معجزة صمود الثورة: إلى متى؟

 

إنما يتحقق قدر الله في الكون بالأسباب التي قدرها الله فيه، فإذا أراد -عزّ وجل- أمراً فإنه يهيئ أسبابه ولو كانت بخلاف الراجح المألوف، فإذا رأينا الأسباب تتكاثر وتتراكم لترجيح احتمالٍ هو في أصله مرجوح علمنا أن هذا الأمر داخل في التيسير الرباني وأنه اختيار الله لعباده الضعفاء العاجزين.

 

هذا هو حال الثورة السورية ومثالُها، فإن القدرات الذاتية والموارد المتاحة والعوامل المادية المجرّدة كانت تدل في أول الثورة على نهاية محتومة، وهي أنها لن تكمل شهرها الأول، فإذا نجت منه فقد لا تكمل الثاني، فإنْ عاشت بضعة أشهر فلن تكمل عاماً، ولو بلغته فإن بلوغ الثاني مُحال.

 

هذا ما كان منتظَراً بالمقاييس المادية الدنيوية، لكن الثورة مضت ونجت وعاشت شهراً بعد شهر وعاماً بعد عام. نعم، بضَنْك شديد لا يُنكَر، وبصعوبة هائلة وتضحيات عِظام جِسام، ولكنها عاشت، فهي كالمريض المُدْنف (الضعيف المشرف على الهلاك) الذي أقّتَ له الطبيبُ شهراً فعاش ستّ سنين وما زال يبدو قابلاً للحياة. الطبيب ينظر إلى مريضه حائراً ويقول: إنها معجزة غريبة، ونحن ننظر إلى ثورتنا حَيارى ونقول: إنها معجزة من أعجب المعجزات!

 

*   *   *

 

لقد مدّ الله ثورتَنا حتى اليوم بأسباب الصمود والبقاء، لكنْ هل سيستمر هذا المدد إلى آخر الطريق؟ لا نعلم. ثقتنا بالله كبيرة ولكن خوفنا من تقصيرنا وأخطائنا أيضاً كبير، فنخشى أن يكِلَنا الله إلى أنفسنا فنفشل وننتهي إلى إخفاق، لأننا بغير معونة الله لا طاقة لنا بعدونا، والله تبارك وتعالى أكرم وأنزه من أن ينصر خطّائين عن الخطيئة لا يتوبون وظَلَمةً عن الظلم لا يَرْعَوون.

 

من أجل ذلك وجب علينا أن نجمع مع التفاؤل والاتكال على الله محاسبةَ النفس ونقدَ الذات، لأن ما يصيبنا من ضُرّ وسوء أكثرُه بما كسبت أيدينا، ولولا الكثير الذي يعفو عنه الله لهلكنا منذ زمن. من أجل ذلك علينا أن نشخّص الداء الذي أصاب ثورتنا وأن نكشف الأخطاء والأخطار التي صنعناها بأيدينا، فأضعفنا بها أنفسَنا وأوشكنا أن نعرّض بسببها ثورتَنا للهلاك لا قدّر الله.

 

مَن ظلم وبغى وطغى وأكل حقوق الناس فقد خرق السفينة، ومن سكت عن جناية أو تغاضى عن جريمة خوفاً من أحد أو مجاملة لأحد فقد سكت عن الخرق ويوشك أن يغرق مع الغارقين. إلاّ ينهضْ أهلُ الثورة لتنقية ثورتهم من هذه العلل والآفات فأخشى أن لا تعيش عاماً آخر وأن لا ينصرها الله، لأن الله يساعد الذين يساعدون أنفسهم، أما الكسالى القاعدون والجبناء والعاجزون فلا مساعدةَ لهم ولا بواكيَ عليهم إذا سقطوا في الطريق.

 

نسأل الله أن يحفظ الثورة ويحميها من الانهيار والانكسار، وأن يوصلها ويوصلنا معها إلى برّ الأمان ومحطة الانتصار.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين