لماذا تأخرت القضية السورية؟

قام "الربيع العربي"، واستنشق عشاق الحرية والباحثون عنها، عبق الكرامة، وتنفسوا الصعداء، وهم يسمعون أهازيج الثورة والحرية، والبحث عن حقوقهم - حقوق الإنسان - المسلوبة منهم، وذرفوا دموع الفرح، وهم يرون طغاة يتساقطون هنا وهناك، تماثيل تحطم، وصور تحرق، وأعشاش فتنة تهدم، وخيوط عناكب الفجور تمزق، رؤوس تطير، وثقلاء يفرون بسرعة البرق، وآخرون في السجون، وعاشت الأمة أجواء نشوة، ما عرفوها منذ زمن بعيد.

 

ولم تكن الشعوب المنكوبة بتلك الأنظمة، تتصور أن وحوش الشر، وتلامذة الباطل، وأعداء البعد الإنساني، لهم بالمرصاد، ويتربصون بهم الدوائر، لينقلبوا على هذا الربيع، محاولين تحويله إلى خريف بائس، حتى يترحم الناس على الاستبداد، ويتمنوا أن لو عاد الطغاة من جديد، ويترحمون على النباش الأول، رغم جوره وفساده وإجرامه وطغيانه.

 

وباختصار: فإن مشروعهم هو إجهاض هذه الثورات، وعدم السماح للشعوب أن تتنسم هذه المعاني، التي لأجلها قامت هذه الثورات؛ لأن هذه المبادئ والمعاني والشعارات والأهداف، لا يروق لقوى السوء والفجور، أن تنتشر، ومن ثم تضيع عليهم مشاريعهم الكبرى، في التقسيم والإذلال، مع السيطرة والاستعمار، وبالمختصر يريدون شعوبنا ذليلة مستكينة، تصفق للطاغوت، وترضخ للأمر الواقع.

 

نعم ثمن الحرية باهظ، وتكلفته ثقيلة، وفاتورته مكلفة، ويحتاج الأمر إلى صبر وثبات وتضحية.

 

1- والثورة السورية، واحدة من هذه الثورات، التي يراد لها ألا تنجح، بل يراد لها الدمار، لأن أصحاب المشروع الذين يكيلون بألف مكيال، لا يروق لهم نجاحها، لذا طالت المدة.

 

2- كانت الثورة السورية معقد آمال الأمة، التي تفاعل أحرار العرب والمسلمين والعالم معها، مؤيدين ومساندين، ومستبشرين بنصرها، حيث سيتحرر بلد عربي، من الظلم والقهر والدكتاتورية والقتل، وكل صنم يسقط في بلاد الربيع، هو نصر للأمة، وفي المثل الشعبي "إذا مطرت أرض، بشرت أختها"، وهذا النصر القريب بإذن الله، سيكون قاصمة ظهر نظام البغي والضلال والطائفية، في إيران، ومن في مصلحته بقاء نظام القتل والجريمة في سورية، والملاحظ أن زخم التأييد والإسناد ضعف، ولم تعد القضية السورية – على حرارة مشهدها، وسخونة أحداثها – تتصدر المشهد، كما كانت، بل هناك تراجع ملحوظ، وهو عنوان خطر.

 

3- ومن أسباب هذا التراجع في التصدر:

 

– طول المدة، بفعل أصحاب المشاريع إياها.

 

– تجفيف المنابع.

 

– تخويف الناس، وزرع الرعب في صفوفهم، خصوصاً في التركيز على قضية الإرهاب، بصورة مجزأة ممقوتة.

 

– التوسع في قضية الحديث عن الخطر الأمني.

 

– ظهور بعض جماعات الغلو (التطرف) التي خلطت أوراق الساحة السورية.

 

– وجود أحداث جسام، في جسم هذه الأمة، بمصر والعراق واليمن وليبيا وفلسطين.

 

– تقصير أصحاب الثورة على اختلاف مكوناتهم.

 

– التشتت النسبي للصف السوري، إلى غير ذلك من الأسباب.

 

4- ماذا نصنع حتى نستعيد الوضع كما كان وأحسن، ويكون ذلك من باب الأخذ بأسباب النصر؟ من هذه الإجراءات ما يأتي:

 

أ– التوافق على إحداث توازن مستقر، بين قضايا الأمة، لأننا أمة واحدة، وجسد واحد، من خلال رسم سلم الأولويات، ووضع سياسة إعلامية، تعطي كل أمر حظه الصحيح، ونصيبه الذي يستحقه، من حيث حجم الكارثة، وكبر المصاب.

 

ب– أن نعاجل في جمع كلمة الثوار السوريين، وفي المستويات كافة.

 

جـ– رسم سياسة إعلامية متعاونة متعاضدة، لإبراز الحدث السوري بصورة علمية.

 

د– تشكيل لجان للطواف على العالم، وتلتقي بالحكام والشعوب والأحزاب والمنظمات والجمعيات، الرسمية والشعبية، وتشرح القضية السورية، وتزيل الغشاوة التي التصقت بالثورة، وبيان حقيقة أمرها، ودفع الشبهات التي تحيط بها، والتي يروج لها المغرضون، وأعداء الربيع العربي، مع بيان أسباب الثورة وأهدافها، واستعادة الوقفات الاحتجاجية، والندوات القوية، والمهرجانات المدوية، والكتابات المؤثرة، ولا يجوز أن نستسلم للواقع.

 

هـ– بيان حقيقة الغلو في سورية، وما حجمه، ومن وراء ذلك، وأن الثورة في سورية، لا تعرف الغلو ولا تريده، ووجود بعض من يتصف بذلك، لا يصح أن يكون قاعدة عموم، يحكم على الثورة كلها بذلك، ويوصم الشعب السوري بهذه الصفة.

 

و– من هنا ينبغي التركيز على القواسم المشتركة للثورة السورية، وأن هذه الثورة، إنما هي ثورة شعب، وليست ثورة حزب أو جماعة، أو تيار.

 

ز- دور العلماء دور كبير، فهم ورثة الأنبياء، وملح البلد، وعلى عاتقهم مسؤولية ضخمة في الثورة السورية، لذا وجب عليهم أن يقوموا بدورهم الذي لا يسده سواهم، في المناصرة والإسناد، والفتوى والبيانات، والتواصل مع علماء العالم، والوصول إلى شعوب الأمة، وشرح قضية الشعب السوري، وبيان مظلمته، وضرورة دعمه حتى ينال حريته، فتبنى سورية الغد المشرق المنير، بقيم العدل الذي هو مصدر كل خير، وأساس كل فضيلة، بعيداً عن هذا النظام المجرم، ومن سانده من الظلاميين الفاسدين.

 

(وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) (التوبة:105).

 

ومطلوب منا أن نكون أقوياء في كل أمورنا، في الإيمان والعلم، والعبادة والخلق، والبلاغ، والجهاد، والحركة، والسياسة، والإعلام، والاقتصاد، أقوياء في تنظيمنا وخططنا، في برامجنا واستشرافنا للمستقبل، أقوياء في الإرادة والتصميم، في الصبر والثبات والتضحية. كما مطلوب منا أن ننبذ الضعف بكل صوره وأشكاله ومظاهره وعناوينه.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين