الإسلام ومراعاة مشاعر الناس 7 و8

7- لا تسبَّ الأمواتَ  

نهى الإسلام عن سبِّ الأموات لأنَّ في سبابهم إيذاءً لمشاعر الأحياء ، فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "لا تسبُّوا الأموات فإنَّهم قد أفضَوْا إلى ما قدَّموا" (1) . 

وروت كتب السيرة أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: (يأتيكم عِكرمة بن أبي جهل مؤمنًا مهاجرًا، فلا تسبُّوا أباه، فإنَّ سبَّ الميت يؤذي الحيَّ، ولا يبلغ الميتَ(2) . 

8- مراعاة مشاعر الضعفاء والمرضى وذوي الحاجات: 

إذا كان كل إنسان يحتاج إلى مَنْ يراعي مشاعره وأحاسيسه فإنَّ أحاسيس ومشاعر المرضى والضعفاء وذوي الأعذار والحاجات أولى بالمراعاة والتقدير . 

رُوِيَ عن جابرٍ رضي الله عنه قال : كانَ معاذٌ يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم ثمَّ يأتي فيؤمُ قومَه ، فصلَّى ليلةً معَ النبي صلى الله عليه وسلم العشاءَ ثم أتى قومَه فأمَّهم فافْتَتَحَ بسورةِ البقرةِ فانْحَرَفَ رجلٌ مسلمٌ ثمَّ صلَّى وحدَه وانصَرَفَ ، فقالوا له : أنافَقْتَ يا فلانُ ؟ قال : لا واللهِ ولآتِيَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فلأُخْبِرَنَّه ، فأتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسولَ الله ، إنَّا أصحابُ نواضحَ نعملُ بالنهارِ ، وإنَّ معاذاً صلَّى معكَ العشاءَ ثم أتى فافتَتَح بسورةِ البقرةِ ، فأقبَلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فقال : " يا معاذُ أفتّانٌ أنتَ ؟ اقرأ بكذا واقرأ بكذا " (3). 

وعن عثمانَ بنِ أبي العاصِ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أُمَّ قومَكَ ، فمنْ أمَّ قومَه فليُخَفَّفْ فإنَّ فيهم الكبيرَ وإنَّ فيهم المريضَ وإنَّ فيهم الضعيفَ وإنَّ فيهم ذا الحاجة ، وإذا صلَّى أحدُكم وحدَه فليُصَلِّ كيفَ شاءَ " (4). 

إنَّ مراعاة مشاعر الناس وأحاسيسهم مما يزيد في الودِّ ويؤلف بين القلوب ، فقد لا ينسى أحدنا موقفاً لشخصٍ ما راعى فيه مشاعره وشاركه أحاسيسه . 

فحينما تخلَّف كعب بن مالك عن غزوة " تبوك " ثم تاب الله عليه ، وآذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتوبة الله عليه وعلى مَنْ معه حين صلَّى الفجر ، يقول كعب : " فتلقَّاني الناس فوجاً فوجاً يهنؤونني بالتوبة يقولون لِتُهنِكَ توبة الله عليك حتى دخلت المسجد ، فإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم حوله الناس ، فقام إليَّ طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهناني ، والله ما قام رجل إليَّ من المهاجرين غيره ، لا أنساها لطلحة ". 

وعن قيسٍ : سمعت جرير بن عبد الله يقول : ما رآني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا تبسَّم في وجهي ، وقال : يطلع عليكم من هذا الباب رجلٌ من خيرِ ذي يمنٍ ، على وجهه مسحةُ ملك سوار بن مصعب ، عن مجاهد ، عن الشعبي . عن عديِّ بن حاتم ، قال : لمَّا دخل ، يعني جريراً ، على النبي - صلى الله عليه وسلم - ألقى له وسادةً ، فجلس على الأرض . فقال النبي ، صلى الله عليه وسلم : أشهد أنَّك لا تبغي عُلوَّاً في الأرض ولا فساداً . فأسلم . ثم قال النبي ، صلى الله عليه وسلم : إذا أتاكم كريمُ قومٍ ، فأكرموه(5) .

1- رواه البخاري، وروى التِّرمذي عن المغيرة -رضي الله عنه- نحوه، لكن قال: "وتؤذوا الأحياء ". 

2-الواقدي وابن عساكر. 

3- مسلم 4 / 181 .وفي روايةٍ : صلَّى لأصحابِه العشاءَ فطَوَّلَ عليهم البخاري 2 / 192وفي رواية أخرى أنَّه قرأ بالبقرة البخاري 2 / 192. 

4- مسلم 4 / 185 .وفي روايةٍ : " أنتَ إمامُ قومِكَ واقدر القومَ بأضعَفِهم " قال في الفتح 2 / 199 : أخرجه أبو داود والنسائي وإسناده حسن . 

5- رواه الحاكم في المستدرك.

خاتمة : 

إنَّ صاحبَ الإحساس والتَّأثر يراعي مشاعر إخوانه، ويحترمها، ويحذر أن يمَسَّها بسوء.

 يُروى أنَّ أبا سفيان ـ في هدنة صلح الحُدَيْبِيْة ـ قبل إسلامه، مرَّ على سلمان وصهيب وبلال، فأرادوا أن يُسمعوه قولاً يُغيظه، فقالوا: والله ما أخذت سيوف الله من عنق عدوِّ الله مأخذَها. فاستنكر عليهم أبو بكر رضي الله عنه ما قالوا، وقال لهم: أتقولون هذا لشيخِ قريشٍ وسيَّدِهم؟ وذهب أبو بكر فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما جرى، فكان أوَّلَ أمرٍ أهمَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أنْ تساءل عن مشاعرهم تجاه ما صدر من أبي بكر، فقال له: يا أبا بكر! لعلَّك أغضبتَهم؟ لَئِنْ كنتَ أغضبتَهم، لقد أغضبتَ ربَّك، فأتاهم أبو بكر يسترضيهم، ويستعطفهم، قائلاً: يا إخْوَتاه! أغضبتُكم؟ قالوا: لا . يغفر الله لك . (1) . 

ولقد كان من دعاء النبي – صلى الله عليه وسلم : "اللهم فاطرَ السَّماوات والأرض عالمَ الغيب والشَّهادة لا إله إلا أنت ربُّ كلِّ شيءٍ ومليكُه أعوذ بك من شرِّ نفسي ومن شرِّ الشَّيطان وشِرْكِه ،وأنْ أقترفَ على نفسي سوءاً أو أجرَّه إلى مسلمٍ "(2). 

اللهمَّ جنِّبْنا الزَّللَ في القول والعمل ، واجعلْنا ممَنْ يقول فيعمل ويعمل فيخلص ، ويُخلص فيُقبل منه . 

1- صحيح مسلم 4/1947. 

2- أخرجه الترمذي (5/542 ، رقم 3529) والبخاري في الأدب المفرد (1/413 ، رقم 1204) .

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين