الإسلام ومراعاة مشاعر الناس-1-

 

إنَّ ديننَا الإسلاميَّ الحنيف دينٌ قامت دعائمه الأولى على أساس أخلاقي قويم ؛ بل إنَّ الهدف الأول والأسمى من دعوة نبيِّنا محمد – صلى الله عليه وسلم - هو تميم ذلك البنيان ، وترسيخ ذلك الأساس والسُّمو به إلى ذروةكماله , قال – صلى الله عليه وسلم - : " إنَّما بعثت لأتمِّم مكارم الأخلاق "رواه مالك. 

ووصف الله نبيَّه الكريم بالخلق العظيم فقال : {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} سورة القلم(4) . 

ولقد جاء الإسلام لإسعاد الناس وصلاحهم, وليس لقهرهم وإكراههم، و المسلم إنسان حسَّاس يراعي مشاعر جميع الناس, فهو يتمتَّع بدرجة عالية من الإحساس والتَّأثر، وهو صاحب قلبِ حيٍّ نابضٍ، وينعكس ذلك كلُّه على سلوكه وتصرفاته. 

ولقد وضع الإسلام كثيراً من المبادئ والأسس التي من خلالها تُصانُ المشاعرُ وتراعى الأحاسيس، ومن هذه المبادئ: 

1-الالتزام بأدب الحديث : 

فقد أمر الله تعالى نبيَّه صلى الله عليه وسلم بالرِّفق واللِّين في القول، فقال سبحانه : {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} آل عمران(159). 

وأمرنا بذلك فقال : { وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً }البقرة(83). 

وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس المؤمن بالطعَّان ولا اللعَّان ولا الفاحش ولا البذيء) رواه التّرمذي،وقال: حديث حسن، وصحَّحه الحاكم، ووافقه الذَّهبي، ورواه أحمد وابن حبَّان في صحيحه. 

ولقد ضرب النبي – صلى الله عليه وسلم –أروع الأمثلة في حسن مراعاة مشاعر الناس وأحاسيسهم , وروت لنا كتب السُّنة والسِّيرة نماذج رائعة في ذلك منها : 

مارواه ابن عباس رضي الله عنهماعن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال : "عُرِضتْ عليَّ الأمم فرأيتُ النبي ومعه الرُّهيْط، والنبي ومعه الرَّجل والرَّجلان، والنبي ليس معه أحد، إذ رُفِع لي سوادٌ عظيمٌ فظننت أنَّهم أمَّتي، فقيل لي: هذا موسى صلى الله عليه وسلم وقومه، ولكنِ انظر إلى الأفق، فنظرت، فإذا سوادٌ عظيمٌ فقيل لي: انظرْ إلى الأفق الآخر، فإذا سوادٌ عظيمٌ فقيل لي: هذه أمَّتك ومعهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، ثم نهض فدخل منزله، فخاض الناس في أولئك الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، فقال بعضهم: فلعلَّهم الذين صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال بعضهم: فلعلهم الذين وُلِدوا في الإسلام ولم يُشركوا بالله، وذكروا أشياء، فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " ما الذي تخوضون فيه؟ فأخبروه، فقال: هم الذين لا يرْقون ولا يسْترْقون ولا يتَطَيرون وعلى ربهم يتوكلون" فقام عكاشة بن محصن فقال: ادعُ الله أن يجعلني منهم، فقال: أنت منهم، ثمَّ قام رجلٌ آخرُ، فقال: ادعُ اللهَ أن يجعلني منهم، فقال: " سبقك بها عكاشة "رواه البخاري( 5378، 5420، 6175) ومسلم( 220)عن ابن عباس

َقَالَ الْقَاضِي عِيَاض : قِيلَ إِنَّ الرَّجُل الثَّانِي لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يَسْتَحِقّ تِلْكَ الْمَنْزِلَة وَلَا كَانَ بِصِفَةِ أَهْلهَا بِخِلَافِ عكاشة ، وَقِيلَ : بَلْ كَانَ مُنَافِقًا فَأَجَابَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَلَامٍ مُحْتَمَل ، وَلَمْ يَرَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّصْرِيح لَهُ بِأَنَّك لَسْت مِنْهُمْ لِمَا كَانَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ مِنْ حُسْن الْعِشْرَةِ. شرح النَّووي على مسلم(1/ 361).

فقد راعى النبي صلى الله عليه وسلم مشاعر الرَّجل الذي قال للنبي "ادعُ الله أن يجعلني منهم" ولم يردْ أن يجرحه أو يحرجه. 

وروت أمُّ المؤمنين عائشة - رضي الله عنها -أنَّ رجلا استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فلما رآه قال: "بئس أخو العشيرة، وبئس ابن العشيرة"، فلما جلس تطلَّق النبي صلى الله عليه وسلم في وجهه وانبسط إليه، فلما انطلق الرجل قالت له عائشة: يا رسول الله، حين رأيت الرجل قلت له كذا وكذا، ثمَّ تطلَّقت في وجهه وانبسطت إليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عائشة متى عهدتِني فحاشا؟ إنَّ شر الناس عند الله منزلةً يوم القيامة مَنْ تركه الناس اتقاءَ شرِّه" رواه البخاري.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين