الهودج وقيل المرأة عامة واسمها سارة وقيل كنود. (تعادى بنا) تباعد وتجاري. (عقاصها) هو الشعر المضفور. (ملصقا) مضافا إليهم ولست منهم وقيل معناه حليفا ولم يكن من نفس قريش وأقربائهم. (يدا) نعمة ومنة عليهم. (اطلع) نظر إليهم وعلم حالهم وما سيكون منهم. (وأي إسناد هذا) أراد تعظيم هذا الإسناد وبيان صحته وقوته لأن رجاله هم العدول الثقات الحفاظ]. 

 

العمل مع الجماعة وعدم اتباع المنخذلين شقاق الصفوف والكف عن جلد الذات ‏

في طريق الثورة وأي عمل سيكون هناك أناس ينشقون عن الطريق ويسعون لتفريق الصفوف وتشتيت الجموع، وقد يؤثر ذلك سلبا على العمل، وفي هذه الحال لا ينبغي جلد الذات وتراشق الاتهامات وإنما ينبغي الثبات مع الجماعة وعدم الالتفات إلى المنخذلين والمنشقين عن العمل الجماعي الذي شرعوا فيه.

ففي غزوة أحد كان رأي عبد الله بن أبي ابن سلول مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى رأيه في ذلك ألا يخرج إليهم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بكره الخروج من المدينة فقال رجال من المسلمين، ممن أكرمهم الله بالشهادة يوم أحد، وغيرهم ممن كان فاتته بدر وحضروه: يا رسول الله أخرج بنا إلى أعدائنا لا يرون أنا جبنا عنهم أو ضعفنا، قال عبد الله ابن أبي بن سلول: يا رسول الله أقم بالمدينة فإن أقاموا أقاموا بشر مجلس، وإن رجعوا رجعوا خائبين كما جاؤا، وإن دخلوها قاتلهم الرجال في وجوههم، ورماهم الصبيان والنساء بالحجارة من فوقهم فلم يزل الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم، الذين كان من أمرهم حب لقاء الله، حتى دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيته فلبس لأمته، وذلك يوم الجمعة حين فرغ من الصلاة، وقد مات في ذلك اليوم رجل من الأنصار يقال له مالك بن عمرو أحد بني النجار، فصلى عليه رسول الله ثم خرج وقد ندم الناس وقالوا: استكرهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله استكرهناك، اقعد، ولم يكن لنا ذلك صلى الله عليك، فقال: رسول الله عليه السلام: "ما ينبغي إذا النبي لبس لأمته أن يضعها حتى يقاتل"، فخرج رسول الله في ألف من أصحابه حتى إذا كان بالشوط بين المدينة وأحد انخذل عنه عبد الله ابن أبي بن سلول بثلث الناس، وقال: أطاعهم وعصاني، والله ما ندري على ما نقتل أنفسنا ههنا أيها الناس، ثم رجع بمن معه من قومه من أهل النفاق وأهل الريب، واتبعهم عبد الله بن عمرو بن حرام أخو بني سلمة يقول: يا قوم أذكركم الله أن تخذلوا نبيكم وقومكم عندما حضر من عدوكم قالوا: لو نعلم أنكم تقاتلون ما أسلمناكم ولكنا لا نرى أن يكون، فقال فلما استصعبوا عليه وأبوا إلا الانصراف عنهم قال: أبعدكم الله أعداء الله فسيغنني الله عنكم. وقد روى ذلك ابن إسحاق في سيرته.

 

انتقاء الكلمات الخطابية وتوجيهها لاستئناف العمل الثوري

‏الحرب كر وفر كما يقال وكما يشهد بذلك الواقع، وفي ضوء ذلك إن وقعت خسارة ما أو انسحاب من مكان ما، فليكن الخطاب موجها للكر المستقبلي لا للتلاوم الذاتي.

وقد روى ابن عمر رضي الله عنهما، قائلا: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية، فحاص الناس حيصة، فقدمنا المدينة، فاختبأنا بها وقلنا: هلكنا، ثم أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلنا: يا رسول الله، نحن الفرارون، قال: "بل أنتم العكارون، وأنا فئتكم".

أخرجه الترمذي في سننه وقال: هذا حديث حسن لا نعرفه إلا من حديث يزيد بن أبي زياد ومعنى قوله: فحاص الناس حيصة، يعني: أنهم فروا من القتال، ومعنى قوله: «بل أنتم العكارون»، والعكار: الذي يفر إلى إمامه لينصره ليس يريد الفرار من الزحف.

 

ختاما إلى الثوار وإعلاميي الثورة 

مجدوا الدفاع عن الحقوق فمن قتل دفاعا عن دينه ودمه وأهله وماله فهو شهيد، وبشروا بالنصر والتفاؤل فالنبي صلى الله عليه وسلم بشر بفتح بلاد الشام والفرس- إيران- واليمن، وهو محاصر من الأحزاب في غزوة الخندق، ولا تنسفوا التضحيات لمن أخطاء بخطأ ما، وتذكروا حادثة حاطب في فتح مكة، واعملوا مع الجماعة ولا تتبعوا المنخذلين شقاق الصفوف واستحضروا في ذلك قصة عبدالله بن أبي بن سلول في أحد، وفي حال الاضطرار للانسحاب رددوا: أنتم الكرارون.

 

واستفتحوا يومكم بالنصوص المبشرة بالنصر مصحوبة بالدعوة للتفاؤل مع شواهد تاريخية تبعث الأمل ‏وتعين على الثبات والاستمرار إلى الوصول لإقامة الحق والعدل ونشر السلام، وكفوا عن التلاوم وجلد الذات والتراشق الذي يؤثر سلبا على الصفوف الداخلية، وتذكروا قول الله عز وجل: (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ)، (سورة آل عمران، الآية: 126)، وتأكيده تبارك وتعالى ذلك في موطن آخر: (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)، (سورة الأنفال، الآية: 10).‏

 

نسأل الله جمع الكلمة ووحدة الصف والسداد وإقامة الحق والعدل والسلام، والقضاء على الظلم والطغيان.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين