المحرِّقون

مهما علَوا في الأرض ظلمًا وبغيًا فإنهم في قبضة الملك، وهو من ورائهم محيط.

فأين تذهبون؟

إن استبحتم الأرض فإنه محاط بكم بسماء لا قبل لكم باستباحتها، وليأتين من بعدكم أقوام لا قبل لأحد بهم، حتى إذا أثخنوا البشر فتكًا قالوا: قد فرغنا من أهل الأرض، فلنقتل أهل السماء، فيرمون سهامهم إلى السماء، فترتد إليهم فيها أثر الدم فتنة لهم، والسماء هي السماء لم ينالوا منها شيئًا، ويسلط الله عليهم دود النغف فيهلكون، حتى تنتن الأرض من زهمهم، ثم يُلقى بهم حيث ألقت رحلها أم قشعم، ويغسل الله الأرض بماء طهور، وتصفو بالسلام من بعد نزول المسيح عليه السلام.

وإن طالت أيامكم، وغرتكم مدة بقائكم، فإنكم محاط بكم بيوم موعود، هو اليوم الحق، ليس لكم عنه محيد، ولا تنالون من بعده حكما بنار أو حديد، تحشرون فيه كأمثال الذر، وتوطؤون بالذل والقهر، وتقدمون أول الناس للحساب،إذ لا يُقضى يومئذ في شيء قبل الدماء.

ومهما بذلتم للاستخفاء بجرائمكم مراعاة لرأي عام، أو خوفا من ردود الأفعال الدولية، فإنكم محاط بكم بشهادة الشهود يشهدون على إجرامكم، يشهد الحجر والشجر والإنس والجن والملائكة، بأنكم أئمة الشر، وزعماء الغدر، ورؤوس الإفساد في هذا العصر.

{وَٱلسَّمَاۤءِ ذَاتِ ٱلۡبُرُوجِ (١) وَٱلۡیَوۡمِ ٱلۡمَوۡعُودِ (٢) وَشَاهِدࣲ وَمَشۡهُودࣲ (٣) قُتِلَ أَصۡحَـٰبُ ٱلۡأُخۡدُودِ (٤)}

ومن أخدود نجران إلى أخدود التضامن في الشام، تتصل أفانين الطغاة المستبدين، فملة الاستبداد واحدة، وفجور الكفر لا يتبدل في جوهره، وقد يتجدد في صفاته ومظهره، ولا يستغني متأخرهم عن الاقتداء بمتقدمهم، وإن أباد بالفوسفوري والكيماوي، واخترع التفجير بالبراميل، وجاءه مدد الشر من شراذم البغي في الأرض، فلا بد له من أن يحنَّ إلى الإجرام القديم، ويخدَّ الأخاديد، ويوقد النار بأجساد المستضعفين.

{ٱلنَّارِ ذَاتِ ٱلۡوَقُودِ (٥) إِذۡ هُمۡ عَلَیۡهَا قُعُودࣱ (٦) وَهُمۡ عَلَىٰ مَا یَفۡعَلُونَ بِٱلۡمُؤۡمِنِینَ شُهُودࣱ (٧)}.

ومهما بطشوا فإن بطش الله شديد، وهو الفعال لما يريد.

{ إِنَّ بَطۡشَ رَبِّكَ لَشَدِیدٌ (١٢) إِنَّهُۥ هُوَ یُبۡدِئُ وَیُعِیدُ (١٣) وَهُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلۡوَدُودُ (١٤) ذُو ٱلۡعَرۡشِ ٱلۡمَجِیدُ (١٥) فَعَّالࣱ لِّمَا یُرِیدُ (١٦) }.

يفعل ما يشاء سبحانه؛ يهلك ظالمًا، أو يمهله، ينصر مظلومًا أو يرجئه، يصرِّف الأمر بحكمته، ولا يشرك أحدًا في تدبير ملكه، ولا يعزب شيء عن علمه، ولا يخرج مخلوق عن سلطانه.

{ هَلۡ أَتَاكَ حَدِیثُ ٱلۡجُنُودِ (١٧) فِرۡعَوۡنَ وَثَمُودَ (١٨) بَلِ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ فِی تَكۡذِیبࣲ (١٩) وَٱلله مِن وَرَاۤئهِم مُّحِیطُۢ (٢٠)}.

والله من ورائهم محيط، وكفى بالله شهيدًا حسيبًا!

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين